كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المقال السابق عما يجب علينا تجاه إخواننا في "بورما" مِن موالاتهم، والعودة إلى الله -عز وجل-، والتوبة مِن الذنوب والمعاصي، ونستكمل في هذا المقال.
2- الدعاء:
والدعاء هو العبادة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
والدعاء له شرط لإجابته، وهناك مانع يمنع إجابته؛ فندعو الله بصدقٍ وإخلاص، وبكاء وتضرع لله -تعالى-، خاصة في الأوقات التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، ونجتنب أكل الحرام، وغفلة القلب أو الملال، ونحو ذلك.
وهذا سبب عظيم مِن أسباب النصرة خلافًا لبعض الجهال الذين هونوا عند كثيرٍ مِن المسلمين هذا الأمر العظيم باستهزائه أو التقليل مِن شأنه، وما علم هذا الجاهل أن الله -تعالى- خلقنا لإفراده بالدعاء، والدعاء هو العبادة، ويحب مِن عباده أن يدعوه، وأن يتضرعوا إليه بالدعاء والتوبة والإنابة.
والله شرّف هذه الأمة بذلك، فنحن أمة لا نُنصر بكثرة عدد ولا عتاد، وإنما ننصر بقربنا مِن الله -تعالى- وطاعتنا له، واعتصامنا به -تعالى-؛ فانظر لغزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومعارك الصحابة -رضي الله عنهم- تجد ألا مقارنة بيْن عدد المسلمين وعتادهم، وبيْن عدد وعتاد المشركين!
وإليك هذه القصة العجيبة لتعلم ذلك حق العلم:
عن ابن إسحاق، قال: "كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَثْبُتُ لَهُمُ الْعَدُوُّ فُوَاقَ نَاقَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ هِرَقْلُ وَهُوَ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ لَمَّا قَدِمَتْ مُنْهَزِمَةُ الرُّومِ: وَيَلَكُمُ! أَخْبِرُونِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، أَلَيْسُوا هُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ؟! قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَنْتُمْ أَكْثَرُ أَمْ هُمْ؟ قَالُوا: بَلْ نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ تَنْهَزِمُونَ كُلَّمَا لَقِيتُمُوهُمْ؟! فَقَالَ شَيْخٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ اللَّيْلَ، وَيَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَتَنَاصَفُونَ بَيْنَهُمْ، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّا نَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَنَزْنِي، وَنَرْكَبُ الْحَرَامَ، وَنَنْقُضُ الْعَهْدَ، وَنَغْصَبُ، وَنَظْلِمُ، وَنَأْمُرُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، وَنَنْهَى عَمَّا يُرْضِي اللَّهَ، وَنُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ: أَنْتَ صَدَقْتَنِي!" (البداية والنهاية).
- ولما مرَّ سعد بن وقاص -رضي الله عنه- ليلة القادسية بمعسكر الجيش، فوجد خيامًا يصلون بالليل، قال: "مِن ها هنا يأتي النصر!"، ومرَّ بخيامٍ نيامًا فقال: "مِن ها هنا تأتي الهزيمة!".
وقال قتيبة بن مسلم -رحمه الله- يوم مهاجمة الترك لخراسان: "أصبع محمد بن واسع -وكان مِن عُباد التابعين- أحبّ إليَّ مِن ثلاثين ألف عنان -أي فارس-!".
فإذا أردنا أن يكون الله -تعالى- لنا على ما نحب مِن نصرة وتبديل حال؛ فعلينا أن نكون هكذا. والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
3- حث مَن يقدر مِن المسئولين، وأهل الخير على نصرتهم ومساعدتهم بالمستطاع؛ لرفع الظلم عنهم أو تخفيفه.
4- الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، مع السعي في رفع القدر المؤلم بالأقدار المحمودة المحبوبة لله -تعالى-.
5- الرضا عن الله -تعالى- فيما قدَّر؛ فقضاؤه -تعالى- كله خير، وعاقبته إلى خير، فإن تبنا لله -تعالى- وأحسننا ما بيننا وبينه -تعالى-؛ قيض الله لنا مَن يكون عز الإسلام والمسلمين على يديه.
6- الأمل وحسن الظن بالله، مع التبشير وترك اليأس ومشاعر الإحباط ونحوها، مما تقعد بالمسلم ولا تحركه لفعلٍ واجب عليه.
7- واجب الحكام عظيم بما أعطاهم الله مِن قدرة، وفي مقدورهم الضغط السياسي والدبلوماسي لرفع البوذيين أيديهم عن المسلمين هناك.
- وكذا إرسال مساعدات عينية لهم.
اللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في "بورما"، وغيرها مِن بلاد المسلمين.
اللهم أنزل رجزك وعذابك على الكافرين الذين يصدون عن سبيلك ويقتلون أوليائك.