الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الجمعة 20 يوليه 2012 - 1 رمضان 1433هـ

هل أخطأنا حين شاركنا في الجمعية التأسيسية؟

كتبه/ ياسر برهامي*

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد يفكر البعض في جدوى مشاركة السلفيين في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في ضوء النتائج التي كان الإسلاميون عمومًا والسلفيون خصوصًا يتمنون غيرها، وربما نَسب البعض مَن شارك إلى الإقرار بباطل أو السكوت عن حق!

وأحب أن أؤكد في هذا المجال عددًا من المسائل:

1- إن قرارنا بالمشاركة السياسية كان من أهم أهدافه المشاركة في كتابة دستور يعبِّر عن حقيقة الهوية الإسلامية لأمتنا، خصوصًا مع وجود بعض الأصوات العالية مِن أول الثورة إلى وقتنا الراهن التي تطالب بإبعاد الشعب المصري عن هويته الإسلامية إلى أخرى: إفريقية أو أسيوية أو وطنية أو قومية محضة؛ فكيف يُتصور إذن أن نكون في اللحظة الحاسمة بعيدين عما دخلنا المشاركة السياسية من أجله؟!

2- إنه من القواعد المقررة شرعًا: أنه لا يُنسب لساكت قول إلا إن كان عن رضا وإقرار، فلا يُتصور إذن أن يُنسب الإقرار بباطل لمنكرِه الذي قد أعلن إنكاره للباطل، وصرَّح به مطالبًا بالحق واضحًا، ثم غُلب بسبب أغلبية: إما رافضة للحق أو متهاونة في إظهاره بزعم ترتيب الأولويات، مع أن الحفاظ على الهوية للأمة من أعظم الأولويات!

والحقيقة أن الكثير من المنتقدين كانوا هم السبب في حصول هذه الأغلبية بسبب عدم مشاركتهم في دعم حزب النور في الانتخابات أو مشاركتهم في  دعم غيره، وها هي ذي الثمار تُجنى اليوم.

3- إن قاعدة: مراعاة تدافع الحسنات والسيئات والمصالح والمفاسد؛ لتحصيل خير الخيرين ولو فات أدناهما ودفع شر الشرين ولو حصل أدناهما - قاعدة مقررة في الشرع يستعملها أهل العلم دائمًا. فلا يناسب أبدًا الحساب على المطلق والمثالي، بل لا بد من النظر إلى الممكن والمتاح.

4- إن من المقرر شرعًا: أنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن الآمر بالشيء بل الراضي به شريك لفاعله، فلا تصح مطالبة البعض بألا يشارك الدعاة وأهل العلم في منازلة حامية الوطيس نصره للدين بدعوى أنهم سيقرون بباطل أو منكر، وأنه كان ينبغي أن يكون بعض الشباب هم من يتولى ذلك؛ لأنه إنما يتم بأمر وتوجيه الدعاة وأهل العلم. وبحمد الله لا يوجد ما يلزِم الدعاة بباطل؛ ولو غلبوا على ما يريدون من الحق.

5- إن من المتقرر شرعًا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنه إذا كان الأمر يحتاج إلى مجادلة وإقامة للحجج ولا يصلح لذلك إلا واحد أو أكثر: تعيَّن على من لا يصلح غيره لهذه المهمة، وإذا كان من يبغضون الشريعة ولا يريدونها قد حشدوا كل الجهود والرموز والأشخاص والإعلام من أجل إبعادها؛ أفلا يشارك الدعاة في هذه المهمة العظيمة؟!

6- إن وجود بعض الألفاظ مثل: الديمقراطية والمواطنة في الدستور رغم مطالبة السلفيين باستبدال لفظ الشورى بها لا يعني أنها قُبلت على معناها الفلسفي المصادم للشرع، فهذه ألفاظ لم ترد نفيًا ولا إثباتًا في الكتاب ولا في السنة، وإنما كان ذمها ووصف البعض لها بالكفر مطلقًا راجعًا إلى حقيقة فلسفتها القائمة على نبذ الدين كمرجعية للبناء التشريعي والانتمائي لمجتمع أو دولة، وأما إذا فسرت تفسيرًا لا يتضمن ذلك؛ فهذا بلا شك خير من تركها على أصلها الفلسفي الذي يسمح للشعب أن يشرع ما يشاء، ولو كان بتحليل الحرام وتحريم الحلال!

