كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد التصق العنف في الخطاب الإعلامي بالإسلاميين التصاقًا لا فكاك له، حتى صارت كلمة جماعات العنف والإرهاب ترادف عند الجميع: "الجماعات الإسلامية"!
وعلى الرغم من أن استعمال "الإخوان" للسلاح كان في مرحلة ما قبل الثورة التي حملت السلاح هي الأخرى ضد "الملك" وأعوانه، وأطاحت بهم.
وعلى الرغم من أن الجماعة الإسلامية قد أعلنت مبادرة وقف العنف وأيدتها بتطبيق عملي لم تسجل عليه أي واقعة خرق حتى الآن، كما أن جماعة الجهاد قد غيرت إستراتيجيتها، وأوقفت العمليات في مصر منذ زمن بعيد، بل أطلق بعضهم مبادرة لوقف العنف قريبة من مبادرة الجماعة الإسلامية؛ هذا بالإضافة إلى الاتجاهات الإسلامية التي لم تتبنى العنف أصلاً: كالـ"سلفيين"، و"أنصار السنة".
ومع هذا يصر الإعلام على توجيه تهمة الإرهاب إلى الإسلاميين ككل بلا تفريق، ولا يزال فريق العالمانيين يشكك في نوايا الجماعة الإسلامية رغم التزامها التام بالمبادرة! بل يشككون في نوايا غيرهم ممن لم يحمل السلاح قط، ويقولون: سيأتي اليوم الذي يحملونه عليهم!
إذن يمكننا أن نقول: إن العنف في تاريخ من تبنى العنف من الإسلاميين أصبح في خبر كان، ومع هذا فما زال هو المبتدأ والخبر في الخطاب العالماني!
ومن المفارقات العجيبة أن كثيرًا من هؤلاء العالمانيين ثوريون، اشتراكيون، نضاليون...، إلى آخر هذه الأوصاف، لم يتوبوا بعد أو يعلنوا التبرؤ من تاريخهم في استخدام العنف، وإذا تجاوزنا عن تاريخ العنف وجدنا الحاضر أشد عنفًا، بدءًا بالنصارى الذين يصورهم الإعلام دائمًا أنهم ضحايا دائمًا للعنف الإسلامي، ومرورًا بالأحزاب الديمقراطية والليبرالية التي تتشدق بمبادئ حرية الرأي، وانتهاءً بآحاد الناس الذين بلغ من جرأتهم وإرهابهم أن يذبح أحدهم ابن منافسه؛ حتى يشغله عن متابعة سير عملية الانتخابات.
إن أحداث "مبنى العمرانية" المراد تحويله إلى كنيسة، وأحداث العنف في "انتخابات مجلس الشعب 2010"، لتجعل المـتأمل يعجب من أين أتت الجرأة لأطراف هذا العنف أن يتهموا الإسلاميين بالعنف بناءً على مراحل ولَّت من تاريخ الجماعات الإسلامية، بل إن العنف في جماعات العنف في أوجه لا يمكن مقارنته بأحداث العمرانية، ولا بالعنف الانتخابي!
وذلك لعدة أمور:
أولها: أن العنف الإسلامي ما هو إلا طريقة غير صحيحة للمطالبة بمطالب عادلة ومنطقية، ومنسجمة مع دين الغالبية العظمى من الشعب المصري، وهي: "تطبيق الشريعة" في واقع المسلمين ككل، وليس في النظام القضائي فقط.
ومِن ثمَّ فإن المجتمع كان بإمكانه أن يتفادى ذلك العنف بمعالجة الخطأ بالطريقة الصحية، ومِن ثمَّ تزول أسباب العنف أصلاً.
ولكن أحدًا من "الجوقة الإعلامية" لم يقل ذلك مع أن كثيرًا منهم يرى أن إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد هو السبيل إلى عدم تكرار أزمة العمرانية، وكأنهم يطالبون الدولة أن تركع أمام الإرهاب الكنسي بكل أريحية، مع أنهم لم يقترحوا ذلك أثناء مواجهة النظام مع الجماعة الإسلامية، وهي المواجهة التي استمرت لسنوات!
بل إنه حينما استطاع بعض الشيوخ أن يقنعوا قيادات الجماعة الإسلامية بالتخلي عن العنف مقابل السماح لهم بالدعوة بالحسنى اعتبر الإعلام العالماني ذلك رضوخًا من السلطة مع الإرهابيين، وعرقلوا إتمام هذا الأمر لسنوات اكتوى فيها المجتمع بنيران هذا العنف المتبادل، حتى أعلنت الجماعة الإسلامية عن المبادرة من جانب واحد؛ لتضمن عدم عرقلة الإعلام العالماني لها.
