كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتدور الأفلام والمسلسلات على قصة "حدوتة".. غالبًا ما تكون من خيال الكاتب؛ حتى لو كانت قصة تاريخية فغالبًا ما يكون إطارها العام تاريخي، وأما التفاصيل فهي الأخرى من خيال الكاتب.
وكاتب هذه الحواديت يُسمى: "المؤلِف"، وأما الذي يعدها في صورة حوار فيُسمى: "كاتب حوار"، ويسمونه من باب التفرنج: "كاتب سيناريو"، وربما توغلوا في التفرنج أكثر فسموه: "سينارست".
وأما من يُشخـِّص شخوص هذه الحواديت فكان قديمًا يُسمى: "مشخصاتي"، ثم رفعوا خسيسة هذا الاسم فسموه: "مُمثلاً".
ومِنْ ضِمن مؤلفي "الحواديت" يوجد رجل يُدعى: "وحيد حامد"؛ تخصص في كتابة حواديت تُنفِّر من الإسلاميين، وله في ذلك عدة حواديت، ولكنها في جوهرها حدوتة واحدة، يمكنك أن تعرف تفاصيل الحدوتة بمجرد أن يبدأ صاحب الحدوتة في ذكر كلمة الدين أو الإسلام أو المتدينين، فالدين عنده لا يأتي إلا في هذا السياق.
ويقع صاحبنا في خطأ يعتبره أصحاب صناعة "الحواديت" خطأ فاحشًا، وهو عدم تنوع شخوصه مِن الناحية: الفكرية، والنفسية، بل الناس عنده في موضوع الدين معسكران لا ثالث لهما:
الفريق الأول: هم القلة المتأثرة بما يُسميه هو بالتدين البدوي الذي لا يَعرف إلا النقاب واللحية والتكفير، وربما سرح بخياله فتصور أنهم يُحرِّمون ماء الصنبور! وغيره من الأمور..
والفريق الثاني: هم السواد الأعظم من أهل مصر، وهؤلاء يَعرفون الإسلام الوسطي الذي ليس فيه نقاب، ولا لحية، ولا تحريم غناء، ولا تحريم شيء أصلاً، وهذا الدين الوسطي دين يقتصر على مقاومة الإسلام البدوي؛ بمعنى أنهم لا يَدعون إلى صلاة، ولا زكاة، ولا صوم، ولا مكارم أخلاق، ولا يحاربون تبرجًا، بل يقعون فيه، فغاية فهم هؤلاء الوسطيين وعملهم يقتصر فقط على محاربة "البدويين".
والطائفة الأولى في حواديت هذا الكاتب: عبارة عن المهمشين اجتماعيًا، الذين لم يجدوا فرصة غنى، ولا جاه، ولا تعليم؛ فلحقوا بقطار البداوة والتخلف، وفي حدوتة "الجماعة" التي نحن بصدد التعليق عليها أضاف سببًا آخر للانضمام إلى ركب البداوة، وهو: أن روح دارسي الكليات العملية تمنعهم من التفكير السليم، ومِن ثمَّ يقعون في إسلام البداوة.
وأما الطائفة الأخرى فهي: المجتمع برموزه ومثقفيه، وحتى بسطاؤه؛ كلهم يفهم هذا الإسلام الوسطي ويجري فيه كالسهم.
وأما تنوع شخوص الحدوتة فيأتي في اختلاف الأسماء والأشكال والمهن الدنيوية، والدور الذي يأخذه في الحدوتة، وأما مِن ناحية الدين فما ثمَّ إلا هذين المعسكرين.
وغالب الظن أن هذا الكاتب يعيش حياته في الوسط الفني، وما أدراك ما الوسط الفني..! ومِن ثمَّ فإذا أراد أن يكتب عن واقع شعب مصر اضطر أن يستعين بكهف مظلم في خياله المريض، تعيش فيه بعض شخوصه من الفريقين، كلما أراد أن يؤلف حدوتة دخل فاستوحى خياله من هذه الشخوص؛ لأنه لا وجود لما يُسميه بالإسلام البدوي، وإن كانت الدنيا تعج -بفضل الله- بالملتحين والمنتقبات إلى الحد الذي صرخ فيه الكاتب على لسان أحد شخوصه: "السلفيين سرقوا البلد"!
