الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 03 سبتمبر 2025 - 11 ربيع الأول 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (58)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن الآليات المهمة الرئيسة في التوريث الدعوي:

التفويض والمتابعة:

الأعمال مهما صغرت وقلَّت أهميتها -من وجهة نظر البعض-؛ فإن التفويض في أدائها مع متابعة أصحابها يوجد كوادر قادرة على تحمُّل المسئولية، وتحقيق الاستمرارية في المجالات الإصلاحية؛ كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه -رضي الله عنهم-، حيث كان يفوِّض العديد من الصحابة في أعمال عِدَّة من أبواب الخير، ويحفِّزهم حتى يتفانى الجميع في أداء وظائفهم المنوطة بهم؛ فتتفجر طاقاتهم، ويتعودون على تحمل المسئوليات الأكبر في المستقبل.

والنماذج في ذلك كثيرة؛ فمنها:

- قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث لما جاءه هو والشبيبة معه وأقاموا عنده ما يقارب العشرين يومًا: (ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ ‌فَأَقِيمُوا ‌فِيهِمْ ‌وَعَلِّمُوهُمْ ‌وَمُرُوهُمْ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) (متفق عليه).

- وضعه صلى الله عليه وسلم خاتمه في اختصاص الصحابي المعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي -رضي الله عنه-؛ فعن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جَدِّه قال: "كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ، قَالَ: فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ، قَالَ: وَكَانَ ‌الْمُعَيْقِيبُ ‌عَلَى ‌خَاتَمِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-" (رواه أبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود).

- تكليفه لقيس بن سعد بن عبادة -وكان من أطول الصحابة وأضخمهم هيئة- بمهمة صاحب الشرطة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، بِمَنْزِلَةِ ‌صَاحِبِ ‌الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ" (رواه البخاري).

وتفويض النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته في بعض المهام مع إعطائهم صلاحيات تنفيذية، كانت تتيح لهم القرب منه -صلى الله عليه وسلم- والتعلُّم منه، مع ما في ذلك من متابعتهم وتوجيههم للنجاح في أداء مهامهم، فالتفويض يحتاج إلى إعطاء صلاحية مع متابعة، وتدخُّل بالتصحيح عند الاحتياج لذلك، مع اختيار المهام المفوضة للأشخاص لأول مرة بعناية.

والتفويض بصفة عامة أحد مسارات اكتشاف الكوادر والاستفادة من وجود النابغين والكفاءات والطاقات؛ فهذه الكفاءات بغير وجود مسار يمكنهم من استخراج طاقاتهم تكون عبئًا على الكيان الإصلاحي، بل قد يكون أحد أسباب حدوث الاضطراب في المؤسسة في بعض الأوقات، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن الاستفادة من كوادره، ويعمل على تكليفهم بالمهام؛ كما فعل -صلى الله عليه وسلم- مع مصعب -رضي الله عنه- في إرساله للمدينة، ومع جعفر -رضي الله عنه- في تأميره على المهاجرين في الحبشة، وفي إرساله لمعاذ وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- إلى اليمن.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.