كتبه/ أحمد الفيشاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا يمكن أبدًا أن ننتخب رئيسًا لا نعرف تاريخه، تاريخ الرئيس هو شخصيته التي سيتعامل بها في المستقبل... ولذلك كان "أبو الفتوح"؛ لأنه رجل له تاريخ نستطيع مِن خلاله أن نحكم على ضميره وصدقه، ووطنيته وكفاءته، وأفكاره ومرجعيته.
- في أوائل السبعينات وفي كلية طب قصر العيني كان "أبو الفتوح" مِن أبرز الطلاب المؤسسين للعمل الإسلامي العام بجامعة القاهرة، والذي أصبح بعد ذلك نواة للعمل الإسلامي بمختلف جامعات مصر، ونواة للصحوة الإسلامية الحديثة عمومًا.
- انتخِب "أبو الفتوح" لاتحاد كلية طب قصر العيني عام 1973م، ثم رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة عام 1975م.
- من خلال موقعه في اتحاد الطلاب كان له موقف جريء وشجاع في معارضة الرئيس الراحل "أنور السادات" أثناء زيارته لجامعة القاهرة بخصوص هوية الدولة، وممارسات الإعلام ضد مبادئ الإسلام، والتضييق على العلماء والدعاة (ابحث على اليوتيوب: مناظرة "أبو الفتوح" مع السادات).
وكان هذا الموقف سببًا لحرمانه بعد ذلك من التعيين في التدريس الجامعي رغم استحقاقه وكفاءته وتفوقه (دفعة 1976م جيد جدًا مع مرتبة الشرف).
- في منتصف السبعينات بعد حوالي عشرين سنة في المعتقلات خرج مَن بقي مِن جماعة الإخوان المسلمين، وكان أكثرهم شيوخًا قد طعنوا في السن، أنهكتهم السجون وأبعدتهم عن التواصل مع المجتمع طيلة هذه الفترة، وكانوا بحاجة إلى دم جديد يعيد للجماعة شبابها، وكان شباب العمل الطلابي الإسلامي حينها هم أنسب مَن يقوم بهذه المهمة.
- من خلال تواصل شيوخ ورموز الإخوان المسلمين مع شباب العمل الإسلامي بالجامعات اقتنع فريق منهم بالانضمام للجماعة، وحملوا على كاهلهم عبء التأسيس الثاني للجماعة وإعادة هيكلتها، وكان مِن أبرز مَن شارك في هذا التأسيس أو الإحياء الثاني للجماعة هو الدكتور "أبو الفتوح".
- انشغل بالعمل النقابي، وشغل منصب أمين عام مساعد لنقابة الأطباء 1984م، ثم أمين عام لجنة الإغاثة الإنسانية 1986م، ثم أمين عام نقابة الأطباء 1988م، وأمين عام اتحاد الأطباء العرب 2004م، وهو رئيس لجنة الإغاثة والطوارئ، وأمين عام اتحاد المنظمات الطبية الإسلامية منذ تأسيسهما وإلى الآن، وغير ذلك مِن المناصب الإدارية بالعمل النقابي والطبي والإغاثي.
- شارك في عديد مِن حملات الإغاثة في شتى الدول الإسلامية المنكوبة بالمجاعات والحروب "فلسطين، والبوسنة، وأفغانستان، والصومال، وغيرها... ".
- عمل فترة طويلة كمدير عام مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية حتى عام 2004م.
- عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين منذ 1987م وإلى 2009م، والمتحدث الإعلامي باسمها لفترة طويلة، ومؤسس فاعل لكثير مِن أقسامها وأنشطتها الحيوية.
- بالإضافة إلى تخصصه الطبي حصل على ليسانس الحقوق وماجستير في الإدارة.
