كتبه/ حسام الأشقر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الحرب الشرسة بالتشويه والترهيب مِن الإسلاميين بصفة عامة -ومِن السلفيين بصفة خاصة- هي في حقيقتها حرب على الإسلام والمسلمين كافة(1)، أدرك البعض ذلك أو لم ينتبه؛ لأن السلفيين على سبيل المثال لا الخصوص -أصحاب نصيب الأسد مِن تلك الحرب- ما هم إلا دعاة لدين الله -عز وجل-.
دعاة لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح الذين مدحهم الله في كتابه، ومدحهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في سُنتِهِ، قال الله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ) (رواه البخاري ومسلم).
وإن كان من الإنصاف التماس العذر لقطاعات مِن الناس لاسيما مَن لم يعرف هؤلاء ولم يتعرّف دعوتَهم ولم يسمع عن شأنهم إلا عبر وسائل الإعلام الجائرة عبر سنوات طوال مِن التشويه والاضطهاد، أو نُقل إليه أقوال شاذة لأُناس لا يحسبون على أصحاب تلك الدعوة، ومِن ثمَّ أنصف البعض حين تبينت له الحقائق بعد ما كاد أن ينجرف مع التيار.
واليقين أنه لا يرتاب مسلم صادق أنّ شرعَ الله -عز وجل- أعظم وأحكم مِن أي منهج سواه، وأن فيه تحقيق مصالح العباد والبلاد، وتحصيل خيري الدنيا والآخرة، وفيه النجاة مِن ضلالات المناهج المنحرفة الضالة، فشرع الله -عز وجل- لا يأمر إلا بما هو مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما هو مفسدته خالصة أو راجحة، قال -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).
ومِن خصائص شريعة الإسلام -بفضل الله- أن نصوصها ومصادرها محفوظة باقية خالدة، حفظ الله -عز وجل- كتابه وحفظ سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن حفظ لنا السند، وأقام للأمة علماء جهابذة نقوا السنة مِن كل دخيل، بل وكتب السلف والعلماء -بفضل الله- محفوظة موفورة لكل أحد، وليست في يد فئة معينة أو رجال معينين، ومِن ثمَّ فكل مَن سعى أو يسعى لليِّ النصوص وتأويل المعاني وفقًا للهوى يستطيع أي باحث أن يفضح أمره ويُظهر جهلُه أو غيُّه.
فليس ديننا دين خرافة أو دين رجال يتكلمون باسم الكهنوت، إنما شرع كامل محفوظ ما أُجمِعَ عليه يلزمنا وما أُختلف فيه بما يسوغ وسعنا الخلاف فيه، وليس لأحد سلطان على أحد إنما السلطان والحكم لله -عز وجل- وحده، وهذا تمام الحرية بالخروج من عبودية العباد لعبودية رب العباد، ومِن المناهج الأرضية البشرية المتخبطة إلى المنهج السماوي الرباني (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153).
وأمّا قضية تشويه الدعوة والدعاة وأتباعهم فهو أسلوب متكرر لأهل الباطل على مر العصور، فهم يسخرون ويستهزئون ويحقرون، ويشوهون ويرهِّبون ويسبون ويهددون، ويلقون الشبهات ويقلّبون الفئات بعضها على بعض، فإن لم يجدِ ذلك نفعًا لجئوا إلى التنكيلِ والتعذيبِ، أما وقد غاب عنهم الأخير في تلك الأيام؛ فلابد مِن مضاعفة حرب التشويه والتحقير وتكثيف الدعاية الكاذبة ليصدوا الناس عن دعوة الحق وعن الدعاة إليه، وإذا فشل كل هذا لجئوا إلى المساومات والمداهنات والإغراءات الكاذبة الخبيثة لإفساد الدعوة والدعاة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وهذا النوع مِن الابتلاء سنة إلهية يمحص الله -عز وجل- به الصفوف ويختبر به صبر وثبات الدعاة الصادقين، قال -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2-3).
وقد قيل لموسى -عليه السلام-: ساحر وكاذب ومجنون يريد أن يبدل الدين ويفسد في الأرض! وقيل لخير الخلق -صلى الله عليه وسلم-: كاهن، وشاعر، ومجنون، وكذاب، وساحر يفرِّق بيْن المرء وأبيه، وبيْن المرء وأخيه، وبيْن المرء وزوجته، وبيْن المرء وعشيرته، وقيل عما جاء به: أساطير الأولين. وقالوا: (إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) (الفرقان:4)، وغير ذلك من الدعاوى الباطلة..
