كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعلى الرغم من أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ومن قبله أيضًا الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، لم يتحمسا لقيام ثورة الخميني في إيران عام 1979؛ ربما توجسا من خطر أن تدعم إيران بعد ثورة الخميني التيار الإسلامي السياسي المُعارِض في تونس المتمثل في حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة بعد ذلك) في تونس إلى جانب نشوب الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، لكن في فترة التسعينيات من القرن العشرين شهدت العَلاقات الدبلوماسية بين إيران وتونس تَطَوُّرًا ملحوظًا، حيث استطاعت إيران توثيق عَلاقاتها مع تونس، وإن ظل حكم زين العابدين يتبنى نَظْرَةً حَذِرَةً في عَلاقاته مع إيران، على خِلاف ما كانت عليه العَلاقات الإيرانية مع المغرب والجزائر. وقد عبرت تونس عن رَغْبَتِها في توثيق العَلاقات مع إيران باستقبال زين العابدين بن علي في 2010 لمبعوث الرئيس الإيراني.
وقد تغاضى زين العابدين في الفترة الأخيرة من حكمه عن بعض مظاهر التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني في تونس، حيث تم افتتاح مركز ثقافي إيراني في حي المنار الراقي القريب من وسط العاصمة تونس، وتزامن مع ذلك انطلاق التدريس للغة الفارسية في تونس بإشراف القسم الثقافي في السفارة الإيرانية، كما تم الترخيص لجمعية آل البيت، وهي تُعَدُّ تنظيمًا يحمل طابعًا دينيًّا، كما تمت كذلك تبادل الزيارات السياحية بين تونس وإيران.
وقد أسهمت هذه الصور من التطبيع بين البلدين مساهمة كبيرة في تحسين العَلاقة بين البلدين بعد الفَتْرَةِ التي شهدتها في أعقاب قيام الثورة في إيران. وقد بلغ معدل التبادل التجاري بين إيران وتونس في عام 2004 نحو 45 مليون دولار سنويًّا، ليزداد هذا المعدل من مارس 2007 إلى مارس 2008 بنسبة 60% مقارنة بنفس الفترة من مارس 2006 إلى مارس 2007، وليبلغ مقدار التبادل التجاري بين البلدين في عام 2007 - 2008 نحو 130 مليون دولار؛ كما كثفت إيران من استثماراتها في مَجالِ السياحة وتشجيع الإيرانيين على زيارة تونس، رغم عدم وجود نقل جوي مباشر وقتها بين إيران وتونس مما أسهم في تحسين العَلاقات بين البلدين. وتم خلال ذلك توقيع مذكرة تفاهم مشتركة للتعاون بين البلدين في قطاع الصيد البحري وتبادل الخبرات والتعاون العلمي وبرامج البحوث، كما افتتحت إيران ملحقة ثقافية في تونس في عام 2007.
توتر مفاجئ بين إيران والغنوشي:
في عام 2007 اعتذرت طهران عن استقبال الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسي، والذي كان على رأس وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورفضت منح الغنوشي تأشيرة دخول إيران مُعَلِّلَةً ذلك بأنه يسيء إلى عَلاقاتها مع النظام التونسي، مما أغضب الغنوشي الذي انتقد السياسة الإيرانية في رهانها على نظام حكم زين العابدين، مُعْتَبِرًا موقفها هذا الغرض منه تقديم الغطاء لمحاولات إيران لنشر التَّشَيُّعِ في تونس بتقديم رَشْوَةٍ للنظام مُقابِلَ نشر فِكْرِها الشيعي الإيراني في تونس. (راجع: التَّغَلْغُلُ الإيراني في دول المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، حمدي بشير - مركز الخليج العَرَبِيِّ للدراسات الإيرانية - الرياض - ط 1349 هـ، ص 133، 134).
ما بعد قيام الثورة التونسية عام 2011:
مع قيام الثورة التونسية في عام 2011 (ثورة الياسمين) وإسقاط حكم زين العابدين رحبت إيران بالثورة التونسية، وقد عَدَّ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الثورة التونسية أنها بمثابة انتفاضة من شعب تونس ضد نظام ديكتاتوري كان مدعومًا من الغرب، وقد استقبلت إيران بعد الثورة التونسية نُخَبًا ثقافية وسياسية وفنية تونسية لتطوير العَلاقات بين البلدين.