ولكن هؤلاء يؤمنون بإسلام النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ يلتحون كلحيته، وتتنقب نساؤهم كنسائه -صلى الله عليه وسلم-، الحلال عندهم ما أحل والحرام عندهم ما حرَّم، يلتزمون بالهدي الظاهر، ومع ذلك يتعلمون: العقيدة، والفقه، والتفسير، والحديث، ولكن يبدو أن كهف هذا الكاتب لم يَعرف بعد معرض الكتاب ومبيعاته من الكتاب الإسلامي، كما يبدو أن هذا الكهف ليس فيه "وصلة دش"؛ ليرى كم الفضائيات الدينية التي -وإن اختلفنا مع كثير مما يُعرَض فيها إلا أنها- كان ينبغي أن تغير الصورة عند هؤلاء الذين يحبسون أنفسهم داخل هذا الكهف المظلم!
لو استعان كاتب هذه الحواديت بشيء من الواقع بدلاً من كهفه المظلم؛ لأدرك أن هؤلاء الذين يرميهم بأنهم ما اتبعوا الفقه البدوي إلا لأنهم مهمشين اجتماعيًا واقتصاديًا، لو استعان بالواقع؛ لوجد أنهم موزعون على جميع الطبقات: الغنية، والفقيرة، والمتوسطة، وموزعون على جميع المستويات التعليمية مِن أساتذة الجامعة إلى الأميين، وموزعون على جميع البيئات الاجتماعية.
وسل صديقك "إبراهيم عيسى" عن صوت الأذان الذي أزعجه في شارعه الذي يَسكن فيه، وسل أحد شخوصك الذي قلت على لسانه: "السلفيون سرقوا البلد".. هل صرخة الفزع هذه تأتي من قلة مُهمشة اجتماعيًا، منبوذة فكريًا؟!
كما أنه لو خرج من كهفه المظلم؛ لأدرك أن ما يُسميه: "الإسلام الوسطي" ليس هو النموذج الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين، بل لا يكاد يعرفه إلا قلة قليلة من المثقفين المخدوعين بشعارات الكاتب ورفاقه.
وحدوتة تلو أخرى.. والكاتب في كهفه المظلم لا يعرف عن شعب مصر شيئًا، ولا يعرف إلا هذين الفريقين الوهميين، وحواديته كلها صراع بين هذين الفريقين، وعلى طريقة قصص الأطفال حيث يلزم أن تنتصر قوى الخير على قوى الشر، أو على طريقة القصص البوليسية حيث يجب أن يهزم فريق البحث الجناة، فدائمًا ما تنتهي حواديت ذلك الكاتب بانتصار ساحق للفكر الوسطي على الفكر الوافد!
ولا ندري أي واقعية تلك التي يدعى الكاتب الانتساب إلى مدرستها ... وهذه آخر حواديته تطلق تلك الصرخة المدوية: "السلفيين سرقوا البلد" بينما تزعم كل حواديته السابقة أن قوى التنوير سحقت "طيور الظلام" كما وصفهم الكاتب في حدوتة سابقة؟!
ومع هذا فقد خرجت آخر حواديت هذا الكاتب مختلفة شيئًا ما؛ لأنه تقيَّد بتاريخ الأستاذ "حسن البنا" مؤسس جماعة: "الإخوان المسلمين"، ومع هذا أصر الكاتب أن تكون الحدوتة حدوتين في واحدة؛ إحداهما: هي تلك الحدوتة المكررة التي ينقسم فيها الناس إلى الفريقين إياهم، بيد أنه اضطر إلى عمل قدر من التنويع في النوع الإسلامي حيث أبرز قدرًا من الخلاف بين الإخوان والسلفيين؛ بيد أنه جعل الفريقين مشتركين في أكثر الصفات السلبية، إلا أنه خص السلفيين بدرجة أعلى من انغلاق الفكر، وخص الإخوان بدرجة أكبر من الانتهازية، بيد أن الفريقين عنده من المهمشين اجتماعيًا، المتبعين للإسلام المتشدد إلى آخره..!
