الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 03 مارس 2025 - 3 رمضان 1446هـ

حرب في ميدان رمضان! (1)

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالحمد لله الذي امتن علينا بموسم رمضان، لنتزود فيه بخصال التقوى والإيمان، ونكمل بطاعاته سيرنا نحو الجنان، وننجو بما امتن الله فيه من نفحات من حال أهل النيران، وقد خصه الله -عز وجل- بالفضائل والأحكام والعبادات، والعطايا والمنح والهبات، ومضاعفة الأجور والحسنات، والصلاة والسلام على مَن نزل عليه القرآن في رمضان، وأوتي جوامع الكلِم وخُصَّ ببدائع الحكم، وكان أعلم الناس بالله، وأخشاهم له وأنصحهم وأحرصهم على المسلمين ورحمة للعالمين.

إننا نرى في كل عام قبل حلول شهر رمضان؛ شهر الصيام والقيام القرآن، الشهر الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتسلسل مردة الجان، ويُستجاب فيه الدعوات وتُغفر بصيامه وقيامه سابق السيئات؛ نرى سيلًا من الملهيات والشواغل، وزخارف أهل الباطل تعد، لتشغلنا وتصرفنا عما شُرِع لأجله الصيام، وما أعدَّه الله لأهل الجد والعزم والمتعرضين لنفحاته، الراغبين للفوز بفضائله وأجوره، الخائفين من الخيبة والخسران فيه.

فابتلينا في هذا الزمان بما يعده أهل الشهوات والشبهات، ويتنافسون فيه بما لديهم من وسائل الإعلام المختلفة وما يعرض على جميع الشاشات، حتى يحسب مَن لا يعرف ما هو شهر رمضان في الإسلام من غير المسلمين، أنه شهر اللهو والفساد والشهوات!

مع أن قطب رحى هذا الشهر التعبُّد لله -سبحانه وتعالى- بالإمساكِ عن الأكلِ والشُّربِ وسائِرِ المُفَطِّراتِ، وهي مباحة في الأصل، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، وهذا تربية وتعويدًا للنفس على الامتناع عما تشتهيه، ولو كان مباحًا، فتقوى على ترك الشهوات المحرمة مع امتثال طاعة الله -تبارك وتعالى-؛ فتتحقق التقوى التي شُرِع لأجلها الصوم في رمضان؛ قال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).

ثم ينتقل العبد في هذا الشهر الفضيل لعبوديةٍ أخرى تتأكد في هذا الشهر الكريم؛ وهي: صلاة القيام (التروايح والتهجد)؛ لتكتمل خصال التقوى، والعبد مع ذلك يحرص على أن يكون محافظًا على الفروض، تاركًا للمحرمات، مجتهدًا في فعل المستحبات وترك المكروهات؛ رغبة في الوعد، ورهبة من الوعيد، ورعاية لقدر الشهر المبارك، وحرصًا على الفوز بنفحاته وبركاته، وتنافسًا على بلوغ أعلى الدرجات فيه مع إخوانه، ولكن قدَّر الله في هذا الشهر الفضيل في عصرنا نوعًا جديدًا من الابتلاء، وهو شيوع الشواغل، وغلبة أهل الباطل على وسائل التوجيه، وقدرتهم الكبيرة على إنتاج صنوف من البرامج والأفلام والمسلسلات، وتزيين الشهوات، وإشغال الأوقات بما تهواه النفوس واستعمال الوسائل المؤثرة الجاذبة، فكانت هذه -بلا شك- تحديات كبيرة، وحربًا لا هوادة فيها، لا بد من الاستعداد لها، وخوض المصلحين لغمارها، وعدم التهاون والتواني في التصدي لهذه الفتن والشواغل.

وكأني بشياطين الجن توحي لأوليائها من شياطين الإنس: أدركونا، وقوموا على أمر الغواية والصد عن سبيل الله في شهر رمضان بأقصى جهد، وبكل صورة ممكنة، وبما تملكون من أموال ونفوذ، وبما عرفتموه من كبرائكم، وتعلمتموه من سادتكم في الغرب والشرق من طُرُق الإفساد، واستعمال وسائل الإعلام والتأثير على الناس؛ إلا تفعلوا يكن شهر رمضان عليكم نقمة، وتستفق فيه جموع الأمة، وتجتمع فيه الكلمة، وتنقشع الظُلمة لاجتماعهم على الطاعات، وتراحمهم فيه ببذل الإحسان وتوبتهم، وفوزهم بالغفران والرضوان.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.