ولما فشلت تلك الحروب حاولوا مساومته ومداهنته فعرضوا عليه الملك والمال والنكاح، وقالوا: نعبد إلهك عامًا وتعبد إلهنا عامًا! كل ذلك ليترك أو يتنازل أو يبدل دعوته وشرعته، وكان الرد حاسمًا في هذا الشأن: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس:15).
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون).
وقد أقيمت حرب الاستهزاء والتشويه على الأنبياء كافة كما بيَّن ذلك القران في معرض قصصهم، وكما أخبر -تعالى- نبيّه -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) (فصلت:43).
وكذلك استهزئ بأتباع الأنبياء من قبل واتُهموا بأنهم أراذل وكذابون، ومجرمون وضالون.. ! قال -تعالى- في قصة نوح -عليه السلام-: (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) (هود:27)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (المطففين:29-34).
وهذا يجعل كل مؤمن صادق في إيمانه إذا وجد الاستهزاء مِن أعداء الله ومِن الفجار والمنافقين والعصاة والكفار لا يصده ذلك عن التزامه بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الاستمرار في دعوته إلى الله -عز وجل- مهما أتُهم بالتهم الباطلة أو استهزئ به وسخر منه، بل يستبشر أنه على طريق الأنبياء فهو إنما يُسَب ويُستهزئ به مِن أجل طاعته ودعوته لله -تبارك وتعالى-، وتلك شهادة مِن الله -عز وجل- له بأنه مِن أهل الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ.. ) (المطففين:29)، وأنعم بها مِن شهادة!
وأعداء الدين إنما يقيمون تلك الحروب؛ لأن مِن شأنها توهين القوة المعنوية وإضعاف العزيمة، وتوليد الشعور باليأس، وكذا صد الناس عن الحق، ولكن نقول: إنما توهن وتضعف قوةَ وعزيمة الضعفاء ومَن لم يذُق حلاوةَ الإيمان أو مَن كانت غايته أرضية هينة، أما المؤمن الصادق الداعي إلى الله يعرف مهمته ويعرف أن طريق الدعوة ليست ممهدة، والدنيا لا تعدل عنده جناح بعوضة، فغايته تحصيل رضا الله -عز وجل- والدار الآخرة، وإيصال هذا النور لمن لا يعرفه، ومِن ثمَّ يبذل وسعه وطاقته في بيانِ الحق وبلاغِه للخلق رجاء هدايتهم، ويطرق كل باب شرعي لينشر ويمكّن لدين الله -عز وجل- وإقامة شرعه لقي في سبيل ذلك ما لقي، استجاب مَن استجاب أو أعرض من أعرض، فهو يعلم أن الهداية والتوفيق بيد الله وحده (إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)، (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ) (الشورى:48)، وهو في ذلك ملبيًا قول الله -تبارك وتعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22).
ومِن ثمَّ استمر الأنبياء -والدعاة مِن بعدهم- في دعوتهم ينصحون للخلق ويرجون نجاتهم، لا يضرّهم مَن خالفَهم أو خذَلَهم، لا يمارون ولا يداهِنون، أجرهم محفوظ عند ربهم ومهمتهم القيام بالحق وبلاغه رجاء وعد الله بالتمكين لدينه ويهدي الله بعد ذلك مَن شاء ويقضي ما شاء لسان حالهم كما قال نبيُّ الله شُعَيْبُ -عليه السلام-: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود:88).
والله -عز وجل- قضى أن العاقبة للمتقين، ووعد مَن نصر دينه بالنصر: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7).
فإذا أحب الناس الخير وظهر صدقُ الإيمان، وظهر العمل الصالح فثمّ وعدٌ لا يُخلف بالنصر والتمكين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).
وأما خير سبيل لدفع تلك الحروب الظالمة فثمَّ في كتاب الله علاج ناجع نافع؛ لمّا وصف -تعالى- غيظ وكيد أعداء الدين على أهل الإيمان أوصى المؤمنين بالصبر والتقوى، قال -تعالى-: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120).