- بعد ثورة 25 يناير 2011م قرر "أبو الفتوح" ترشيح نفسه رئيسًا للجمهورية حفاظًا على الثورة وسعيًا للإصلاح، مما استلزم استقالته مِن جماعة الإخوان المسلمين؛ بسبب قرارهم -الذي رجعوا فيه بعد ذلك- بعدم ترشح أحد من الإخوان لمنصب الرئيس.
- استطاع "أبو الفتوح" أن يكتسب ثقة واطمئنان المواطن المصري البسيط، بالإضافة إلى جميع التيارات والاتجاهات الوطنية والفكرية، ليس عن طريق التنازل عن مبادئه ومرجعيته أو المداهنة، ولكن بالبحث عن المشترَك المتفق عليه، والتأكيد على مراعاته والتعاون عليه، والبحث عن الجانب الإيجابي في جميع الأفكار ووجهات النظر، وكسر حالة الاستقطاب الذي يمثِّل خطرًا على البلاد في المرحلة الراهنة.
وزاد مِن ثقة المجتمع المصري به استقلاله الإداري عن أي حزب أو جماعة، مما أكسبه صفة الرئيس المحايد الذي يحاول لم الشمل وجمع الكلمة، والتركيز على الحوار والإقناع والمشاركة؛ ولذلك فهو المرشح الوحيد الذي اجتمع عليه مؤيدون مِن جميع أطياف وتيارات الشعب المصري: من السلفي إلى الليبرالي، ومن الإخواني إلى المواطن الذي لا دخل له بالسياسة؛ لأن الجميع استشعر فيه أنه رئيس لكل المصريين، ولن يكون خادمًا لمصالح خاصة أو حزبية، ولن يكون منحازًا أو متحاملاً على طائفة لحساب أخرى.
- جمع "أبو الفتوح" في تاريخه بيْن الخبرة الإدارية العملية من خلال إدارته لكثير من المؤسسات الدعوية والنقابية والطبية، بل وتأسيسه لكثير منها، وبيْن العلوم النظرية في الإدارة والقانون، ويُعتبر مِن أقدم رموز العمل الإسلامي والوطني.
- أكد على احترامه للعمل المؤسسي التشاوري، واحترام تخصصات مؤسسات الدولة في إبداء الرأي واتخاذ القرار، وعدم الاستبداد بالرأي.
- ومن منطلق إيمانه بالمشاركة والمؤسسية، فقد صرح في أكثر من لقاء متلفز -راجع مثلاً مناظرته مع عمرو موسى- على أحقية البرلمان في تشكيل الوزارات، لا سيما الوزارات المعنية بالإصلاح الداخلي، مع الاحتفاظ للرئيس بحق تشكيل الوزارات الحساسة: كالدفاع، والخارجية.
- وبناء عليه: فمشروع "أبو الفتوح" السياسي وطريقته الحكيمة في الإدارة نضمن بها -إن شاء الله- الجمع بين رجل كفء إداريًّا، وتوفير التأييد والقبول العام المطلوب لاستقرار الدولة وكسر حرب الاستقطاب بين الكتل الشعبية والفكرية المختلفة، وبين الاستفادة من قوة الأحزاب البرلمانية ومشاريعها وخبراتها.
- أمر آخر كان مِن المفترض أن يكون في صدر الكلام، وهو مسألة دعمه للمرجعية العليا للإسلام في التشريع، وإنما تعمدت عدم البدء بهذه النقطة؛ لأن أكثر المرشحين المحترمين يتفقون في هذه النقطة، وبالرغم من سهولة أن يدعي جميع المرشحين دعمهم لمرجعية الشريعة، وبالرغم مِن تأكيد "أبو الفتوح" شخصيًّا على ذلك في لقاءات كثيرة متلفزة، وفي مقالاته وكتاباته، وبرغم من تاريخه الدعوي العريق في العمل الإسلامي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وما لاقاه لأجل ذلك من سجون واعتقالات؛ إلا أن الدكتور "أبو الفتوح" لا يتعمد الدندنة حول هذه النقطة حتى لا يفهمها أحد فهمًا خاطئًا أنه يزايد على صدق ومرجعية غيره من المرشحين الإسلاميين، مع أنه فعلاً هو المرشح الوحيد على الإطلاق -على الأقل إلى الآن- الذي صرَّح -راجع مناظرته مع عمرو موسى- أنه يدعم ويطالب بتعديل المادة الثانية من الدستور مِن: "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" لتصبح: "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، أو"الشريعة الإسلامية ومبادؤها هما المصدر الرئيسي للتشريع".
