كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد بينا أن رمضان ميدان وساحة تنافس، بل حرب بين أهل الإيمان والقرآن، وأهل الفساد والطغيان.
وبعد أن استعرضنا بعض مظاهر تلك الحرب الشرسة التي يشنها أهل الباطل لصرف الناس عن الطاعة في هذا الشهر العظيم؛ فإنه لا بد من معرفة الواجب على المصلحين في مواجهتها، وإدراك ما يلزمهم فعله لتبرأ ذمتهم أمام الله -عز وجل-، ولتتحقق الغايات الكبرى من هذا الشهر المبارك، فالحرب بين الحق والباطل دائرة لا تهدأ، وقد صارت في رمضان أشد، فمنا مَن يستجيب للداعي: "يا باغي الخير أقبل"، ومن يجهل أن أبواب الخير في رمضان لا تنحصر في عبوديات النفع الذاتي!
ومنا من يصم عن "ويا باغي الشر أقصر"، فيشمّر أهل الطاعة عن سواعد الجد، ويسعى أهل الغفلة إلى صد الناس عن السبيل، مستغلين كل وسيلة لصرفهم عن بركات الشهر.
وإنه لمن المحزن أن يتحول في مجتمعنا شهر القرآن إلى موسم للغفلة والعصيان، وأن تُشوَّه معاني الصيام وتنحصر في مجرد الامتناع عن الطعام والشراب بالنهار، مع ما يتخلل نهار رمضان من منكرات وأخلاق مذمومة كانت أولى بالإمساك، وأحرى أن يصوم الناس عنها، حتى لا يكون حظهم من الصوم الجوع والعطش ثم ما يعقبه من لهو ولغو وانشغال بما يضيع الأجر ويذهب الأثر.
الواجب على الأمة والمصلحين في مواجهة هذا الواقع:
إذا كانت الحرب قائمة، فلا بد من مدافعة، وإذا أجلب أهل الفساد بخيلهم ورجلهم فلا بد من ممانعة، وإلا هُزم أهل الحق في ميدانهم. وإن أعظم ما يبرئ ذمة المصلحين أمام الله هو أن يحملوا مسؤولية التوجيه والتوعية، ويبذلوا وسعهم في إنقاذ الأمة من مكائد المفسدين، كلٌّ بحسبه؛ فالواجب على كل طائفة منا:
أولًا: التوعية والتوجيه المستمر:
إن أولى واجبات المصلحين أن يبينوا للناس حقيقة هذه الحرب، ويكشفوا لهم مخططات أهل الفساد، فيدعونهم إلى الصواب، وينذرونهم من المهالك، ويحذرونهم من مغبة الخسران وعدم الفوز بالمغفرة في شهر رمضان؛ أليس الدين النصيحة؟!
وليكن ذلك بكل وسيلة متاحة، من الخطب والمحاضرات والدروس، والمقالات والمقاطع النافعة، وأن يُبذل الجهد في منصات التواصل والإعلام، وكل ما يكون سببًا في نشر الوعي ويصل إلى الناس من كل مستحدث من الاختراعات وذلك لتحذير الناس من الملهيات، وتنبيههم إلى قيمة الشهر وعظيم شأنه، وإرشادهم إلى كيفية اغتنامه مع تعليمهم ما يلزمهم من أحكام الشهر وآدابه ، وما لا يسعهم جهله وغير ذلك من الفوائد والهدايات.
ثانيًا: توفير البدائل النافعة:
لا يكفي للتصدي للفتن مجرد التحذير منها، بل لا بد من تقديم البدائل، حتى لا تملأ الفراغات بالفساد، ومن ذلك:
- إعداد دروس ودورات تحث على استغلال رمضان.
- إقامة البرامج الدعوية والعلمية والمسابقات العلمية في المساجد والمراكز.
- تنظيم المجالس الإيمانية، والأنشطة العائلية التي تجمع الأسرة على الطاعة.
- تنظيم فعاليات خيرية مجتمعية يجتمع حولها الشباب وينشغلون بها.
ثالثًا: استثمار الإعلام في خدمة الحق:
كما يُستخدم الإعلام في إشاعة الفساد، ينبغي أن يُستخدم في نشر الخير، فيبادر المصلحون إلى إعداد محتوى نافع جذاب، يستهوي القلوب، ويعين الناس على الطاعة، فإن الإعلام اليوم هو السلاح الأقوى، فمن يملكه يملك توجيه العقول وتشكيل الوعي، ومن ذلك تقديم حلقات ومقاطع متنوعة في وسائل التواصل، بأساليب تناسب كافة الفئات.
رابعًا: التواصي والتعاون على البر والتقوى:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية جماعية، لا يُترك فيها الناس لضعفهم، بل يعين بعضهم بعضًا على الخير، ولا ينبغي هجره في رمضان للانقطاع إلى القرآن تلاوة وقيامًا، بل يجمع بين العبادات الذاتية وعبوديات النفع المتعدي، فيتواصون فيما بينهم، ويتناصحون، ويتعاونون في بيوتهم وأسرهم ومجتمعاتهم، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
خامسًا: الدعاء والاستعانة بالله:
إن الدعاء سلاح المصلحين، ولا غنى عنه في هذه المعركة، فليس شيء أنجع في رد كيد المفسدين من أن يستعين العبد بربه، ويضرع إليه أن ينجي الأمة من الفتن، وأن يهدي قلوب المسلمين إلى صراطه المستقيم.
سادسًا: كشف حقيقة ما يقدمه إعلام الفساد:
فنشر الوعي بما ينشره أهل الفساد ، وما يسعون إليه بما يظهر في مسلسلاتهم وأفلامهم وبرامجهم، والرد على الشبهات التي تبث في تلك الوسائل بصورة محكمة بحيث لا تكون المدافعة، وكشف الشبهات مطية لنشرها، ينبغي ردها بعلم وحجج وبراهين، وكثير من تلك الشبهات يحصل فيها تلبيس الحق بالباطل ، مما يستدعي تصدر المتخصصين ومراكز الدراسات الإسلامية من القيام بتلك المهمة أولا ونشر المقالات والمقاطع التي تستعرض تلك الشبهات بصورة مشروعة وتجيب عليها ليكون ذلك عونا للدعاة في المساجد وبين الناس لإبطال تلك الشبهات وتنفير الناس مما يشاع من شهوات ويمرر من انحرافات.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.