والحدوتة الأخرى حدوتة تاريخية تحكي قصة الأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله-، والتي اضطر فيها إلى شيء من الموضوعية، وأبرز بعض الجوانب المبهرة للأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله-: كالذكاء الشديد، والحماسة المتوقدة، والبذل في سبيل الدعوة؛ بيد أنه اُضطر إلى هذا اضطرارًا، وإلا فلو قدمه على أنه رجل بلا مواهب؛ لثار السؤال: وكيف إذن أسس ما أسس؟!
بيد أنه خلط هذا المدح بكثير من الذم الكاذب فصور الأستاذ حسن البنا -رحمه الله- على أنه انتهازي وصولي، لم يكن بذله خالصا لله بل لم يكن إلا سعيًا إلى مجد شخصي، وأن أتباعه تشربوا الوصولية، وعلى مدار الحلقات كانت إحدى الحلقات تُبرز جانبًا من الجوانب الحسنة في شخصية الأستاذ "حسن البنا"، فيقال: "إن المسلسل منصف"، والأخرى تبرز ما ألصقه به الكاتب من صفات سيئة، فيقال: "إن المسلسل متحامل"؛ ولأن مشهد النهاية كان هو مقتل الشيخ "حسن البنا" في سبيل دعوته، وهو مشهد كفيل بتعاطف الجماهير مع صاحبه لا سيما مع التعسف في منع الناس من شهود جنازته؛ فقد اضطر الكاتب إلى حذف هذا الجزء من القصة مدعيًا أنه أجله إلى الجزء الثاني من المسلسل، وهو أمر يثير الضحك والشفقة معًا، لا سيما بعد أن علل هذا الأمر بأنه لا يوجد وقت في الحلقة التي انتهت عندها الأحداث لمشهد النهاية، وأنه لم يشأ أن يمط في المسلسل حلقة لتصوير مشهد النهاية، مع أن ثلاثة أرباع ما جاء في الحلقات حشو كان يمكن الاستغناء عنه!
بيد أن المسلسل ركز بدرجة كبيرة على أن الأستاذ "حسن البنا" تشرب الفكر السلفي من الأستاذ "رشيد رضا" الذي كان أكثر تشددًا بكثير من أستاذه "محمد عبده"، وعلى مسئولية الأستاذ "حسن البنا" عن إنشاء وتدريب ودعم الجهاز الخاص الذي قام بعدد من الاغتيالات قبل مقتل الأستاذ "حسن البنا" -رزقه الله منازل الشهداء-، وهذا يخالف رواية الأغلب الذين كانوا يرون أن الجهاز الخاص أفلت من قبضة الأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله-.
ولنا على هذا المسلسل تلك التعليقات السريعة:
1- اعتاد "وحيد حامد" أن يُهاجِم جماعة الملتزمين على أنهم جماعة واحدة، وأنهم على قلب رجل واحد يحرِّمون مياه الصنبور، ويمتنعون من العمل في الوظائف الحكومية ونحوها مما تجاوزه الزمان منذ فترة.
2- اضطر "وحيد حامد" إلى التعامل مع الإخوان بالاسم؛ لظروف الانتخابات أو لغرض التجديد أو لكليهما.
3- الدعوة الإسلامية الآن في كل مكان، ولا يكاد يوجد مَنْ لم يسمع عن الدعاة إلى الله، وأكثر الدعوات انتشارًا: السلفيين، والإخوان، وبالتالي فالهجوم على إحداهما قد يصب في مصلحة الآخر، ومِنْ ثمَّ حرصت "الحدوتة" على مهاجمة السلفية بعنف؛ لكي يؤكد الكاتب أن البديل الذي يقدمه للإخوان هو: "الإسلام الوسطي"، الذين يمثله عامة المصريين وفق رؤيته.
