الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 02 يونيو 2025 - 6 ذو الحجة 1446هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (47)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيعد التوازن في الشخصية ما بين القيادة والجندية، والعمل بمتطلبات كل مهمة في مساحاتها، من سمات التكامل في الشخصية المطلوبة، ومن ثمار الإخلاص والتجرد في العمل، ومن مقومات القدرة على تحمل وفهم متطلبات المسار الإصلاحي؛ لذلك لا نعجب حينما ينقل لنا أصحاب السِّيَر ما كان من موقف أبي بكر -رضي الله عنه- القوي بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الرجل الأسيف - كما هو معروف عنه -، حينما وَقَف وصَدَع بكلماته التي ثبَّتت المسلمين من حوله حين قال: "أَلَا ‌مَنْ ‌كَانَ ‌يَعْبُدُ ‌مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ" (رواه البخاري).

وكذلك موقفه الصلب الشديد -رضي الله عنه- مع مانعي الزكاة بعد ما تولى أمر المسلمين بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال بوضوح وثبات: "وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَوَاللهِ ‌مَا ‌هُوَ ‌إِلَّا ‌أَنْ ‌قَدْ ‌شَرَحَ ‌اللهُ ‌صَدْرَ ‌أَبِي ‌بَكْرٍ رضي الله عنه. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (متفق عليه).

وأيضًا موقفه المؤسسي العجيب مع أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- "قائد الجيش الذي كان في سنِّ الشباب" حينما استأذنه في طلب بقاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- معه في المدينة، مع أن أبا بكر -رضي الله عنه- هو خليفة المسلمين جميعًا، لكنه أعطى بهذا الموقف الدرس الكبير للجميع بأهمية التكامل والتوازن في الشخصية، والتجرُّد، وضبط المسارات التنفيذية الإصلاحية؛ حيث "نهض بنفسه -يعني أبا بكر رضي الله عنه- إلى الجرف، فاستعرض جيش أسامة وأمرهم بالمسير وسار معهم ماشيًا وأسامة راكبًا وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق. فقال أسامة: يا خليفة رسول الله! إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: والله لستَ بنازل ولستُ براكب، ثم استطلق الصديق من أسامة عمرَ بن الخطاب، وكان مكتتبًا في جيشه فأطلقه له؛ فلهذا كان عمر لا يلقاه بعد ذلك إلا قال: السلام عليك أيها الأمير" (البداية والنهاية لابن كثير).

ترتيب الأولويات وضبط بوصلة الأداء على المستوى الشخصي:

لا شك أن التغلُّب على "تحدي تعدد الأدوار" داخل العمل التطوعي الإصلاحي يُعَدُّ من أعظم التحديات عند الأفراد؛ لا سيما عند التعارض في الأوقات أو المهام بين الأدوار الرئيسية المطلوبة من الفرد، والأدوار الفرعية الداعمة -خاصة مع الاحتساب للأجر والحرص على زيادة الثواب، مع طبيعة القدرة البشرية والواجبات الحياتية-؛ لذلك يحتاج هذا الأمر إلى حسن ترتيب الأولويات وترتيب الأعمال وَفْقًا لدرجة الأهمية، مع التفكير بعقلية أداء الفرض الذي يجب ألا يترك، والنفل الذي يُستزَاد منه تدريجيًّا بما لا يؤثِّر على الفرض.

فلا يُقبَل على سبيل المثال: أن يظل الإنسان طيلة الليل يصلي صلاة قيام الليل (النفل) ثم ينام عن صلاة الفجر (الفرض)، بل يجب عليه أن يرتِّب وقته وأولويات ساعات الليل عنده ليحافظ على صلاة الفجر، ولا يحرم نفسه في ذات الوقت من قيام النفل.

كما يحسن أيضًا بالفرد الذي يعاني من "تحدي تعدد الأدوار" استثمار الأوقات عبر مسارات التنسيق الدائم مع الإدارات التي يتواجد فيها -قدر المستطاع- لا سيما عند التعارض، أو -على الأقل- الجمع ما أمكن للتكامل في تحقيق أهدافه، مع الاهتمام بتفعيل التفويض المناسب مع المتابعة عن بُعد -لا سيما في الأعمال (العاجلة وغير المهمة) أو (الثانوية غير المؤثرة)- والتي تتيح اكتشاف كوادر مستقبلية تخفف من وطأة تعدد الأدوار، وتحقق التكاملية في الأعمال.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.