ووقعت عدة اتفاقيات بين البلدين لتعزيز التعاون بينهما خاصة في مَجالِ السياحة منها إقامة خط جوي مباشر بين البلدين، ووضع برنامج تنفيذي لجذب 10 آلاف سائح إيراني إلى تونس خلال عام 2016، ويمتد البرنامج لمدة 3 سنوات.
ورغم موافقة الإخوان المسلمين في تونس المعتادة على هذه النوعيات من الاتفاقيات السياحية مع إيران وترحيبهم بها؛ فقد أثارت تلك الأنشطة بعض السياسيين التونسيين تَخَوُّفًا من خَطَرِ الوفود السياحية التي ترسلها إيران إلى تونس، وطالبوا بعَرْضِ الاتفاقيات الموقعة مع إيران على البرلمان التونسي للمصادقة عليها وإقرارها، مُحَذِّرِينَ من خَطَرِ تنامي الدور الإيراني الشيعي في تونس، مُذَكِّرِينَ بما حدث من قبل في العراق وفي سوريا عَبْرَ السياحة الإيرانية، إذ تحولت تلك السياحة على ما يشبه الغزو؛ خاصة في ظل وجود خط مواصلات جوي مباشر بين طهران وتونس، فهذه الاتفاقيات مع إيران عادة ظاهرها سياحي إلا أن باطنها غير ذلك، حيث يتم عَبْرَها تصدير فريق من الحرس الثوري الإيراني إلى البلاد يحمل رسالة واحدة، وهي أنه قوة احتلال مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، مهمتها الترتيب لإقامة وتجهيز وتَشْيِيعِ أكبر قدر ممكن من الأفراد، ثم إقامة أماكن خاصة لهؤلاء للشيعة والمُتَشَيِّعِينَ، وفتح أسواق لبيع المنتجات الإيرانية، واسْتِغْلال بعض الأضرحة والمراقد الدينية سرعان ما تتحول إلى عَتَباتٍ مقدسة، يليها تشكيل جماعات شيعية، يليها تواجد مليشيات تابعة لإيران مثل ميليشيات حزب الله في لبنان ومليشيات أبي الفضل العباس في العراق بحجة حماية تلك المقدسات، فإذا لم تَتَنَبَّهْ تونس إلى هذا المخطط فسوف يمنح هذا إيران ذِراعًا سياسيًّا في تونس كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا.
التواجد الشيعي في تونس:
عرف عن البربر -وهم سكان المَغْرِبِ العَرَبِيِّ الأصليون- بعد دخولهم الإسلام مُناصَرَةَ أهل البيت إلا أنه لا يمكن اعْتِبار ذلك منهم على وجه مذهب التَّشَيُّعِ الفارسي المعروف حاليًا؛ إذ كانت غايته الدعوة لأبناء علي وفاطمة عليهما السلام أو الثورة على الأمويين، لكن عَرَفَتْ تونس الغلو في التَّشَيُّعِ مع انتشار الشيعة الفاطمية بدءًا من مدينة (المهدية) التونسية.
وينتشر المذهب الجعفري حديثًا في تونس حيث يعتنقه عدة آلاف من التونسيين في العَدِيد من الولايات والمدن بما فيها العاصمة تونس. وتظهر تلك الأنشطة الشيعية من خِلالِ إقامة الاحتفالات والمراسم الدينية، حيث يتم فيها تبادل وتوزيع الكتب والرسائل والأشرطة الصوتية المسجلة، ويمارس الشيعة الشعائر المذهبية بحرية وبدون مُضايَقاتٍ، ومنهم شيعة تونسيون درسوا المذهب الجعفري في إيران أو سوريا.
وقد أنشأت أول (حسينية) للشيعة في تونس في مدينة (قابس) التي تضم أعدادًا كبيرة منهم، الذين يعقدون في مقرات الجمعيات الدينية الشيعية مجالس خاصة أشبه بالحسينيات للتجمع والتعارف ولجذب والاسْتِقْطابِ.
ويعد الدكتور محمد التيجاني السماوي الشيعي التونسي صاحب كتاب (ثم اهتديت)، الذي يروي فيه قِصَّةَ انْتِقاله وتَحَوُّلِه إلى التَّشَيُّعِ، من أبرز المُعْتَنِقِينَ للمذهب الشيعي في تونس وأبرز الدعاة إليه. وللتيجاني مؤلفات عديدة نالت رَواجًا بين الشيعة. ويذكر التيجاني أنه هَجَرَ التصوف على يد دكتور عراقي، وسافر إلى النجف الأشرف، حيث تَشَيَّعَ مُتَّخِذًا من المرجع الإيراني الخوئي مرجعًا له يقلده، وقد تَعَدَّدَتْ بعدها زياراته للنجف وتَعَدَّدَتْ لقاءاته مع علمائها الشيعة في مُناسَباتٍ كثيرة، وقد وكله الخوئي في التصرف في خمس الزكاة نيابة عنه.
