قصة اختيارنا للدكتور "أبو الفتوح"
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والاستفتاء على التعديلات الدستورية، وظهور مدى تأثير الإسلاميين في الشارع... طُرح سؤال في أوساط الإسلاميين، وهو: هل تحتمل مصر رئيسًا إسلاميًّا أم لا؟
وكانت هناك أصوات كثيرة تنادي بأن يتم اختيار شخص مؤمن بمرجعية الشريعة الإسلامية، ولكن غير موسوم بأنه إسلامي أو على الأقل غير منتمٍ تنظيميًّا، وفي هذا السبيل عَقدت الدعوة السلفية مؤتمرًا تشاوريًّا ضمَّ أعضاء مجلس إدارتها، بالإضافة إلى رموز كثيرة مِن رموز التيار السلفي غير المنتمين لجماعة "الدعوة السلفية".
ولا نذيع سرًا إذا قلنا: إن أحد الدعاة البارزين المؤيدين للدكتور "محمد مرسي" الآن باعتباره المرشح الإسلامي الوحيد كان قد اقترح عدم تأييد أي مرشح مِن الإسلاميين الثلاثة في ذلك الوقت: "الشيخ حازم - الدكتور العوا - الدكتور أبو الفتوح"، واقترح بحث تأييد الدكتور "الأشعل" باعتباره مؤمنًا بالمرجعية الإسلامية، ولكن غير موصوف بأنه إسلامي، وطبعًا لا ننكر عليه تغيُّر اجتهاده، ولكن ننكر عليه أنه استبعد "أبو الفتوح" بوصفه إسلاميًّا مرة، ثم عاد فاستبعده بوصفه غير إسلامي مرة أخرى واصفًا الدكتور "محمد مرسي" بأنه المرشح الإسلامي الوحيد!
وقد انتهى ذلك المؤتمر إلى أن معظم الحاضرين يرون أن المرحلة لا بد فيها مِن رئيس إسلامي حتى لو أبقى على ما لا يستطيع تغييره من مخالفات؛ لأنه سيكون حريصًا على التوجه نحو تطبيق الشريعة، بخلاف ما لو تركناها لخصوم الشريعة الذين ربما اتجهوا إلى الضد.
وعلى الجانب الآخر كانت جماعة الإخوان قد أعلنت أنها لن تُقدِّم مرشحًا للرئاسة، ثم بدأ الترويج لفكرة الرئيس التوافقي العالماني، ونُسبت تصريحات عديدة لعدد من رموز الإخوان في هذا الصدد إلا إن التصريح الأبرز الذي يمكن التعويل عليه كان مِن نصيب فضيلة "المرشد" مع الإعلامي "وائل الإبراشي"، والذي ذكر فيه ثلاث عبارات حاسمة:
- لن نرشح مرشحًا إخوانيًّا.
- لن نرشح مرشحًا إسلاميًّا.
- لن نرشح مرشحًا ذي خلفية إسلامية!
وبعد هذه "اللاءات الثلاثة" لم يبقَ إلا مرشح توافقي عالماني! وهو ما شجع الدكتور "منصور حسن" إلى أن يتقدم للرئاسة زاعمًا أنه مدعوم مِن الإخوان، وفي مداخلة هاتفية للدكتور "غزلان": ذكر أن الجماعة لم تتخذ موقفًا بشأن "منصور حسن"، بينما قال: إن الجماعة اتخذت موقفًا نهائيًّا بعدم دعم الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"!
وحينما صرح الدكتور "محمد البلتاجي" بأنه يرى أن الدكتور "أبو الفتوح" أفضل مرشح؛ سارعت الجماعة بالتأكيد على أن هذا موقف فردي منه.
وتمت اتصالات بيْن جماعة "الدعوة السلفية" وجماعة "الإخوان المسلمين"؛ لإقناعهم بأن أفضل الحلول أن ندعم سويًّا رئيسًا إسلاميًّا غير منتمٍ تنظيميًّا؛ ليكون أقرب إلى التوافقية، وتم إعادة تعريف مصطلح الرئيس التوافقي إلى "الرئيس التوافقي الإسلامي"، وفي ذلك الحين كان المرشحون الإسلاميون الثلاثة: "الشيخ حازم - الدكتور العوا - الدكتور أبو الفتوح"، وكانت هناك أمور تتعلق بالشيخ "حازم" أبرزها: جنسية والدته، ومِن ثَمَّ كان مِن المنطقي أن تتم المفاضلة بيْن المرشحين الآخرين إلا أن الإخوان طلبوا مهلة؛ لإقناع أحد مِن الرموز الأخرى التي تؤمن بالمرجعية الإسلامية، ويكون لها قبول أعلى لدى الإخوان؛ ولأن توحد الإسلاميين خلف مرشح واحد كان من الأهمية بمكان فقد تركنا لهم الفرصة؛ فحاولوا مع المستشار "طارق البشري"، والمستشار "حسام الغرياني".
