كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي مقال سابق عرضنا لحاجة الأمة لوجود حوار رشيد بين اتجاهات الصحوة الإسلامية، ورصدنا بعضًا من الآفات المجهضة لمحاولات الحوار البناء -إن وجد-، وكان جل التركيز حول القواعد الفكرية والمنطقية في الحوار، وهنا نستكمل ما قد بدأناه منبهين على أخلاق هذا الحوار المأمول، وما ينتظر من سلوكيات المسلم الملتزم بدينه مع كل أحد؛ لا سيما إخوانه أبناء الصحوة.
وأول ما نستفتح به قوله -تعالى-
وقولوا للناس حُسنـًا
(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقًا) (متفق عليه).
ومفردات: كالسباب، والشتائم، والغيبة، والنميمة، والتنابذ بالألقاب، والاستهزاء، والسخرية، وسوء الظن، والهمز واللمز، وعدم التثبت ونحو هذا كله مفردات لا تعرف طريقها للمسلم فضلاً عن الملتزم؛ فضلاً عن استخدامها مع شخص حريص على الخير، محب لله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، يدافع عما يراه حقـًّا وإن كان مخالفًا لك، (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء:53).
وإن مما يندى له الجبين أن نرى من بعض إخواننا، بل مِنْ بعض المشايخ المكرمين مَن يحتدون على مخالفيهم بأقذع ما يكون مِن سباب صريح، وهمز ولمز، وادعاء بلا بينة، فهل ينتظرون من مخالفيهم إلا كل صد ونفور؟! وهب أنه على حق ومخالفيه على أشد الباطل؛ أفما كان أجدر به أن يكون كموسى وهارون -عليهما السلام- حينما أمرهما ربهما في محاورتهما مع عدو الله فرعون: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44)، و(إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ) (رواه مسلم)، فعليك بزينة الكلام يا زينة الكرام، ويوضحه أيضًا:
أطايب الثمر:
الألسنة مغاريف القلوب، والقلوب محل نظر الله -تعالى- من العبد، وحسن الكلام بِنية صالحة عبادة وقربة، وسبك الكلام علامة على رقي الفكر ورجاحة العقل، وللكلمة واللفظة أثر كبير وخطر عظيم؛ فدخول الإسلام يكون بكلام، والخروج منه قد يكون أيضًا بكلام، ودعوة الأنبياء كلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلام، ورب كلمة قتلت صاحبها أو أنجته! ورب كلمة كانت أشد على إنسان من جراحات السيوف وألم الأبدان! فتخير لفظتك -يرحمك الله- وأحسن كلامك مع الناس وإن خالفوك، وفكر فيها مرتين قبل أن تقولها مرة، وتخير اللفظة المناسبة للمعنى المناسب، ولا تكن ألفاظك أحجارًا صماء غليظة تجرح بها وتكسر وتهشم؛ فتضر ولا تنفع، وتفرق ولا تجمع، وتفتن ولا تهدي، واعلم أنه بين اللباقة والحماقة وبين الشجاعة والتهور شعرة، فلا تقطعها، ولا يختلطن عليك الأمر، وما يضرك لو غلفت المعنى الشريف بلفظ لطيف تستحسنه الأنفس وترق له القلوب؟!
لا تقل: "أنت لا تفهم"، ولكن قل: "لعلي لم أوضح لك ما أردت".
ولا تقل: "أنت أخطأت في كلامك"، ولكن قل: "لعلك تحتاج لمراجعة موقفك".
ولا تقل: "أنا ضدك"، ولكن قل: "لي موقف مختلف".
ولا تقل: "عليك أن تفعل كذا وكذا"، ولكن قل: "لو فعلت كذا لكان خيرًا وبركة."
ولا تقل شرًّا فتندم، وقل خيرًا تغنم من قبل أن تندم؛ فإن أكثر خطايا ابن آدم في اللسان.
ولك في القرآن الكريم والسنة المشرفة وأخلاق الصحابة وسير السلف ما تهتدي به وتسترشد في حسن المعنى، وجزالة اللفظ، ولطف المنطق.
هلك الناس!