وإذا كنا قد وصلنا إلى أن يثبت في الأعمال التحضيرية ومضابط الجلسات -وهي لها قوة تفسيرية في الدستور فيما بعد- على ألسنة الليبراليين وغير المسلمين أنهم لا يريدون أبدًا ديمقراطية تحرم الحلال وتحلل الحرام، بل إنهم يقصدون بها آليات الديمقراطية من رقابة الشعب للحاكم ومحاسبته وإمكانية عزله، وتداول السلطة وشفافية الانتخابات، فهذا بلا شك مكسب هائل سيظل مذكورًا في التاريخ.

وهل كان ممكنًا أن نصل إلى أن يطلب الليبراليون مرجعية المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في الأزهر وهيئة كبار العلماء فيه فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية بدلاً من أن يُترك التفسير لأهواء طائفة من الليبراليين المتصدرين باسم الفقهاء الدستوريين الذين يعلم الجميع عداوتهم للمشروع الإسلامي دون مشاركة قوية للسلفيين الذين لا يدافع غيرهم عن قضية الشريعة وتفسيرها، ومعنى كلمة مبادئها؟!

7- إن عدم طمأنينة البعض لمرجعية الأزهر في هذا الباب لا يبرر مطلقًا ترك المجال لغيره مع استحالة المطالبة بأن تكون المرجعية للجماعات الإسلامية على الساحة! فهل يَتصور أحد أنه يمكننا أن ننص أن المرجعية ستكون للدعوة السلفية أو للإخوان المسلمين؟!

ثم إن رد الأمر إلى هيئة كبار العلماء لهو بلا شك نصر كبير للعلم وأهله، والمظنون بهذه الهيئة أن تكون -بإذن الله- معظِّمة للشرع، ناصرة له.

8- إن وجود المادة الثانية ولو بلفظ: "مبادئ الشرعية الإسلامية"، مع إعطاء حق تفسيرها للأزهر يجعل جميع مواد الدستور مقيدة بها، فلا يصح أن يقال: إن الألفاظ المجملة في أبواب أخرى هي في حقيقة الأمر مخالفة للقرآن الذي هو في اعتقاد الأمة فوق كل الدساتير، وسوف يسجل التاريخ أن الذين صرَّحوا بذلك في الجلسات التحضيرية هم السلفيون دون غيرهم.

9- إن مجرد المطالبة بقضايا الشرع بكل وضوح، مثل مبدأ "السيادة لله وحده" حتى لو لم ينصوا عليه، لكن مع الإقرار في المحاضر والجلسات بأنه أمر بديهي لا خلاف عليه -ولذا لا يحتاج إلى إثباته-؛ لهو نصر عظيم لقضية التوحيد، ونزع صفة الربوبية عن المجالس التشريعية المصرية، والتي سيقسم عليها مئات، بل ألوف من أعضائها والرؤساء والوزراء، وأبناء القوات المسلحة والشرطة، وغيرها... فحين يكون تفسير "السيادة للشعب" المنصوص عليها في الدستور أنه ليس بمعنى المنازعة لسيادة الله، بل الكل يقر بأن سيادة الله حق، ولكن سيادة الشعب معناها حريته وليست ربوبيته، وتسجيل ذلك في الأعمال التحضيرية الملزمة في تفسير مواد الدستور فيما بعد هو رفع للحرج عن الأمة.

حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.

ونسأل الله لنا ولكم التوفيق إلى ما يحبه ويرضاه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشرت بجريدة "الفتح" الجمعة 1 رمضان 1433هـ - 20 يوليو 2012م.