وممن كان له نَشاطٌ بارز وباع كبير في نشر التَّشَيُّعِ في تونس (شاكر الشرفي) أستاذ مادة الفكر الإسلامي بالمعاهد الثانوية، حيث تَشَيَّعَ على يديه العَشَرات من التونسيين خلال 20 عامًا، حيث كانت الكتب والجرائد تُرْسَلُ إليه من إيران فيقوم بتوزيعها بنفسه على الشباب المُتَشَيِّعِينَ، وعلى الراغبين في التَّعَرُّفِ على واسْتِكْشافِ المذهب الشيعي، ومنها مراجعات لشرف الدين الموسوي، وكتب للخميني خاصة كتابه (الحكومة الإسلامية) لنشر التَّشَيُّعِ بين التونسيين. وقد زار الشرفي إيران مرتين حيث التقى بكل من أحمدي نجاد ومحمد خاتمي، كما قابل محمد التسخيري رئيس مجمع التقريب بين المذاهب، بالإضافة إلى مُقابَلَةِ عدد كبير من رجال الدين الإيرانيين في طهران، وقد كان مُقَرَّبًا من السفارة الإيرانية قبل أن يختلف معها.
تَدَرُّجُ التَّمَدُّد الشيعي في تونس:
بدأ التَّشَيُّعُ في تونس عَقِبَ الثورة الإيرانية بظهور حركة المسلمين السائرين على خط الإمام (أي: خط الخميني) في الثمانينيات، بمساندة وتأييد من حركة الاتجاه الإسلامي؛ مما ساهم في زيادة أعداد المُناصِرِينَ الذين التفوا حول مؤسسة (آل البيت)، تلا ذلك ظهور تيار طلابي تونسي باسم (خط الإمام) نسبة إلى الخميني، وقد زاد انتشار ذلك التيار بعد تَراجُعِ حركة الاتجاه الإسلامي في التسعينيات وتَطَوُّرِ العَلاقات الدبلوماسية بين إيران وتونس، وتَعَدَّدَتِ اللقاءات بين المسؤولين التونسيين والعناصر المُتَشَيِّعَةِ في تونس لكن بصورة غير رسمية.
وقد تأسست في تلك الفترة (جمعية آل البيت الثقافية)، ومن أهدافها الظاهرة إحياء مدرسة أهل البيت. وبعد الثورة الشعبية في تونس اسْتَغَلَّ الشيعة مناخ الحرية السائد بعد الثورة وإلغاء التراخيص والقيود على ما يعوق اسْتِقْدام الكتب والمجلات الإيرانية، وسعوا لنشر دَعْوَتِهم أكثر بين الشباب لحجز مَساحَةٍ لهم في المشهد التونسي.
واهتم الشيعة بتأسيس الجمعيات ذات الاهتمام الثقافي والاجتماعي؛ منها: (رابطة التسامح التونسي)، والتي اتهمت بالسعي إلى تنفيذ المشروع الشيعي بتمويل من إيران عَبْرَ التظاهر بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ومُعاداةِ التطبيع مع الكيان الصهيوني كوسيلة لكسب الشرعية في تونس كمرحلة أولى للانطلاق بعدها لتنفيذ مشروع التَّمَدُّدِ الإيراني الشيعي في تونس، ومنها كذلك إنشاء جمعية (المودة الثقافية)؛ كما افتتحت مكتبات عديدة مُتَخَصِّصَةٌ في الترويج لكتب الشيعية من أبرزها مكتبة باسم: (الشاملة).
ومن الناحية السياسية: فقد شهدت تونس بُرُوزَ حزبين سياسيين يستندان إلى مرجعية شيعية، وهما: (حزب الوحدة) الذي حصل على الترخيص القانوني بتأسيسه، وتأسس في أواخر شهر يناير 2013، وهو حزب يستند إلى المرجعية الشيعية دون الإفصاح عن ذلك، فكانت مواقفه السياسية مُتَوافِقَةً مع المواقف السياسية لإيران، مع ادِّعاء الحزب في أدبياته أنه لا يدعو إلى مذهب أو طائفة، مع المطالبة بضرورة حُرِّيَّةِ المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وضرورة حياد المؤسسة الدينية الرسمية المُمَثَّلَةِ في وزارة الشؤون الدينية ووقوفها على بُعْدٍ واحد من كل المذاهب الإسلامية. وقد شارك هذا الحزب في أول انتخابات تشريعية في تونس في ثلاث دوائر ولم يحصل على أي مقعد.