وفي هذه الأثناء قام بعض أعضاء "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" بزيارة مكتب الإرشاد، وطلبوا منهم ترشيح المهندس "خيرت الشاطر"، وكان تعليق المهندس "خيرت الشاطر" نفسه آنذاك: أن مبررات عدم ترشيح أي مرشح من الإخوان ما زالت قائمة، ومِن ثَمَّ كان رأيه الشخصي رفض هذه الفكرة حتى قيل: إنه صوت ضدها في اجتماع مجلس شورى الإخوان، والذي أخذ القرار "بأغلبية 56 عضوًا ورفض 52 عضوًا".
ورغم خطورة الدفع بمرشح إسلامي منتمٍ تنظيميًّا إلا أننا لاعتبارات تتعلق بشخصية المهندس "خيرت"، وارتباط مشروع النهضة باسمه، ولتاريخه النضالي، ولروحه الانفتاحية على المجتمع ككل -وعلى الحركة الإسلامية بوجه خاص التي بدت لنا آنذاك-؛ وجدنا أنه من الممكن لنقاط القوة هذه أن تعادل وتَجْبُر الخوف العام والخاص مِن وجود رئيس له انتماء تنظيمي؛ لا سيما لتنظيم شديد العمق التنظيمي كجماعة الإخوان المسلمين.
وعندما زار وفد من "الدعوة السلفية" مكوَّن مِن: "الشيخ سعيد عبد العظيم - والشيخ ياسر برهامي - وعبد المنعم الشحات" مكتب الإرشاد كان الغرض مِن الزيارة: الدعوة لمبادرة الدعوة السلفية للوصول إلى مرشح إسلامي واحد، ولما جاء ذكر المهندس "خيرت الشاطر" قلنا: إننا نتوقع إن ترشح أن يحصل على أعلى الأصوات من مجلس شورى الدعوة السلفية، كما نتوقع أن يحصل على تأييد معظم التيارات الإسلامية في تلك المبادرة.
وعندما رددت وسائل الإعلام أن جماعة الإخوان تتجه لترشيح مرشح آخر أرسلنا لهم رسالة فيها نصيحة بعدم تقديم مرشح، إلا أنهم في النهاية رشحوا المهندس "خيرت الشاطر"، وبالفعل تم طرحه على مجلس شورى الدعوة السلفية في لقاء لم ينته بتصويت؛ لأن باب الترشح لم يكن قد أغلق، وإن كان اللقاء قد شهد مناقشات ساخنة بين مؤيد ومعارض.
وبعد تقدُّم المهندس "خيرت الشاطر" بأوراقه تم الطعن عليه، ولم تتكلم الجماعة عن مرشح احتياطي حتى آخر يوم في الترشح، وأشيع أنه سوف يتم إقصاء كل الإسلاميين الذين كانوا أربعة آنذاك: "الشيخ حازم - المهندس خيرت - الدكتور أبو الفتوح - الدكتور العوا"، وكرد فعل لهذه الشائعة تقدم الدكتور "عبد الله الأشعل"، والدكتور "محمد مرسي"، وكاد الدكتور "صفوت حجازي" أن يترشح، وكنا نظن أن هذا يعني أنه لو استمر واحد من الأربعة الأساسيين سوف ينسحب مَن ترشح في آخر الأمر؛ إلا أن جماعة الإخوان المسلمين فاجأت الجميع بإعلان أن لها مرشحَيْن، وأنها سوف تستمر بالدكتور "محمد مرسي" إذا استُبعِد المهندس "خيرت الشاطر"!
وقد ذكَّرناهم بالمخاوف التي كانوا هم أول مَن نادى بها إلى حد قولهم بأنهم لا يريدون مرشحًا ذي خلفية إسلامية، وبيَّنا لهم الفرق بيْن المهندس "خيرت" الذي له مِن المزايا ما يمكن أن يوازن هذا التخوف وبيْن غيره مِن المرشحين.
وفي ظل إصرار الإخوان على موقفهم "الجديد" رأت القوى والأحزاب الإسلامية الأساسية: "الدعوة السلفية - حزب النور - الجماعة الإسلامية - حزب البناء والتنمية - حزب الوسط" الحفاظ على النظرة الموضوعية التي تنادي برئيس إسلامي غير منتمٍ تنظيميًّا، ويكون قادرًا على إحداث اصطفاف وطني، في حين غلب على رموز بعض الجهات التنسيقية: كالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح نظرية: "أن الإخوان هم رجال المرحلة" أو نظرية: "عدم شق الصف"، مع أن الأُولى غير مسلَّم بها، والثانية معكوسة إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخ وظروف ترشح كل مِن الدكتور "أبو الفتوح" والدكتور "محمد مرسي".
