كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكأني بشياطين الإنس، وقد فزعوا؛ فلا تقصير ولا تراخي، يستعدون بجيوش هائلة وأموال طائلة يتفننون في تجهيز كل جديد من صور الإشغال والإضلال، فتسمع عن إنتاج ما تجاوز الثلاثين مسلسلًا، ولن أحدثك عما يبث في هذه المسلسلات من فتن، وشهوات وشبهات، وتدمير للقيم، وتلويث للأفكار، وتبديل للفطر، وإفساد للقلوب، وتزيين للباطل، وتشويه للحق بمختلف أساليب العرض -الدراما والكوميديا، والأكشن والرومانسي-؛ فلكل قلب مفتاح وسبيل.
فضلًا عما استحدث من برامج حوارية، وخيم رمضانية تقدَّم فيها عروض الرقص، ومواهب التفاهة، ومنافسات الغناء، من قبل الفطور ووقت استجابة الدعاء، وحتى وقت السحر -وقت الاستغفار-، وبينهما وقت القيام والتبتل؛ فانظر إلى انقلاب الموازين، واختلال الأحوال، وانتكاسة التصورات، والأعمال!
ليس هذا فقط... فهؤلاء لن يدعوا لك ثانية تلتقط فيها أنفاسك ما دمت قد سلَّمتَ لهم قلبك، وسمعك وبصرك، ووقتك؛ فإن كنت من هواة أمور أخرى أو تمل من مشاهدة صنف واحد من الأعمال؛ فلا تقلق فالجعبة ما زالت ملأى بالنشاب والنبال؛ إن لم تصبك نبال المسلسلات وسهرات الخيام الرمضانية، فلديهم برامج المقالب التي ينفق عليها الملايين، وتشترى لها المعدات الدقيقة والثمينة، ويستضاف فيه نجوم الفن ومشاهير المجتمع؛ فتحقق أعلى المشاهدات!
ولديهم أمر آخر كنوع من التغيير، وهو بث الدورات والبطولات الكروية الرمضانية -وما أكذب النسبة- لقدماء وأساطير الكرة!
فضلًا عن الانشغال بمتابعة مقاطع الفيديو على وسائل التواصل والعرض المختلفة في الهواتف التي لا ندعها من أيدينا لقتل الوقت حتى يحين موعد الإفطار؛ كأن الصوم مهمة شاقة مملة تحتاج حتى تنتهي للانشغال أو النوم!
ولا نعدم في كل رمضان من عام لآخر إنتاج شيء جديد مختلف (غالبًا ما يستورد من الغرب) ويقلد ولكن بنمط مصري أو عربي يكون امتدادًا وتكميلًا للأعمال الشيطانية الصارفة عن الطاعة التي تفتن النفوس الضعيفة، وتأسر القلوب المريضة؛ فهل ما زلت تستغرب فراغ المساجد في رمضان، وزيادة أعداد المتجرئين على المجاهرة بالفطر في نهاره، بل وقوع جرائم قتل فيه، وغير ذلك من آثار هذه الحرب التي استعد لها المفسدون، وغفل عن الاستعداد لها المصلحون؛ إلا من رحم الله- وتوطنت نفسه وتربى على الفهم الصحيح للدين؛ فعلم أن الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، ومدافعة الباطل، وكشف الشبهات، ومواجهة الشهوات، وحراسة الدين.
والتواصي بالحق والصبر على ذلك من آكد القربات، وأجل الطاعات، ومن أعظم صور الجهاد، وهذا كله مما لا يصح أن يهمل ويؤخر لما بعد رمضان احتجاجًا بأنه شهر للقيام والصيام، والتلاوة، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائمين فقط، نتيجة قصور في فهم مراتب العبادات، وفهم خاطئ للآثار الواردة عن السلف في رمضان، من انقطاعهم عن مجالس العلم، وتفرغهم للقرآن تلاوة وقيام؛ فكان لزامًا والحال كما نرى: أن نعرف الواجب علينا في هذا الشهر في ضوء هذا الواقع، وما يلزم المصلحين وتبرؤ به ذمتهم أمام الله، وما السبيل للنجاة من هذه الحرب بين الحق والباطل في ميدان رمضان.
وهل بالإمكان السلامة من هذه الفتن وإنقاذ المسلمين منها، وتكثير عدد الفائزين بنفحات الشهر المبارك رغم كل هذه الفتن والتحديات؟
وسنجيب عن هذه التساؤلات في المقال القادم بإذن الله.