الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 02 يونيو 2025 - 6 ذو الحجة 1446هـ

لماذا نعجز عن استثمار مواسم الطاعات؟ (2)

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كذلك من أسباب عدم استثمار مواسم الطاعات:

6- عدم الصبر على الطاعات وعن المعاصي: إن العاقل إذا تأمل في هذا الأمر وأدرك هذه الحقيقة، أحسن في إقباله على ربِّه، وأحسن في مجاهدته لنفسه؛ فإن الطاعة والعبادة والبعد عن المعاصي والذنوب قد تكون في أول وهلة لها مرارة، ولكنها مرارة قليلة تعقبها حلاوة دائمة غير منقطعة، فإن مرارة الدنيا قصيرة، وحلاوة الآخرة دائمة غير منقطعة، ولأن يصبر العبد على مرارة في الدنيا منقطعة فينال حلاوة الآخرة غير المنقطعة، خير له من أن ينشغل في هذه الحياة بحلاوة زائفة ولذة فانية تعقبها حسرة دائمة ومرارة باقية.

فعلى العبد العاقل أن يتأمل في هذا الأمر جيدًا، وأن يحقق الجهاد في هذا الباب. وهو في هذا المقام يحتاج إلى نوعين من الصبر: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي؛ فيحتاج إلى أن يصبر على طاعة الله -عز وجل-، ويحافظ على الطاعة التي لا غنى له عن ثوابها، ويتجنب المعصية التي لا صبر له يوم القيامة على عقابها.

وإن من الغبن العظيم والخسران الكبير ألا يصبر الإنسان على الطاعة في هذه الحياة، وأن يقتحم المعصية، ثم يبوء يوم القيامة بحسرات دائمة وندم لا يفيد.

7- التقصير في الدعاء والاستعانة بالله: وفي دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وليعلم كلٌّ منا أن الجنة قريبة من أهلها، وأن النار كذلك، فليس بين صاحب الجنة والجنة إلا أن يموت، وليس بين صاحب النار والنار إلا أن يموت؛ قال الله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان: 34).

ويا عجبًا لمن يحتمي من الأطعمة النافعة خوفًا من مضرتها؛ كيف لا يحتمي من الذنوب والمعاصي خوفًا من معرتها يوم يلقى ربه -عز وجل- يوم القيامة؟!  

نصائح لاستثمار مواسم الطاعات:

1- استغلال الوقت: فينبغي على المسلم في هذه الأوقات الفاضلة استغلال كل لحظة فيها، وأن يقضي وقته في كل ما يفيده في دينه ودنياه.

2- الاقتداء بالمجتهدين: وخير المجتهدين جميعًا رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فاقرأ -أخي المسلم- سيرته، واقتدِ بأفعاله، واهتدِ بهديه، واتبع سنته، وأصلح نفسك، وارفع همتك كما أمرك نبيك -عليه السلام-.

3- مصاحبة الأخيار وتجنب الفجار: لأن للرفيق الصالح أثرًا كبيرًا على نفس الشخص المسلم. فالرفيق هو قرينك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

4- الاستعانة بالله: يجب أن تستعين بالله على الطاعة وترك المعصية، فالله خير معين للإنسان المسلم، وقد أمرنا بطلب العون منه ليوفقنا إلى طاعته وعبادته، كما قال -تعالى-: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 5-6).

5- الإكثار من السجود: بهذه السجدات تستشعر عظمة الخالق -سبحانه وتعالى-، وتصل دعواتك إليه، وتطلب منه ما تريد، تطلب منه أن يعصمك من نفسك الأمارة بالسوء، ومن الشيطان، ونزوات الدنيا المهلكة.

6- الإكثار من الدعاء: فالدعاء سلاح المؤمن، ومن أسباب توفيق الله للعبد، وبالدعاء ينجي الله عباده المؤمنين؛ كما أنجى نوحًا وهودًا ولوطًا، وأخرج يونس -عليه السلام- من بطن الحوت؛ فلا تستهن بالدعاء، فهو خير معين عند الكرب، وهو صفة الصادقين والأنقياء.

ولتتأمل هذه الآية التي خاطب الله بها الأسرى: (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنفال: 70).

وتدبر هذه الشهادة من العليم الخبير، التي تدل على أثر صدق القلب فيما ينزله الرب تعالى عليه من بركات: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح: 18).

فعليك أن تجتهد أخي الحبيب، وتُري اللهَ من نفسك خيرًا، فيوفقك الله وييسر لك طاعته والمسير إليه.

نسأل الله أن يستعملنا في طاعته ومرضاته، وأن يوفقنا إلى كل خير.