كتبه/ محمد مصطفى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما زالت الألسنة تتندر بكوميديا تغطية الإعلام المصري لأحداث الثورة، وأظن أنها ستظل محل سخرية كل مَن عاصر هذه الأيام، بل قد تحل محل كثيرٍ من القصص الهزلية التي تُقص على الكبار والصغار في المستقبل.
ولقد كان من أهم معالم تلك الكوميديا السخيفة: الاستخفاف بالشعب المصري، والتقليل من درجة وعيه، بل إهانته أيضًا بأنه لا يتحرك إلا عن طريق وجبة من "كنتاكي"، أو أوراق المائة جنيه وأخواتها، وكأن المصريين ثلة من المرتزقة التي يُعميها المال للدرجة التي تجعلها ترضى أن تعيش تحت ظل قصف رصاص "العادلي" وسيوف بلطجية "الحزب الوطني" من أجل وجبة ساخنة!
ثم انكشف الغبار، وأعز الله أقوامًا، وأذل آخرين وفضحهم، وقضى الله أمرًا كان مفعولاً..
إلا إنه خلال هذا الانكشاف تسلَّلت ثلة من مرتزقة الإعلام الذين كانوا بالأمس القريب يخوِّنون الثوار، ويتهمونهم بالعمالة، ويصفونهم بأنهم مجموعة من الشواذ جنسيًّا! إلى غير ذلك من الاتهامات.
تسلَّلوا، وتناسوا ما كانوا فيه منذ أسابيع، وتغافلوا عن كلماتهم التي إلى الآن "طازجة" في آذان الجماهير، وتقمَّص كل منهم شخص المناضل حامي الثورة المشفق عليها، والعجيب: في نفس القنوات، وتحت نفس المسميات، وفي نفس البرامج، وفي نفس مواعيد عرضها!
وإن كان موقفهم من الثورة وشبابها قد تغير لزوم الاستمرار في أمكانهم والاستمرار أيضًا في شحن جيوبهم؛ إلا أن داء الانتقاص من الشعب ونظرة الفوقية والاحتقار لعوام المصريين ومحاولة فرض الوصاية ما زال يجري في دمائهم من آثار "أمصال" النظام البائد الذي اتخذهم مركبًا.
وفي سويعات..
تحوَّل الشعب المصري "العظيم" الذي فجَّر ثورة تاريخية يريد بعض الرؤساء في العالم أن تُدرس عندهم في مناهج التعليم إلى شعب "متخلف" محطوط القدر يختار "نعم" في الاستفتاء على التعديلات الدستورية من أجل كيلو سكر وزجاجة زيت!
تحوَّل الشعب -الذي يتكلف هؤلاء المرتزقة في السموق به إلى المعالي والهيام في وصف إرادته وشموخه- إلى مجموعة من البسطاء الذين استطاع الإسلاميون أن يزينوا لهم رأيهم فأضلوهم عن سواء السبيل!
ما الفرق:
بين القول بأن ثوار 25 يناير كانوا عملاء مرتزقة يأخذون الأموال والوجبات مقابل بقائهم في ميدان التحرير، والقول بأن المصوِّتين بـ"نعم" -وهم أكثر من ثلثي المصوِّتين- فعلوا ذلك بعد توزيع الوجبات ومائة جنيه شهريًّا؟!
أليس في كلا الأمرين إهانة للشعب المصري؟
ما الفرق:
بين القول بأن من ثاروا يعملون لأجندات خاصة ولا يريدون مصلحة البلاد، والقول بأن من صوتوا بـ"نعم" يعملون -أيضًا- لأجندات خاصة ولا يريدون مصلحة البلاد؟!
أليس هذا تخوينًا وذاك تخوينًا أيضًا؟
لماذا يُستنكر:
قول "عمر سليمان" إن الشعب المصري غير مستعد للديمقراطية، ومن قبله أحمد نظيف، ثم تُقال الآن بكل وضوح أن الشعب غير مؤهل لذلك -مع التحفظ على مصطلح الديمقراطية-؟!
لماذا أصبح: الشعبُ العظيم العريق بالأمس شعبَ الدراويش اليوم؟!
ولماذا يستمر هؤلاء الإعلاميون في إهانة الشعب المصري وإرادته والتحقير من شأنه؟!
إن هؤلاء الإعلاميين أصحاب نظرة استعلائية واحتقارية للشعب المصري، لسان حال الواحد منهم: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29).
هؤلاء الإعلاميون لا يرون إلا ذواتهم، ومن عداهم فهو إما صاحب أجندة، أو مرتزق، أو مخدوع!
هؤلاء الذين يتشدقون بالرأي والرأي الآخر من أكفر الناس بمبادئهم وآرائهم، ومن أكثر الناس تلوُّنًا.
وإن كانت الثورة قد خلصتنا -بفضل الله- من رؤوس الظلم والطغيان الذين أهانوا الجماهير عشرات السنين؛ فتلكم جراثيم أخرى لا تكف عن إهانة المصريين يجب أن تُزال، ويجب ألا نرى وجوههم مرة أخرى.