الصالون الأدبي (مع عُقَاب العربية.. الأستاذ محمود محمد شاكر) (39)
كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيواصلُ العُقابُ كلامَه قائلًا: "أمّا الثّانية: فإنِّي وجدتُك في مواضعَ مُتفرِّقةٍ من كلامك في شأن كتابي وكتاب الدكتور طه عن المُتنبِّي تكثر من أن تتنصَّلَ من إرادة إغضابي أو إرادة إساءتي.
فمَن الذي أنبأك -أيُّها العزيز الكريم- أنِّي أعد الذي يظهرني على أخطائي، أو الذي لا يعجبه ما أكتب، مُريدًا لإساءتي، مُثيرًا لغضبي، طالبًا لِلغضِّ منِّي أو من كتابي؟ مَن أنبأك هذا، حتى تُبالغَ في التنصل مِن اعتماده، وفي البراءة من إرادته؟ لقد قدَّمتُ بين يدي كتابي عن المُتنبِّي قِصَّةَ هذا الكتاب، وبيَّنتُ أنَّها "لمحةٌ مِن فساد حياتنا الأدبيَّة".
فكان ممّا أشرتُ إليه أنَّه كان مِن عادة "الأساتذة الكبار"، وهي عادةٌ بثَّت في حياتنا الأدبيَّة إلى هذا اليوم فسادًا ساحقًا: أنَّهم كانوا يُخطِئون في العلن، ويَتبرَّأون من أخطائهم في السِّرّ، وأشرتُ أيضًا إلى أنَّهم كانوا لا يصبرون على مَن يَدلُّهم على الخطأ، ويستنكفون كِبرًا أن يؤوبوا إلى الصَّواب، ثم أزيدك الآن أيضًا: أنَّهم كانوا لا يَتورَّعون عن الإيقاع بمَن يَدلُّهم على الخطأ، ويَتعقَّبونه بالأذى مِن وراء حجاب، ومَن طلب الأمثلةَ على هذا وجدها على مَدِّ يده!
بَيْدَ أنِّي، مِن يوم عقلتُ أمرَ نفسي، قد أنكرتُ جميع السنن التي سنَّها "الأساتذة الكبار"، أنكرتُها كفاحًا ومواجهةً وبلا مواربةٍ؛ فبئس المرء أنا إِذَنْ إذا أنا أنكرتُ سُنَّةً كريهةً ثم ركبتُها!
كانوا -رحمهم الله جميعًا- لا يُحِبُّونَ إلا الثَّناءَ المَحضَ المُصفَّى الخالِصَ مِن كُلِّ شائبةٍ، فإذا جاءهم غيرُ ما يُحِبُّونَ تَنمَّروا لِمَن أتاهم به تَنمُّرَ من لا بيت على دِمْنَة (والدِّمْنَة: الحقد الدَّفين المُضمَر المُلتهِب بالغيظ" (انتهى).
وإلى اللقاءِ في المقالِ القادمِ -إن شاء الله-.
ونَسألُ اللهَ التَّوفيق.