كتبه/ محمد سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي قول الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ . اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:16-17)، عتاب، وتحذير، ومرض، وأمل.
أما العتاب: فقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) الآية، إلا أربع سنين، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.
فتأمل مَن المعاتَب؟ هم السابقون الأولون، خيرة الخلق وخلاصة الأمة.
وفي أي وقتٍ كان العتاب؟ في ظروف صعبة شديدة عصيبة على المؤمنين، مِن التعذيب والتنكيل، ومحاولة استئصال شأفتهم بكل وسيلة وطريقة؛ لتعلم خطورة المرض الذي حذَّر الله -تعالى- منه، وهو: طول الأمد الذي يؤدي إلى قسوة القلب.
منذ سنين وأنت ملتزم، منذ سنين وأنت تصلي، منذ سنين وأنت تفعل أنواعًا من الخيرات والطاعات، فطال الأمد، وامتد الزمان؛ فتحولت العبادات إلى عادات تؤدَّى بغير خشوع وحضور قلب؛ صارت حركات فقدت روحها ولذتها، لم تعد تشعر بروعة الصلاة وسموك بها، لم تعد تؤثِّر المواعظ فيك كما كانت مِن قَبْل، تبحث عن قلبك عند قراءة القرآن -إن قرأت- فلا تجده، تبحث عن دمعة في صلاة الليل -إن صليت- فلا تواتيك عينك، ولا يساعدك قلبك!
تبحث عن الخشوع فلا تجد منه إلا ذكريات قديمة يوم كنت تخشع، تبحث عن لذة العبادة التي كنت تتذوقها، تجدها صارت أثرًا بعد عين!
كنت تطير إلى المسجد قبل سماع الأذان، واليوم يفتقدك الطريق إلى المسجد، كنت إلى طلب العلم سبَّاقًا، واليوم تحتاج إلى مَن ينفض التراب عن كتبك من كثرة الغبار عليها، فلم تلامسها يداك منذ زمن، أشياء من الذنوب تفعلها ما كنت تتخيل يومًا أن تفعلها، وأمور تترخص فيها قد كنت تنهى عنها أشد النهي، بل وتهجر مَن كان يفعلها، وتتعجب ممَّن يقترفها!
طال الأمد: فكأن الإنسان أَمِن مِن العذاب والانحراف، وضمن الثبات حتى الممات، والجنة بعده! بل مع كل تقصيره ربما لا يشعر بمرضه، أو يشعر به، ولكنه كوخز الإبرة، أضعف ما يكون تأثيرًا، مال الإنسان إلى الدنيا واستأنس بها واستراح لها، وباختصارٍ قَسَى القلب، وجمدت العين، وفقد المرء روح العبادة.
وتحذير من الله -تعالى- من هذا المرض الخطير والداء العضال: طول الأمد وقسوة القلب، والتشبه بالذين سبقونا فيه، (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ).
وأمل: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، فكما يحيي -سبحانه- الأرض بعد موتها، يحيي القلوب بعد مواتها، ويلينها بعد قسوتها، ويعيدها إليه بعد بُعدها ونفورها، ويجدد الإيمان فيها ويزهره بعد ذبوله، ويقويه بعد ضعفه، ويعيد للإنسان روح عبادته بعد أن فقدها، فلا يأس ولا إحباط؛ فابدأ من اللحظة والتمس أسباب رقة وصلاح القلوب، وابتعد عن أسباب قسوتها، واترك الفتور وابدأ في النفر: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41).
فاللهم أحيي قوبنا بالإيمان والقرآن وطاعتك.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك وخليلك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.