فالصبر والتقوى سبيل دفع الشر، وسبيل النصر والتمكين والعاقبة المحمودة، قال -تعالى- على لسان يوسف -عليه السلام-: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90)، فنقول كما قال يعقوب -عليه السلام-: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18).
وفي البخاري عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: "وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا".
فأحرى في حق الداعية مِن باب الفضل والإحسان أن يُسامح ويصفح في حق نفسه، لكننا لا نسامح ولا نرضى عمّن يحارب ويعادي دين الله -تبارك وتعالى-، ويصدّ عنه تكبرًا وعنادًا -إلا أن يتوب إلى الله-، فهؤلاء نشكوهم إلى الله، ونحذر خطرهم في إفساد الأرض، وجلب الشر على البلاد والعباد (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).
وحُقّ لكل مسلم أن ينصح ويحذّر مِن كل ما يخالف شرع الله -تبارك وتعالى-؛ لأننا جميعًا في سفينة واحدة، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).
ونسأل الله -تعالى- لنا وللجميع الهداية والرشاد، ونسأله -تعالى- أن يمكِّن لدينه ولكتابه ولعباده الصالحين. وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يدل على ذلك أن هذه الحرب الإعلامية الشعواء لم تستثن في أول شأنها أي طيف مِن أطياف الإسلاميين، وهمشت وأهملت دور الأزهر، اللهم إلا أن يساق على مرادهم، ثم يا ليتهم أقاموا الحوار "الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان"؛ إلا أنهم بدؤوا هذه الحرب على الدعاة قبل أن يسمعوا منهم شيئًا ليفزّعوا الناس مِن شأنهم، دون أن يأذنوا للناس أن يعرفوا حقيقة دعوتهم ثم يحكُموا بأنفسهم عليها، وهو ما يخالف دعاوى هؤلاء بحرية الرأي وحرية التعبير والاختيار واحترام الآخر والحوار الهادئ، وغير ذلك.. مما ظهر كذبه.
ثم إنهم أخْرَجُوا أفرادًا مِن أصحاب الأقوال الشاذة الواهية الذين مثَّلوا عبئًا على الدعوة الإسلامية عمومًا وأنكرهم كلُ أحد، التقوا بهم ليتكلموا باسم الدعوة والمنهج السوي بغرض التشويه والتشتيت، ولقيَ بعضُهم دعاةَ الخير لا للحوار الأمين وإنما لفرض حوارٍ مُغرض يرجون مِن وراءه البلبلة والتنفير، وخيب الله -تعالى- مرادهم، والتقوا بهم في حوارات صحفية وضعوا لها منشتات مريبة لا وجود لها في تفاصيل الحوار!
ومن الأدلة كذلك: أنهم كانوا يلتمسون الهفوة مِن كلمات أي داعية ليقيموا لها الدنيا في حين لا يلتفتون لأقوال قاسمة جائرة مستفزة طالما خرجت من غير الإسلاميين.
- وأظهر الأدلة على أن المستهدف هو المنهج الإسلامي عمومًا أنهم قاموا ببث الأكاذيب والأساطير ونشرها وترويجها مِن غير حياد، ولا تقصي للحقائق ولا معرفة بالواقع، وفي هذا خطر عظيم وخلل داهم وتلاعب واستخفاف بعقول الناس، ومِن المخزي والمحزن أن يتحول الإعلام بعد الثورة على الظلم والجور مِن سيء لأسوأ أو أن يصبح مُساقًا وموجهًا لجهة مغرضة، اللهم إلا مَن عافاه الله وأنصف وصدق.
وكأن الصورة تكرار لمشهد المشركين في سعيهم لمحاربة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خشوا أن يستمع وفود الحجيج لدعوته، فعقدوا مجلسًا استشاريًا للبحث عن أفضل كذبة يكذبونها عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ ليصدوا الناس عن السماع لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، واستقر رأيهم على قول الوليد بن المغيرة: "إنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لأَنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ يُفَرّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ بِسُبُلِ النّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ لا يَمُرّ بِهِمْ أَحَدٌ إلا حَذّرُوهُ إيّاهُ وَذَكَرُوا لَهُمْ أَمْرَهُ". ثم كانت العاقبة أن صدر الوفود وقد علم الناس بدعوة نبي هزت مضاجع عتاولة قريش وكبرائها.