4- مصطلح: "الإسلام الوسطي" مصطلح غامض فضفاض؛ فهذا كاتب يرفعه يريد به هدم الإسلام ككل، والإخوان يرفعونه يريدون به التنازل عن بعض ثوابت الدين التي مِنْ أهمها: "الولاء والبراء"؛ فالإخوان مرروا موضوع الطغيان الكنسي الذي بلغ أُوجّه باختطاف "الأخت كاميليا"، كما أنهم سكتوا عن البناء المستفز للكنائس، وما زالوا يرددون شعارات الوحدة الوطنية وما شابهها، ويَقبلون التعاون مع الليبراليين، وغيرهم.. حتى بعد ما انتشرت فضيحة تتعلق بالحياة الشخصية لابنة رمز ليبرالي جاء تعليق الإخوان: إنهم يعلمون أنه ليبرالي مِنْ قَبل أن يتعاونوا معه!
ونحن نقول: إن الصواب كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة:208)، أي: اقبلوا شرائع الإسلام كلها، والاحتراز من القبول بالحلول الوسط: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9).
5- اقتنعت أمريكا -على الأقل ظاهريًا- بوسطية الإخوان، وإمكان اندماجهم في الديمقراطية داخليًا، وفي النظام العالمي خارجيًا، ومِن ثمَّ فليس لدى أمريكا مانع من مشاركة الإخوان في الحياة السياسية، وفي الواقع هذا الأمر طعم تستخدمه أمريكا لابتزاز الفريقين الإخوان والأنظمة الحاكمة، وانعكس هذا على موقف الإخوان من قضايا الطغيان الكنسي، وغيرها كما أشرنا في النقطة السابقة.
6- معظم قوى المعارضة الأخرى تعرف أن الإخوان هم القوة الحقيقة في الشارع، وأن قوتهم مستمدة من إسلامهم، ومِن ثمَّ فهم يهرعون إلى عقد التحالفات الانتخابية مع الإخوان، ومع ذلك يحاولون الحفاظ على عالمانيتهم، وبالتالي فهم يعولون كثيرًا على أن عالمانيتهم لا تتعارض مع وسطية الإخوان، وإن كانت تتعارض مع المناهج السلفية!
7- مِن أجْل النقطتين السابقتين أراد "وحيد حامد" أن يُوجّه طعنة للإخوان في مقتل حيث حاول أن يقرر أن الشيخ "حسن البنا" وَرث قيادة السلفية عن "رشيد رضا"، وأن "رشيد رضا" عوَّل عليه في حرب الصوفية خاصة؛ لكي يحرض الصوفية ضد الإخوان، والواقع أن الأستاذ "حسن البنا" لم يصل في درجة التزامه بالمنهج السلفي لهذه الدرجة، وليته فعل.
لقد بدأ الشيخ "حسن البنا" حياته صوفيًا، ولكن ذكاءه الفطري وحماسته التي نظن أنها وليدة الإخلاص -نحسبه كذلك والله حسيبه- أبت عليه أن يحبس نفسه في جدران التصوف المثبطة، وهيأ الله الشيخ "رشيد رضا"، والشيخ "محب الدين الخطيب"؛ لينقلاه إلى رحاب السلفية، وفهمها الشامل لدين الله، وتصديها للحروب الفكرية في ذلك الزمان.
ومَنْ استمع إلى الشيء اليسير مما وصل إلينا من خطب الأستاذ "البنا" يجد خطيبًا سلفيًا جسورًا، يؤكد على أهمية الاتباع وعدم عرض الشرع على العقول إلا أن الله قدَّر نقله إلى الإسماعيلية بعيدًا عن أساتذته؛ ليأخذ هناك قرارًا بإغلاق ملف الموازنة بين السلفية والصوفية، ظانًا أنه من الممكن الجمع بينهما، وهي النقطة التي تمثل أعمق نقاط الخلاف بيننا وبين الأستاذ الراحل "حسن البنا" -رحمه الله-، ولا يتسع المجال هنا لمناقشتها، ولكن فقط نقرر أن كاتب "الحدوتة" تعمد مخالفة الحقيقة التاريخية الثابتة عن "حسن البنا" أنه جعل شعار جماعته: "دعوة سلفية وحقيقة صوفية"، من باب التهييج والإثارة والتحريض ليس إلا.