حينما تسمع أحدًا يقول: "كل الناس"، و"أغلب الرجال"، و"معظم النساء"، ونحو هذا... مدحًا أو ذمًّا؛ فاعلم أن هناك احتمالاً كبيرًا لوجود نوع من المبالغة فيما يذكر، وكثير من الناس لم يعتادوا ضبط موقفهم وردود أفعالهم بميزان واضح دقيق، وما من ميزان أحكم ولا أعدل من ميزان الشريعة، وحينما يرى الإنسان نفسه عظيمًا والآخر ضالاً حقيرًا؛ فلا تستغرب كلامه حين يقول: "هلك الناس"! عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) (رواه مسلم)، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: "لاَ أَدْرِي أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ".
(إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ...) بمحض زعم منه؛ (فَهُوَ أهلكُهم) وأسوؤهم حالاً.
نخلة ونحلة
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا بالطوبِ يُرمى فيرمي أطيب الثمر
والنخلة (شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ) (متفق عليه)، ويا لها من شجرة نافعة في كافة جوانبها للناس جميعًا؛ فكن مثلها لا تنقطع بركتها (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) (إبراهيم:24-25).
وكن ?كذلك (كَمَثَلِ النَّحْلَةِ؛ أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد) (رواه البيهقي والطبراني، وصححه الألباني).
ولا تكن كبشار بن برد الذي قيل فيه أنه كان من سعادة المرء في زمان بشار ألا يعرف بشارًا، ولا يعرفه بشار؛ وذلك لسلاطة لسانه!
كذلك لا تكن "لَحْمَ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ" (متفق عليه من حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة أم زرع).
أأعمى أنت؟!
إن لله -تعالى- عبادًا شغلهم عملهم عن الخوض بالباطل، وشغلتهم عيوب أنفسهم عن عيوب الناس، وشغلهم ذكر الله عن إيذاء عباد الله، والغضب لله عن البحث عن حظوظ النفس، وشغلهم استحضار عظمة ربهم عن رؤية أنفسهم فضلاً عن الانتصار لها.
قيل: إن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان يمشي ليلاً في الطرقات، فمر بجانب المسجد، فلم ينتبه لرجل نائم، فضغط عليه برجله، فغضب الرجل وقال ثائرًا: "أحمار أنت؟!"، فرد عليه عمر وقال: "لا؛ أنا عمر"، فمشى ومضى!
فغضب خادم عمر بن عبد العزيز وقال: "لقد شتمك يا أمير المؤمنين"!
فما كان من هذا الراشد الحليم إلا أن قال: "لا؛ هو سألني أحمار أنت؛ فقلت: لا؛ أنا عمر".
وإنما (الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ) (رواه الدراقطني، وحسنه الألباني).
إليك عني..
وفي الوقت الذي ينشغل الناس بأنفسهم وحروبهم الصغيرة يرتفع الجندي المخلص لأمته ودينه عن هذه الترهات، وبينما يخوض الناس مع كل خائض إلا أنه يعلم أنه حارس يسهر على الثغور مترقبًا، تشغله الأمور العظام، والمتأمل لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الأمين الحريص على أمته يجد ذلك جليًّا واضحًا في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وحسبك موقف واحد نعلمه جميعًا؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: (اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي)، قَالَتْ: "إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي"، وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: "إِنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"؛ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: "لَمْ أَعْرِفْكَ"، فَقَالَ: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى) (متفق عليه).
