الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 10 ديسمبر 2025 - 19 جمادى الثانية 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (68)‏

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

رابعًا: حسن الظن والبعد عن أسباب حدوث الظن السيئ:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، ‌فَإِنَّ ‌الظَّنَّ ‌أَكْذَبُ ‌الْحَدِيثِ) (متفق عليه)، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "لا تظن بكلمةٍ خرَجتْ من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخَيْر مَحْملًا"، وقال أيضًا: "لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه" (الآداب الشرعية والمنح المرعية).

وعن سعيد بن المسيَّب قال: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله: أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجتْ من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا" (الاستذكار).

وجاء في شرح ابن بطال على صحيح البخاري: "وقال المهلب: قد أوجب الله تعالى أن يكون ظنُّ المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا؛ إذ يقول: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور: 12)، فإذا جعل الله سوء الظَّن بالمؤمنين إفكًا مبينًا، فقد ألزم أن يكون حُسْن الظَّن بهم صدقًا بينًا" (شرح صحيح البخاري).

ولقد دخل على الشافعي رحمه الله أحدُ إخوانه يوما يَعُوده، فقال له: "قوَّى الله ضعفك! فقال له الشافعي: لو قوَّى الله ضعفي لقَتَلَنِي. فقال الزائر: والله ما أردتُ إلا الخير، فقال الإمام: أعلم أنك لو سبَبْتني ما أردتَ إلا الخير" (آداب الشافعي ومناقبه).

فكل هذه الآثار المنقولة الغرض منها: بيان أن سوء الظن من أعظم الآفات القلبية التي تجلب على الإنسان كَدَرَ البال، واضطراب القلب، وتعب النَّفس والجسد، وتؤدي إلى النفرة والقطيعة بين الإخوان.

فسوء الظن باب من أبواب الفتنة التي يفرح بها الشيطان وينفخ فيها حتى يتمكن من الإنسان، فيطول لسانه بالغيبة لأخيه فيهلك، أو يقصر في القيام بحقوقه، أو يتوانى في إكرامه، أو ينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيرًا منه، أو يُغلق عليه فهمه لمقصود إخوانه، ثم لا يلبث أن يمتلئ قلبه غيظًا على إخوانه فيبتعد عنهم، ثم يصير منفردًا في عمله عنهم، فيزيد استحواذ الشيطان عليه، كما أوضح ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ ‌الذِّئْبُ ‌الْقَاصِيَةَ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، ثم يصير حربًا على إخوانه نتيجة لهذا الضغط النفسي الناتج من سوء الظن، والذي يتحول مع طول الزمان إلى تغيير في رؤية التغيير والإصلاح عنده، فيرتمي في أحضان تيارات أخرى مخالفة له في رؤيته الأصلية!

ومن الجدير بالذِّكْر هنا في هذا الصدد لتفادي حدوث هذا الظن السيئ: أن ننبه إلى أن من واجبات الأخوة أيضًا:

1- أن يعتني الإنسان بكلماته وأفعاله مع إخوانه؛ فيغلق مداخل الشيطان ابتداءً على إخوانه؛ فقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك؛ فقال: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا حَتَّى ‌يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

2- أن يتحدث الأخ إلى أخيه مباشرة حينما يحدث خطأ من أحدهما في ظنِّ الآخر، فلسنا في حاجة أن يتحدث بعضنا عن بعض بقدر ما نحتاج إلى أن يتحدث بعضنا إلى بعض؛ فحديث الأخ عن أخيه لغيره - إن كان يريد نصحه أو علاج خطئه - لا يغير منه شيئًا، بل قد يكون سببًا لزيادة غيه إن سمع ذلك الذي يُتناقل عنه، ولن يثمر هذا في الحقيقة إلا زيادة في عدد الحانقين على هذا المخطئ بناءً على هذا الحديث البعيد عنه وزيادة النفرة منه وشعوره بذلك، فيزداد بعده عن إخوانه.

بينما إن تحدث الأخ مع أخيه مباشرة في خطئه أو ما يراه نقصًا عنده؛ فهذا أدعى لتغيٌّره ورجوعه عن خطئه واعتذاره منه -إن كان هذا الخطأ حقيقيًّا-، أو هو أدعى لتفهم الأخ من أخيه قصده وتلمس عذره، أو يكون سببًا لإقراره على الفعل ودفعًا لسوء الفهم.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.