والحزب الآخر هو (حزب الله) التونسي، لكنه لم يحصل على ترخيص قانوني له، وكان يستند أيضًا إلى المرجعية الفقهية للمذهب الشيعي، واختير له اسم حزب الله تيمُّنًا بحزب الله اللبناني.
العَلاقة مع الإسلام السياسي:
كانت حركة النهضة التونسية من أوائل الحركات الإسلامية في تأييد ثورة الخميني في إيران عام 1979، وعملت على أن توفر لكوادر الحركة أدبيات سريعة وعامة عن الشيعة بعد أن كانت برامجها قبل ذلك خالية تمامًا من هذا الأمر. واتبع ذلك تأسيس نواة شيعية في جنوب تونس، وتلاه تشجيع عَناصِرَ من بعض الجهات الإيرانية والعراقية للترويج للمذهب الشيعي داخل الأوساط الشعبية وطلاب المدارس خاصة العَناصِرَ الموالية لحركة الاتجاه الإسلامي.
وقد أبدى راشد الغنوشي زعيم حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليًا) إعجابه بالثورة الإيرانية عند قيامها ونَجاحِها في الإطاحة بنظام شاه إيران الراحل. وقد ذكر الغنوشي في كتابه (الحركة الإسلامية والتحديث) أنه بنجاح الثورة في إيران بدأ الإسلام دورة حضارية جديدة، وذكر أن مصطلح الحركة الإسلامية ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران، مؤكدًا على أن الخلاف بين عامة المسلمين (السنة) والشيعة ما هو إلا خِلافٌ وهمي!
وفي إطار مُواجَهَةِ النظام التونسي الحاكم لحركة الاتجاه الإسلامي في الثمانينيات ونَظْرَتِهِ المُتَوَجِّسَةِ للتَّقابُلِ بين الثورة الإيرانية وحركة الاتجاه الإسلامي أقدم النظام التونسي على قطع عَلاقاته الدبلوماسية مع إيران. ولكن مع تَحَوُّلِ العَلاقة بين النظام التونسي وإيران وتحسنها في بداية التسعينيات حَرَصَتْ إيران على المحافظة على استمرار هذه العَلاقة مع نظام زين العابدين، وهو ما دفعها إلى رفض استقبال الغنوشي على أراضيها، وهو ما أدى إلى اتخاذ الغنوشي وقتها لموقف مُغايِرٍ تجاه إيران.
دور السفارة الإيرانية في تونس:
أقامت السفارة الإيرانية كما هو مُتَوَقَّعٌ منها عدة فَعاليات وأنشطة ثقافية حَضَرَ فيها أساتذة إيرانيون، وقد ساهمت تلك الأنشطة المُتَّفَقُ عليها بدورها في الترويج للتَّشَيُّعِ في تونس، واحتضان المُتَشَيِّعِينَ من التونسيين من خِلالِ توفير المراجع والكتب الشيعية لهم، وتمكين أولئك الراغبين منهم من الالتحاق بالدراسة في الحوزات العلمية الشيعية في سوريا أو العراق، مع رصد الأموال اللازمة لتمويل وتجنيد الأشخاص وتكوين الخلايا ذات الولاء لإيران ومن اتباع المراجع الشيعية الإيرانية، وتعمل لحساب المذهب الشيعي عَبْرَ العَدِيد من الوسائل منها تكوين جمعيات في ظاهرها ثقافية وفي باطنها عَقَدِيَّةٌ.
وإذا كان من الصعب زَعْمُ وجود رعاية رسمية للتَّشَيُّعِ في تونس فإن هذا لا ينفي أن هناك حُرِّيَّةً في العَمَلِ لنشر التَّشَيُّعِ داخل المجتمع التونسي. يحدث هذا بالتزامن مع ما يقوم به الشيعة العرب من أبناء العراق وسوريا ولبنان من نَشاطٍ دعوي لترويج التَّشَيُّعِ عَبْرَ النت ومن خِلالِ مواقع الاتصال الاجتماعي، وما يدون فيها من مقالات وما ينشر عَبْرَها من دروس، وما يحال عليه عَبْرَها من مواقع إيرانية تبث باللغة العربية دَعْوَتَها للتَّشَيُّعِ. وقد استقبلت بالفعل الحوزات العلمية الشيعية في سوريا وفي النجف بالعراق العَدِيد من التونسيين الذين تَشَبَّعُوا هناك بالمذهب الشيعي، بل صاروا من دُعاتِهِ.
