هل تناقضنا باختيار "أبو الفتوح"؟!
كتبه/ ياسر برهامي*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أصاب قرار "مجلس شورى الدعوة السلفية" بدعم د. "عبد المنعم أبو الفتوح" رئيسًا للجمهورية دهشة الكثيرين مِن المراقبين للأداء السياسي للسلفيين، واعتبره البعض تباعدًا عن الفكر "الأيديولوجية" لصالح "المصلحة"، ووصف القرار بـ"البراجماتية".
واعتبره البعض تناقضًا مع المواقف السابقة للدعوة ورموزها مِن آراء الاتجاه المسمى: "بالإصلاحي" داخل الإخوان، والذي كان يمثـِّله في كثير من الأحيان د."أبو الفتوح".
وعده الآخرون مجرد عناد وحزبية، وإثبات للذات باختيار المخالفة للفصيل الإسلامي المنافس؛ محاولة للخروج من عباءته.
في حين اتهم البعض -للأسف- "الدعوة السلفية" بالخيانة والعمالة، وعقد صفقة مع "المجلس العسكري"، أو قبول ضغط الأخير -بزعمهم- لصالح "أبو الفتوح"؛ لشق الصف وتفريق الكلمة!
والحقيقة أن كل هؤلاء لا يعرفون طبيعة "المنهج السلفي": في ترتيب الأولويات، وفي الموازنة بين المستطاع والممكن وبين المرجو والمطلوب، وفي قضية مراعاة المصالح والمفاسد بميزان الشريعة، وفي فقه التعامل مع الواقع المخالف للشرع مع المحافظة على الثوابت، وحدود التنازل عما يمكن التنازل عنه بالشرع أيضًا، وعدم إمكانية التنازل عن الولاء للشريعة ونصرتها مهما كانت المعطيات جهرنا بما يخالف كل الأصوات المعلنة في قضايا الإيمان والكفر، و... مما سبب لنا أزمة مؤقتة، لكنها أكسبت الدعوة على المدى البعيد مكانة متميزة |
.
فالسلفية تضع في أعلى الأولويات الثبات على العقيدة والمنهج في مقام الفهم والاعتقاد، ثم في مقام البيان والدعوة، فلا يمكن عندنا أن نداهن على حساب الدين والعقيدة لتحقيق مصلحة سياسية أو مكسب إعلامي مؤقت بأن نقر باطلاً، أو ننكر حقًا دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف.
ومِن هذا المنطلق كانت المواقف التي اعتبرها البعض حادة وغير مقبولة سياسيًّا: كالتمسك أمام الإعلام بالمواقف الواضحة في قضايا الولاء والبراء، وجهرنا بما يخالف كل الأصوات المعلنة في قضايا الإيمان والكفر، والحب والبغض، والحكم بما أنزل الله؛ مما سبب لنا أزمة مؤقتة، لكنها أكسبت الدعوة على المدى البعيد مكانة متميزة، حتى صار مَن يخالفنا أو يوافقنا يعلم أننا نسير في اتجاه واحد ليس عندنا خطابان ووجهان، لا نتلون ولا نكذب، ولا نجامل كما يجامل غيرنا.
في حين كان السلوك العملي المتسامح، بل المحافظ والمدافع عن حقوق غير المسلمين سببًا في اعتدال الصورة، وزوال "الرعب" الذي حاول البعض زرعه في قلوب الآخرين منا.
ولم يكن قرارنا -مثلاً- بالمشاركة السياسية بمعطياتها الحالية متضمنًا لتنازل عن الفكر، بل قبولاً لما يمكن قبوله من العروض، ورفضًا لما يحتمله القبول، وفي ذلك المحافظة تمامًا على الثوابت والمطلقات، وبقاء "المثالي" مطلوبًا مرجوًا محدد المعالم في القلوب والأذهان، وعلى الألسنة في الدعوة والبيان للناس، في حين نأخذ عمليًّا بالممكن المستطاع امتثالاً لقول الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16) لسنا بالذين نقدِّس "ولاة الأمور" ونمتنع من بيان مخالفتهم، لم نفعل ذلك في أشد عصور الاستبداد والطغيان؛ فكيف في عهد الحرية؟! |
.