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع مقالتها التي لا تليق نحوه -صلى الله عليه وسلم- ما كان منه إلا أن تركها ولم يغضب ولم يثر، ولما علمت المرأة أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسقط في يدها، وندمت على ما قالت في حق شخصه الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ فنسيت حزنها وذهبت تعتذر، وما التفت النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى إلى اعتذارها، ولم يشغله؛ بل ذكَّرها بما تحتاجه من معاني الإيمان؛ إذ هذا هو همه -صلى الله عليه وسلم- وهدفه الذي لم يغب عنه لا في نطق ولا في سكوت، ولعلك الآن تعرف أخي ما معنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يغضب لنفسه قط -وهو مَن هو-، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء -صلى الله عليه وسلم-، وقلَّ من يلتفت لهذا المعنى العظيم، وأقل منه من يطبقه بالفعل في حياته ومعاشرته الناس، و(إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
إنه لو عظمت هممنا وتحملنا مسئوليتنا تجاه أمتنا لترفعنا عن كثير مما يقع بيننا من مشاجرات الباعث عليها الغضب للنفس والانتقام لها، وكلما ارتقى المسلم في خلقه وإيمانه صغرت في عينه سفاسف الأمور، وعظمت عنده العظائم؛ فلم يجد حينها نفسه مدفوعة للرد على كل أحد في الوجود، والانتقام منه، والتشهير به وإن آذاه من آذاه؛ بل هو ما يزال على ثغره حارسًا له حريصًا على عظائم الأمور.
على قـدر أهـل العـزم تأتي العزائم وتأتـي على قـدر الكـرام المـكـارم
وتعظم في عين الصغير صغـارهـا وتصغر في عيـن العظيـم العظائم
ناصحون لا متصيدون
ليكن همك البحث عن الحق ونصح الناس به؛ فـ(الدِّينُ النَّصِيحَةُ) (رواه البخاري ومسلم)، ولو صدقت نيتك في هذا لما وقفت كثيرًا عند الزلات اللغوية، والهنات الفرعية، وغير ذلك مما يحسن التغافل عنه، ويبدو أن الإنسان حينما تسفل همته ويكون فارغـًا وتتسلط عليه نفسه -تعلو نبرته، وتشتد حدته تجريحًا وتقبيحًا للآخرين، وتعظيمًا لنفسه ورؤية لها، بل إعطاءها الحق المطلق في الحكم على الناس، وتصيد أقوالهم؛ لإظهار النفس في صورة العاقل المدقق، والحكيم الناقد، ناهيك عن التحذلق والفذلكة، والتعالم والتشدق، وما أقبحها من صفات وأجدرها ألا تتبع ولا تعظم! فهي مذمومة شرعًا.
كاشف النوايا
لا يتعجب الإنسان من شيء عجبه ممن يقدحون في الناس نواياهم وسرائرهم التي لا يطلع عليها إلا رب العباد؛ فالطعن في مذهب أو فكرة عبَّر عنها صاحبها شيء وارد، ولكن الطعن في النوايا هذا أمر لا طاقة لأحد عليه، ولا اطلاع لأحدنا على القلوب وما حوت إلا عن طريق وحي يوحى، وكثير من حوارات الإسلاميين تنتقل من النقاش حول الموضوع للنقاش عن شخص المخالف، ومن النقاش عن شخصه وفعله الظاهر إلى الكلام عن نيته وإرادته، ولقد علم الجميع أننا لم نؤمر أن ننقّب عن قلوب الناس، ولا أن نشق بطونهم!
فهلا نملة واحدة!
- مسلم واحد لا يعكس بالضرورة كافة المسلمين.
- وأفعال المسلمين لا تعكس بالضرورة شرائع الإسلام.
هاتان العبارتان رغم كونهما منطقيتين إلى أبعد حد؛ إلا أننا نعاني -نحن المسلمين- من خلط الغرب وتلبيسه؛ بسبب عدم وضوحهما في أذهانهم، وكم وقع المسلمون في كثير من الحرج والعنت بسبب فعل أو قول شخص ينتسب للإسلام، ثم انتقلت العدوى إلى المسلمين، بل إلى صفوتهم أبناء الصحوة، فكم هوجم المتبوع بسبب أتباعه، وأسيء إلى الأفاضل بسبب العامة، ثم رُمي بالوصف السيء ليس رؤوس الناس فحسب؛ بل جماعة كبيرة من الناس صارت كأنها فرد واحد يتصف بأبشع الصفات وأرذلها، بل الأدهى أن تُرمى جماعة من المسلمين بتهمة بسبب جنسياتهم في إحياء متجدد لدعوى الجاهلية المنتنة.
