كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتعيش الأمة الإسلامية حقبة من الزمن صعبة جدًّا على كل مؤمن مخلص لله -تعالى- في إيمانه؛ لأن الأحداث متلاحقة ومؤلمة، لكن بلسم الحياة يخفف من هذه الآلام؛ ألا وهو: الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد -سبحانه وتعالى-، ففي الأرض المباركة تقع أحداث كل يوم، بل كل ساعة يتألم منها المسلم المخلص لربه الصادق في إيمانه، لكن ماذا يفعل من لا يملك إلا الدعاء؛ لأن العالم يقف موقف المتفرج أو قل المشجِّع، ولكن المسلم له شأن آخر يتدبر في شئون الكون، ويتفاعل مع القرآن من خلال قصة كليم الله موسى -عليه السلام- مع فرعون الكافر الظالم، من خلال سورة القصص، وطه.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 4)، قال السعدي -رحمه الله-: "فأول هذه القصة (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) في ملكه وسلطانه، وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها. (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره وسطوته. (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وتلك الطائفة هم بنو إسرائيل الذين فضلهم اللّه على العالمين، الذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلهم، ولكنه استضعفهم، بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتم بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنه (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) خوفًا من أن يكثروا فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الملك. (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الذين لا قصد لهم في إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده في الأرض.
نعم إن الغرب واليهود قد علوا في الأرض وجعلوا دولها شيعاً متفرقة من باب (فرق تسد) نجحوا بالتعاون مع كل منافق في شرذمة هذه الأمة؛ الأمة التي عندها كل عوامل القوة والنجاح، الكامن في القرآن والسنة، لكن فرطوا وانشغلوا بالشهوات والمناصب والكراسي، إنا لله وإنا إليه راجعون. وأصبحت فلسطين مستضعفة، لكن عندنا أمل في النصر -بإذن الله-: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 10).
والله -عز وجل- يحلم على اليهود وغيرهم من المنافقين والموالين لهم، عندما تنظر في الأحداث تقف متعجبًا مندهشًا من حِلم الله على هؤلاء؛ لذلك نقف وقفات تأمل وتدبر مع هذا الاسم الجميل لله -عز وجل-، وهو اسم (الحليم).
لهذا الاسم معانٍ كثيرة وفوائد جمة:
معنى الاسم في اللغة: الحليم من الحِلم، والحِلم بالكسر معناه في اللغة: الأناة والعقل.
فالحليمُ من أسماءِ الله الحسنى، وهو من صيغ المبالغة، ومعناه: الذي لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم، وورد في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، منها: قوله -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة: 235) "أي: أنه ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها، فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتدات، وذكرهم إياهن في حال عددهن، وفي غير ذلك من خطاياهم، وقوله: (حَلِيمٌ) يعني أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم" (انظر: تفسير الطبري).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.