الموقف الرسمي والشعبي من التَّمَدُّدِ الشيعي في تونس:
كان لعودة العَلاقات بين إيران وتونس إلى طبيعتها مع بداية التسعينيات، ثم حالة المناخ السياسي بعد الثورة الشعبية في تونس عام 2011، ثم ما تَقَرَّرَ في دستور الدولة الجديد من كفالة حُرِّيَّةِ المعتقد وممارسة الشعائر الدينية أثَرُه في التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني في تونس، والذي بلغ مَدًى لا يمكن إنكاره.
وقد أدى هذا التَّغَلْغُلُ الشيعي المُتَنامِي إلى ردود فعل مُتَزايِدَةٍ، فقد ارْتَفَعَتْ الأصوات من كل اتجاهات الطوائف التونسية الدينية والشعبية والثقافية والاجتماعية التي تطالب بالتَّصَدِّي لهذا الغزو الشيعي الذي يتستر بالأنشطة الثقافية والخيرية حِفاظًا على الهوية العَرَبِيَّةِ الإسلامية السنية المالكية لتونس.
وقد ساهم تَطَوُّرُ العَلاقات التونسية السعودية، حيث دعمت السعودية حزب (نداء تونس) الحاكم بعد ثورة 2011، خاصة بعد تولي الرئيس التونسي (الباجي قايد السبسي) للحكم واتجاهه لإعادة الحضور السعودي إلى الساحة التونسية بتبادل زيارات المسؤولين في البلدين وتعزيز التعاون بينهما على جميع الأصعدة، خاصة أن تونس تُعَدُّ في مرحلة انتقالية وتُعانِي من مَصاعِبَ اقتصادية، إضافة إلى كون تونس حَرِيصَةً كل الحِرْصِ على عَلاقاتها المتوازنة مع دول الخليج العَرَبِيِّ عامة والمملكة العَرَبِيَّةِ السعودية خاصة، وتأكدت تلك العَلاقات بزيارة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي للسعودية في ديسمبر 2015. وقد ساهم ذلك في الحَدِّ من الأنشطة الإيرانية في تونس نَظَرًا للعَداءِ السياسي بين إيران والسعودية والمنافسة الإقليمية بينهما في ظل محاولة إيران مَلْءِ الفَراغِ السياسي في المنطقة العَرَبِيَّةِ على أساس مذهبي يُفَجِّرُ فيها العَداواتِ.
وقد شهدت الاستثمارات السعودية المباشرة في تونس نُمُوًّا سريعًا في مُخْتَلِفِ القطاعات إلى جانب القروض الممنوحة من السعودية لتونس. وقد جاء بيان وزارة الخارجية التونسية بالتضامن مع المملكة العَرَبِيَّةِ السعودية في حادثة إحراق إيرانيين للسفارة السعودية في طهران في عام 2016 احترامًا للقانون الدولي تَقْوِيَةً لهذا الاتجاه.
وفي سياق التَّصَدِّي الشعبي للتَّغَلْغُلِ الشيعي في تونس أعلن في عام 2012 عن ميلاد (الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس)، والتي طالبت الحكومة التونسية بإغلاق المركز الثقافي الإيراني الذي يُعَدُّ الذراع الثقافي والديني لإيران في تونس، ويعمل على نشر المذهب الشيعي في البلاد، وطالبت بقطع العَلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد أن تَجاوَزَتْ الحدود بزرع بذور الفِتْنَةِ والفوضى في المجتمع التونسي بمحاولة التأثير على مُعْتَقَداتِهِ الثابتة عَبْرَ مساعيها لتصدير الثورة الإيرانية الشيعية إلى تونس، وكشفت الرابطة عن صور من الأنشطة المشبوهة التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني، وأنه يرصد أموالًا طائلة لتنفيذ مَخْطَطِ التَّشَيُّعِ في تونس، وتجنيد المُتَشَيِّعِينَ وتكوين خلايا شيعية نائمة ذات ولاء لإيران. وعارضت الرابطة مواقف بعض الأطراف التونسية غير المؤثرة في المشهد السياسي في البلاد.
وقد حَذَّرَ أيضًا عدد كبير من العلماء التونسيين والأئمة والدعاة من خَطَرِ التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني على وَحْدَةِ تونس واسْتِقْرارِها وهَوِيَّتِها السُّنيَّة.