وإذا كان الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح" أسبق ترشحًا كما أن عدم انتمائه التنظيمي مزية كبيرة -كان الإخوان أنفسهم يسعون إليها عندما حاولوا مع المستشار البشري، والمستشار الغرياني، رغم أن المزية موجودة في "أبو الفتوح"- إلا أن جماعة الإخوان قيادة وقاعدة يرون أن الدكتور "أبو الفتوح" خرج على رأي مجلس شورى الجماعة، وبالتالي لا يستحق أن تدعمه الجماعة، بل ربما تعجب بعضهم مِن آلية الشورى في الدعوة السلفية، وفي الجماعة الإسلامية التي تفرز قرارًا بتأييد شخص خرج عن شورى الجماعة. لو افترضنا أن د."أبو الفتوح" قد أخطأ؛ فهل يرقى ذلك الخطأ إلى منع الأمة مِن الاستفادة مِن قدراته والاصطفاف الوطني الذي حدث خلفه مما نحن في أمس حاجة له الآن؟! |
وفي واقع الأمر إذا استصحبنا أن جماعات الدعوة إلى الله جماعات مِن المسلمين و"ليست جماعة المسلمين"، وأن الانتماء إلى أي منها انتماء رضائي قائم على قناعة الشخص بأهداف ووسائل الجماعة؛ فإن الشخص الذي يخالف جماعة الدعوة التي اختار العمل مِن خلالها لا سيما إذا كثرت القضايا أو كانت في أمر جلل فلا يسعه إلا التزام الشورى أو الاستقالة من الجماعة، وقد اختار الدكتور "أبو الفتوح" الطريق الثاني واستقال، وظل يتكلم عن الجماعة بكل ود واحترام؛ رغم أن منهم مَن شبهه بـ"عبد الناصر"! ومنهم مَن اتهمه بأنه سوف يمنع الحجاب، والصلاة في المساجد! ورغم تبرؤ الجماعة مِن هذه التصريحات إلا أن هذا القدر غير كافٍ، وكان ينبغي اتخاذ إجراء تأديبي في حق قائلها على الأقل.
فنحن لا نوافق جماعة الإخوان على اعتبار أن الدكتور "أبو الفتوح" قد خالف الشورى؛ لأنه استقال من الجماعة، ويبقى أن بعض رموز الإخوان: كالدكتور "الزعفراني" ترك الجماعة؛ احتجاجًا على انتخابات مكتب الإرشاد 2009، والتي خرج فيها "أبو الفتوح" من مكتب الإرشاد، في حين بقي في الجماعة كعضو مجلس شورى؛ مما يدل على نبل أخلاقه، وسعة صدره.
ثم لو افترضنا أن الدكتور "أبو الفتوح" قد أخطأ خطأ يستوجب التأديب؛ فهل يرقى ذلك الخطأ إلى منع الأمة مِن الاستفادة مِن قدراته الإدارية، والاصطفاف الوطني الذي حدث خلفه مما نحن في أمس حاجة له الآن؟!
إن الحساسية البالغة من الجماعة ضد مَن يستقيل منها -وإن استقال بكل أدب ولطف- يخالف ما عرف عن الإمام "البنا" -رحمه الله- مِن سعة الصدر مع المخالفين، ومنهم: المنشقين عن الجماعة -إن صح التعبير-، وقد ذكَّرتهم في مقالة سابقة بموقف الأستاذ "البنا" مِن جماعة "شباب محمد" الذين انشقوا عنه، فما كان منه إلا إن كان أول المتبرعين لهم، وليس هذا بموقف انفرد به الأستاذ "البنا"، وإنما كان يحاكي ما صنعه معه أساتذته: "محمد رشيد رضا" و"محب الدين الخطيب"، وأقرانه الكبار: كـ"محمد حامد الفقي" مؤسس جمعية أنصار السنة، وكل هؤلاء قد دعموا "البنا" في إنشاء جمعيته رغم وجود جمعياتهم ومؤسساتهم الدعوية؛ لمَّا وجدوا في أفكار "البنا" مِن إثراء لواقع الحركة الإسلامية آنذاك -ولعلنا نعود إلى تفصيل تلك النقطة في مقالة لاحقة إن شاء الله-.
غير أن المهم هنا طالما استقر الأمر على بقاء كل مِن الدكتور "أبو الفتوح" والدكتور "مرسي" في السباق أن نوازن بينهما -وكلاهما فاضل-، فنقول بعد تقرير أسبقية "أبو الفتوح" وعدم انتمائه التنظيمي -وكلاهما ميزة هامة-: إن هناك بعض القواسم المشتركة بيْن الدكتور "أبو الفتوح" والدكتور "محمد مرسي"، منها:
- أن كلاً منهما ابن للحركة الإسلامية وإن رجحت كفة الدكتور "أبو الفتوح" في هذا الجانب أكثر حيث كان مِن مؤسسي الجماعة الإسلامية في السبعينات، ثم كان مِن الفريق الذي انضم إلى الإخوان مِن هذه الجماعة، ثم كان عضو مكتب الإرشاد، وقائدًا بارزًا مِن 1994 حتى 2009، بينما لم ينضم الدكتور "محمد مرسي" إلى الجماعة الإسلامية، ولا إلى الإخوان وهو طالب، ولكن انضم إليها بعد سفره إلى أمريكا لدراسة الدكتوراه. جماعة الإخوان تقع في تناقض كبير عندما تستضيف بعض الدعاة السلفيين؛ ليردوا على د."أبو الفتوح" بمعايير سلفية في قضايا يقول مرشحهم فيها بعين أقواله؛ لا سيما مسألة ولاية الكافر، والمرأة، ومسألة حد الردة! |