كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فينبغي أن تحظى اللغة العربية بحرصٍ لُغويٍّ خاصٍّ، يُجاريه وعيٌ عامٌّ بها، وتقديرٌ تامٌّ لها. وقد تَجلَّى هذا الحرصُ في أبهى صُوَرِه في أحد المؤتمرات العالمية للأسماء الجغرافية، عرضها لنا المُؤرِّخ المغربي الدكتور عبد الهادي التّازي (1921 - 2015م)، فقال: "أنا أذكر يوم كُنّا -نحن الدُّولَ العربية- نُسهِم في المؤتمر العالمي للأسماء الجغرافية، الذي يوجد مركزه بين نيويورك وجنيف.
وقتها طالَبْنا بأن تصبح اللغة العربية لُغةً رسميّةً في المؤتمر، فاحتج علينا المشرفون على المؤتمر بأنّ الموضوعات المتبادلة تخضع لِمُصطلحاتٍ غريبةٍ عن لغة الضّاد، ولكنّا نجحنا في التَّجرِبة.
وأسفرت التجربة -لِحُسن الحظّ- عن قُدرةٍ عاليةٍ للغة العربية على اختراق الميدان الجغرافي، وأسهَمْنا -وإلى الآن- في العطاء والاستفادة من الآخرين في الحقل العلمي الجغرافي.
وقد برهنت الوُفودُ العربية على أنّ بطليموس قد يصبح رجلًا يحمل اسم محمد بن موسى الخوارزمي (ت 849م)، صاحب كتاب "صورة الأرض"، الذي شارك في النشاط العلمي الذي ازدهر في عهد المأمون (ت 813م).
برهن العربُ على أنّ بطليموس قد يكون رجلًا يحمل اسم الشريف الإدريسي السبتي، صانع الخريطة والكرة الأرضية، ومؤلف "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، التي ألَّفَها في باليرمو (صِقلِّية) بطلب من الملك النورماندي روجي عام 548 = 1144" (انتهى).
وهنا يَحضُرني قول حافظ إبراهيم في قصيدته المشهورة: "اللُّغةُ العربيَّةُ تَنْعَى حظَّها بين أهلِها"، التي نشرها عام 1903م:
وسـعـتُ كـتـابَ اللهِ لفـظـًا وغـايـةً وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أَضِيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ وتـنـسـيـقِ أسـمـاءٍ لِمُخترَعاتِ
فلا شكّ أنّ في لُغتِنا الجميلةِ ألفاظًا يسعنا إحياؤها واستعمالها والإعلان عنها والدّعاية إليها، حتى ولو على حساب الألفاظ الدّارجة على الألسنة، والمألوفة لديها.
وإن افتقدنا جُزءًا كبيرًا من تَفاعُل الواقع في إنجاحِ كلماتٍ يعتريها الهَجرُ والنِّسيان؛ فإنّنا نتقوّى بالله ونعتمد عليه -سبحانه- لِمُواجَهةِ كلماتٍ جاريةٍ على الألسنةِ مُعتدِيَةٍ.
أمّا الوَعيُ العامُّ باللغة العربية فينبغي أن يُفرَضَ علينا فَرضًا، إن كُنّا جادِّين في تعليمِ أبناءِ أُمَّتِنا، والأخذِ بأيديهم من ظُلماتِ الجهل إلى نُورِ العلم.
فلا بُدّ من إقبال الناس على تَعلُّم أصول العربية والنَّظر في فُروعها، حتى يتسنَّى لهم فهم تفسير القرآن وشرح الحديث الذي هو بيانٌ له.
ونلتقي في مقالٍ قادمٍ -بعون الله وتوفيقه-.