8- كما حاول إلصاق تهمة تبني الصراع المسلح للأستاذ "حسن البنا" نفسه، وطبعًا أغفل الكاتب الظروف التاريخية، وأن مصر آنذاك كانت واقعة تحت الاحتلال الانجليزي، وأن نظام الحكم الحالي حمل السلاح ضد الانجليز ونظام الحكم الموالي له، وقام بالثورة عليه، كما أنه تعمد إغفال دور الإخوان في حرب 48 حتى لا يعرض على المشاهد أي نوع من استخدام سلاح الإخوان في مكانه الصحيح.
9- وفي النهاية نؤكد على أن "مسلسل الجماعة" لا يختلف عن "مسلسل العائلة" في الهجوم على الإسلاميين عمومًا، وعلى السلفيين خصوصًا، وزاد عليه هجومًا خاصًا على الإخوان، وتشويهًا متعمدًا لتاريخ مؤسس جماعتهم، وهو أمر يقتضي أن نرد على تلك الحملة الشاملة على دين الله، كما يقتضي الذب عن عِرض أحد أبرز رموز الدعوة في العصر الحديث الأستاذ "حسن البنا" -رحمه الله-، وقد أشرنا آنفًا إلى تلمذته على يد فحول السلفية: "رشيد رضا"، و"محب الدين الخطيب" -رحمهما الله-؛ بيد أننا يجب أن نوفيه حقه من أنه انتقل بالدعوة الإسلامية من إطار الشيخ والتلميذ الذي لم يسعف الوقت جيل شيوخه أن يفعلوا غيره إلى مرحلة الدعوة الجماعية التي تتسع لكل فرد يريد الانضمام، ويريد أن ينفع دين الله بشيء.
وهذه شهادة منصفه قالها في حقه العلامة الألباني -رحمه الله-، وهو يحكي كيف شجعه على كتابة تعليقاته الحديثية على كتاب "فقه السنة" في مجلة "الإخوان المسلمين"، وهي التعليقات التي جمعها فيما بعد في كتاب: "تمام المنة في التعليق على فقه السنة".
فقال العلامة الألباني -رحمه الله- ما معناه: "إن كانت للأستاذ "حسن البنا" أخطاء فهي مغمورة في بحر حسناته، ولو لم يكن لـ"حسن البنا" إلا تجديد شباب الدعوة لكفاه ذلك".
ونحن في زمن يحاول البعض فيه أن يعود بنا إلى فردية الدعوة، بل إلى عشوائيتها لا نملك إلا أن نقول: "طيب الله ثراك يا بَنَّا"، وهذا لا يمنعنا من التأكيد على أن كلاً يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى أن نؤكد أن مَنْ يَتبنى الآن ما يسمونه: "الإسلام الوسطي" بعدوا كثيرًا عن فكر "الأستاذ البنا" الذي قارب أن يكون سلفيًا خالصًا.
ونحن نستثمر هذه الفرصة للتأكيد على أن القبول بالحلول الوسط لا يرضي الأعداء، بل يستغلونه في الصد عن سبيل الله، وإظهار الدعاة إلى الله في صورة الانتهازيين، ومسلسل "الجماعة" واحد من عشرات الأدلة على ذلك.
وقبل أن يتحذلق متحذلق ويقول كيف تنقدون عملا لم تروه، قلنا إننا لم ننقد إلا القصة، وهي مبذولة متاحة عبر حكايات من شاهد وكتابات من كتب، وأما سائر عناصر العمل الفني فإنكارنا لأصله يغنينا عن نقد تفاصيله، وإنما عنينا بنقد الفكرة التي أراد الكاتب أن يحشو بها عقل جمهوره.