وهو تعديل هام لتفعيل تقنين أحكام الشريعة، وعدم التحايل عليها بحجة أنها من الأمور التفصيلية، وليست من المبادئ أو أنها غير قطعية الدلالة، ونحو ذلك... مما يفتح الباب لتقنين قوانين مخالفة للشريعة بحجة أنها لا تخالف ما هو قطعي منها أو رفض مشاريع قوانين شرعية بحجة أنها غير قطعية، وحتى لا يتوقف التشريع الإسلامي في المستقبل على حزب أو أحزاب أو فرد أو أفراد تتقلب شعبيتهم، وقبول المجتمع لهم.
- والتعديل المطلوب الذي يؤيده الدكتور "أبو الفتوح" يجعل مسألة الشريعة أكثر ثباتًا وأبعد عن التلاعب والمزايدة والاستقطاب في كل دورة برلمانية، وهذا يجعل البلاد أكثر استقرارًا وانشغالاً بالعمل عن الأقوال والوعود.
- رغم وضوح "أبو الفتوح" في مرجعيته للشريعة إلا أنه لا يحاول استقطاب أو مغازلة المؤيدين بأمور ليست مِن اختصاصه في المقام الأول، فهو يؤكد على أن دور رئيس الدولة هو في المقام الأول دور تنفيذي، لا رقابي ولا تشريعي، وأن الجهة المنوط بها هذا الأمر هي مجلس الشعب، وأن دوره ينصب على دعم وتأييد مجلس الشعب في قراراته وتشريعاته الموافقة للشريعة وإخراجها إلى حيز التنفيذ والتطبيق، فالرئيس نحاسبه على تنفيذ التشريعات، وليس على التشريع نفسه.
- يؤكد "أبو الفتوح" على أنه ليس مرشح التيار الإسلامي فقط، وإنما هو مرشح كل المصريين؛ فحصره في خانة الإسلاميين فقط يرسخ لمبدأ الاستقطاب والنفور، والخوف من عدم الحياد والإنصاف في التعامل مع شرائح الشعب، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نفهم كلامه في غير سياقه، وعلى غير مراده وتاريخه، بل ينبغي أن نفهم كلامه في ضوء كلامه الواضح في نفس السياق وخارجه.
- جميع المرشحين الإسلاميين متفقين على أن المرحلة القادمة هي مرحلة إعداد وتأهيل المجتمع، وتفعيل وتعظيم الدور الدعوي وتقديمه على الدور القانوني، فالمطلوب الأساسي في المرحلة القادمة هو جو من الحياد والحريات، والإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يشجع الناس على سماع دعوة الحق والانقياد لها، حتى يكون تفعيل تطبيق الشريعة في جو أكثر استقرارًا وقبولاً، وإذا كان البعض يعجبه الوعود الرنانة عالية السقف حتى لو لم يكن لها واقع مأمول قريب؛ فإن الميزة الحقيقية في "أبو الفتوح" أن برنامجه ووعوده وآراءه الفكرية -سواء اتفقتَ أو اختلفت معه في تأصيلها أو توصيفها- إلا أنك تتفق معه أنها هي المتاحة في المدى القريب، وأن غيره مِن المرشحين لن يفعل أكثر من ذلك، وأنه أكثر المرشحين وضوحًا وتصريحًا بما يقدر على فعله وما لا يقدر عليه، وبما هو متاح في هذه المرحلة.
هذا هو... لماذا "أبو الفتوح" رئيسًا؟