الدولة الفاطمية والمذهب الشيعي وزواله من مصر (16)
كتبه/ أحمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد؛
إجبار أهل السنة بالالتزام
بأحكام المذهب الشيعي المخالف للكتاب والسنة:
كان القضاء الشرعي في مصر منذ الفتح الإسلامي على المذهب السني، كما
كانت الدولة الإخشيدية، تدين بالولاء للخلافة العباسية السنية، كما أن مسلمي مصر
يدينون بالمذهب السني، وعند دخول الفاطميين الديار المصرية، كان قاضي أهل مصر: أبو
الطاهر الذهلي، وقد أقره جوهر الصقلي في منصبه، ولم يستبدله بقاضٍ آخر على المذهب
الشيعي، لخوفه من غضب المصريين وسخطهم؛ لكنه ألزمه أن يحكم في هلال الشهور، وفي
المواريث، وفي الطلاق، وَفْق مذاهب الشيعة.
وكانت أحكام القضاء عند الفاطميين تقضي بأن لا يرث مع البنت أخ، ولا
أخت، ولا عم ولا جد، ولا ابن أخ ولا ابن عم، ولا يرث مع الولد ذكرًا كان أو أنثى،
إلا الزوج والزوجة، والأبوان والجدة، ولا يرث مع الأم إلا مَن يرث مع الولد!
ولما وصل المعز لدين الله مصر، خلع على القاضي أبي الطاهر وأقره في
مكانه، لكن المعز ألزمه أن يحكم وفق تعاليم المذهب الشيعي، كما أشرك معه في
القضاء القاضي: النعمان بن محمد بن حيون، وقد كان مالكيًّا، ثم تحول إلى
"الشيعة الإمامية" وولي القضاء للمعز لدين الله، والقاضي أبو سعيد بن
أبي ثوبان المغربي؛ وبعد وفاة النعمان أشرك ابنه علي بن النعمان، وفي عهد العزيز
زاد من اختصاص القاضي علي بن النعمان مع بقاء القاضي أبي طاهر.
ثم اقتسم القضاء علي محمد بن النعمان، والقاضي أبو الطاهر، وكان لكلٍّ منهم
معاونين يستعين بهم في أحكامه، وكان يجلس أبو الطاهر في جامع عمرو بن العاص، ويجلس
علي بن النعمان في الجامع الأزهر، وعندما اعتذر القاضي أبو الطاهر لمرضه! قُبل
اعتذاره على الفور؛ وتقلد علي بن النعمان القضاء عامة، ولُقِّب بقاضي القضاة، وكان
أول من لقب بذلك؛ وكان قاضي القضاة يقوم بتعيين القضاة في الأقاليم، وكان يغلب
عليهم المذهب الإسماعيلي الشيعي، وإذا تولى أحد على غير المذهب الإسماعيلي! كان
يشترط عليه أن يقضي بالمذهب الإسماعيلي.
ومن الملاحظ: أن منصب قاضي القضاة كان في غالب الدولة الفاطمية مقتصر على مَن هم
على مذهب الدولة الفاطمية، وما يدل على ذلك أن الدولة الفاطمية كثيرًا ما كانت
تسند منصب قاضي القضاة إلى داعي الدعاة الإسماعيلية، في إشارة واضحة من الدولة
الفاطمية بأن المذهب الإسماعيلي هو أساس التشريع لكل المواطنين على اختلاف
مذاهبهم، بما فيهم أهل السنة.
وعندما أراد الحاكم استمالة المعز بن باديس أمير المغرب، الذي كان
على المذهب السني، قام بتعيين القاضي أبي العباس أحمد بن أبي العوام الذي كان على
المذهب الحنفي، لكنه اشترط عليه ألا يحكم إلا بحضور أربعة فقهاء من المذهب
الإسماعيلي! في إشارة واضحة إلى تخويف قاضي القضاة من الحكم بغير المذهب
الإسماعيلي.
ونكمل في المقال القادم -إن شاء الله-.