شهوة الجدل
الإنسان مركب فيه عدد من الشهوات، فمنا من يصرفها في الحق، ومنا من يصرفها في الباطل، والجدل واحد من هذه الشهوات التي تسيطر على البعض منا؛ فتجده منشغلاً بالقضايا الخلافية، منكبًّا عليها، باحثـًا عن فارس نحرير يجادله ويناقشه، ويقارعه الحجة بالحجة والبيان بالبيان، فهذا يرضي شهوته نحو الجدل، ويضع اسمه في مصاف كبار المناظرين، ويا لفرحة قلبه حينما يضطر خصيمه إلى زاوية الحلبة ويلقنه ضربات موجعة؛ فتصفق له الحشود السعيدة المتعطشة لمزيد من الإفحام والإلجام، والقذائف المتبادلة في هذا الاقتتال الفكري المحموم!
ولا شك أن هذه الصورة من الجدل ليست هي المقصودة من الحوار الإسلامي – الإسلامي، وليست هي أيضًا المقصودة بقوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)، ولئن أردت أن تستشعر قوة هذه الرغبة المحمومة؛ فلاحظ كيف يكون رد هؤلاء أعنف وأكثر حدة حينما يكون الأمر متعلقـًا بالرد عليهم شخصيًا، ولو أن مخالفه في المسألة تكلم كلامًا مطلقـًا ولم يعن أقوال الأول بالذات؛ لكان الحرص على الرد عليه أضعف، وحمى الجدل أخف!
إلا من أتى الله بقلب سليم
وفي هذا الخضم لا يستطيع المرء استخلاص الحق من الباطل، ولا الصحيح من الخطإ إلا بإخلاص نية، وحسن طوية، وعلم يبصر صاحبه، وعقل راجح عن المهاوي يحجزه، وأدب يجمله ويزينه.
وأنت أيها الناصح الأمين والمرشد الحكيم، وصاحب هم الدين، ورافع راية الكتاب والسنة، لا عليك من المناوشات والمجادلات، ترفـَّع عنها ولا تغضب لنفسك، ولا تبحث عن حظوظها؛ فنق قلبك، وصف سريرتك، ولا تبيتن وفي قلبك شيء من أحد من المسلمين؛ بل ليكن همك رضى ربك، ونجاة نفسك، وهداية الناس أجمعين؛ لا سيما إخوانك أبناء الدعوة الإسلامية بمختلف أطيافهم، وتعدد مشاربهم؛ حتى إن خالفوك، وأمعنوا اللجاج معك والخصومة؛ فهم إخوانك وإن بغوا عليك، وهم معك في الهم وإن حادوا عن صفك.
وإن الـذي بيـني وبـيـن بـنـي أبــي وبـيـن بـنـي عـمي لمخـتـلـف جــدًا
فإن أكلوا لحـمـي وفـرت لحـومهـم وإن هدموا مجدي بـنيـت لهم مـجـدًا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهـم وإن هـووا غـيي هـويت لهـم رشـدًا
ولا أحمل الحقــد القـديـم عــليـهـم وليس يسود القوم من يحمل الحقدًا
ستجد منهم من يتهمك بالخروج.. !
وتجد منهم من يتهمك بالإرجاء.. !
وستجد منهم من يتهمك بالتكفير والتشدد... !
وتجد منهم من يتهمك بموالاة أعداء الله، وميوعة الدين!..
وستجد منهم من يتهمك بالإيغال في التنظيم والعمل السري!..
وستجد منهم من يتهمك بالعشوائية والتفكك!..
فلا تقف عند كل هذه الاتهامات كثيرًا؛ إلا بالقدر الذي تدفع فيه عن نفسك وإخوانك بالتي هي أحسن، ولا تنس دورك ومهمتك مع حراس العقيدة وحماة الدين الواقفين على ثغوره، الراجين نصرته: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:3).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78).
فهذا ما تيسر من نصحنا لأنفسنا وإخواننا في محاوراتهم ومساجلاتهم؛ تذكيرًا بالله، وعملاً بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وحرصًا على جمع كلمة المسلمين تحت راية التوحيد؛ لننقذ أمتنا من هذا الشتات، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
فمن وافقنا في شيء منه فالحمد لله، ومن خالفنا فسبحان الله، ونسأل الله لنا ولكم الرشاد والسداد في القول والعمل.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.