مع أن قانون بناء دور العبادة الموحد التي تطالب به الكنيسة بدعة لا نظن أن لها مثيلاً في العالم؛ فحتى أعتى الدول الليبرالية تضع قيودًا أمام بناء الأقليات لدور العبادة.
ثانيها: أن العنف الإسلامي كان معتمدًا على دراسات كان يمكن التغلب عليها بالمناقشة الفقهية لهذه الدراسات، وهو ما تم مؤخرًا بطريقة ذاتية بعد أن تقاعس المجتمع عن ذلك، بخلاف العنف الهمجي الذي يعرف القائم به قبل غيره أنه نوع من البلطجة والاعتداء على النفوس والأموال كما في العنف الانتخابي.
أو العنف الكنسي الذي يُعتبر وفق قانون الكنيسة خروجًا على تعاليم دينهم، ومع ذلك يقومون به؛ فوفق كتابهم: "مَن ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر"!
ولما دعا داعيهم إلى الاستشهاد! قال: إن الاستشهاد النصراني هو أن يموت النصراني من أجل دينه دون تراجع، ولكنه لا يقاوم فضلاً عن أن يبتدئ بعدوان، وإذا بنا نجد الميليشيات المسلحة، والأعمال التخريبية، واحتلال شارع عمومي، ومبنى رمز الحكم في الشقيقة الصغرى للعاصمة، ومِن ثمَّ فهذا العنف غير مبرر بأي مبرر ديني ولا قانوني، ولا يجدي معه نقاش؛ لأن صاحبه يراه حرامًا في دينه، ومع ذلك يفعله.
ثالثًا: ويتفرع على هذا أن العنف الإسلامي في نهايته كانت تقوم به طائفة من الإسلاميين وسط اعتراضات من غيرهم من الإسلاميين، ووسط وجود قيادات دينية لو أعطت صلاحيات الكلام مع الشباب الغاضب، وإزالة أسباب غضبه، وهي أسباب جديرة بالإزالة بطبيعة الحال لأمكن إيقاف تيار العنف مبكرًا، بينما يمارس "الإرهاب الكنسي" قيادات كنسية تشغل وظائف في الدولة، وتأخذ بملأ كفيها عطايا من الدولة، وتصريح ببناء كنائس وحراسة عليها، واعتقال لكل من تسول نفسه المشي بجوارها، وتتبع لكل من يريد أن يشهر إسلامه، وقبض على كل من تحوم حوله شبهة أنه دعاه إلى الإسلام "بالحسنى"!
ثم يتوارون لتبدأ الميليشيات حيث انتهى الباباوات، ويغلقون الهواتف، وينقطعون في الخلوات ريثما تخرج الميليشيات للحكومة وتكسر المحلات، وتقذف التلميذات بالحجارة، وتشرع في قتل اللواءات؛ فإن اضطرت الحكومة إلى استعمال شيء من الشدة، والقبض على جزء من مثيري الشغب؛ خرج الباباوات من خلواتهم، وتغلبوا على أمراضهم؛ ليناشدوا الحكومة تقدير دوافع الشباب الغاضب، وأنهم "صعايدة".. في الوقت الذي كان الجميع يطالب بضرب الصعايدة الإسلاميين في سويداء القلب!
رابعًا: وأعجب من ذلك كله أن يناشِد قسٌ الرئيسَ أن يُعامل هؤلاء الذين خالفوا تعاليم دينهم، وخالفوا القانون، معاملة مثيري شغب من دولة أخرى في مباراة كرة قدم، مؤكدًا بذلك أن الكنيسة ترى نفسها دولة داخل الدولة، فما يكون من ترحيل عدد من الزائرين المشاغبين على سبيل المجاملة الدبلوماسية لدولهم مع منعهم من دخول البلاد ثانية لا يقاس عليه الميليشيات الداخلية التي خرجت لتحتل مبنى المحافظة، ثم يُراد لها أن تعود إلى بيتها بمكالمة تليفونية مِن "أبوهم"؛ ليستعدوا في المرة القادمة لاحتلال ما هو أكبر من مبنى المحافظة!
ثم إنه قد فات هذا القس أن "تونس" ردت في اليوم التالي بمجاملة دبلوماسية مشابهة، وأفرجت عن صيادين مصريين محتجزين لديها؛ فهل لدى دولة الكنيسة استعداد لإفراج مشابه؟!
أظن لا -والله المستعان-.