كتبه/ إسلام صبري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
(2) وأما مسائل الخلاف غير السائغ -وهي التي تخالف نصًّا من كتاب أو سنة، أو إجماعًا قديمًا، أو قياسًا جليًّا- فهذه المسائل يجب إنكارها وعدم السكوت عنها؛ لأنها مخالفة لدين الله تعالى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرُه) (رواه مسلم).
وهذه البدع من المنكرات، وكل ما خالف الدين وعارضه فهو ينقض شيئًا يقابله من الدين، فينقص الدين عند الناس شيئًا فشيئًا بالسكوت عن البدع المختلفة والانحرافات المتعددة، القديمة في أصلها المتجددة في زماننا بأثواب جديدة براقة خداعة، تخطف القلوب وتعمي الأبصار، فيضل قوم ويزل آخرون.
وهذا ما تصدَّى له خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقولته الشهيرة: "أينقص الدين وأنا حيٌّ"، وهكذا علماء المسلمين السلفيين في كل عصر ودهر، يقومون قومةً لله -تعالى- في نقض البدع والردِّ عليها، وهدمها في نفوس المسلمين حفاظًا على الدين من النقص والتغيير عند الناس، لا يخافون في ذلك لومة لائم، ولا يثنيهم عن ذلك تشنيع جاهل، ولا اعتداء باغٍ أو ظالم، فيحفظ الله بهم الملة والدين، ويكونون للناس جنَّة من الانحراف والانزلاق في مذاهب المبتدعين.
وهذه المسائل مثل: إنكار المسح على الخفين المتواتر جوازه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومثل القول بعدم وجوب تطبيق شرع الله في الخصومات وفي حياة الناس، ومثل إنكار أسماء الله وصفاته الحسنى، وإنكار القضاء والقدر، ومثل تكفير المسلمين أو نزع اسم الإسلام عنهم ومعاملتهم معاملة الكفار أو جعلهم طبقة متميعة لا ينبغي الانشغال بالحكم عليهم، ومثل إنكار مراعاة المصالح والمفاسد في جهاد الدفع، ومثل الإمامة البدعية عند الشيعة الضالين وسبِّهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وغير ذلك من أقوال البدع والضلال.
فمن يختلف مع الدعوة السلفية في شيء من مسائل النوع الأول (الخلاف السائغ) -لا سيما (أمور السياسة)- ثم هو يريد أن يجعلها من مسائل النوع الثاني (الخلاف غير السائغ)، أي: يجعلها من مسائل الخلاف غير السائغ، فيشنِّع على الدعوة وأبنائها، ويصفهم بما سيُسأل عنه يوم القيامة، ويتهمهم بتهم هم منها براء؛ فهذا من الجهل بدين الله -تعالى-، ومن الجهل بطريقة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- أولًا، ثم بطريقة العلماء السلفيين ثانيًا، والذين ساروا على نهج الصحابة الكرام، ثم هو من الظلم والبغي والعدوان الذي حرَّمه الله -تعالى- فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل: 90)، وقال في الحديث القدسي: (فَلَا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم).
فمن يختلف مع الدعوة السلفية في مسألة غير قطعية من مسائل النوع الأول -ولو عظمت المسألة في نظره أو في حقيقتها-، فيجب عليه ألا يخرج عن إجماع الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وإجماع العلماء من بعدهم على عذر المخالف وعدم الإنكار عليه؛ فضلًا عن البغي عليه وظلمه بتخوينه أو تبديعه أو تكفيره ما دام قد اجتهد المخالف، وبذل وسعه وجهده في الوصول إلى رأيه ومذهبه.
ومن يخالف في مسألة من مسائل النوع الثاني، كتكفير المجتمع أو حكامه بغير حق أو نحو ذلك: فالواجب على العلماء من الدعوة السلفية وغيرها إنكار هذه المخالفات وإبطال هذه البدع والضلالات، فإذا فعلوا ذلك؛ فمن يستطيل عليهم سبًّا وتخوينًا، فهو المعتدي الظالم الذي يجهل ما يجب على العلماء تجاه هذه البدع والضلالات؛ قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلَك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدالِّ على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا" (تفسير ابن كثير).
فالواجب على العلماء هو البيان لا السكوت والكتمان حسب ما يطلبه المستمعون والأتباع والجمهور، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.