الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 23 مارس 2025 - 23 رمضان 1446هـ

حرب في ميدان رمضان (4)

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فلنا وقفة مع مَن يظنون أنهم يتبعون السَّلف في رمضان بترك الإصلاح والعمل الدعوي وتعليم العلم؛ حيث يستند البعض إلى روايات تذكر أن بعض السلف كانوا يتركون مجالس العلم في رمضان ويتفرغون للقرآن، لكن كثيرًا من هذه الروايات لا يصح سندها، بل إن الثابت عن عدد من العلماء أنهم كانوا يعقدون مجالس الإملاء والتحديث، ويؤلفون الكتب، ويواصلون التدريس في رمضان.

-  فقد أتم غير واحد من العلماء تصنيف كتابه في رمضان.

-  وكثير من المحدثين كانوا يعقدون مجالس التحديث والإملاء في رمضان.

بل إن أعظم صورة للتعليم والتدارس في رمضان هي مدارسة النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن مع جبريل -عليه السلام-، حيث كان يعرضه عليه كل ليلة من ليالي رمضان، وهذا نوع من التعليم والمراجعة والتدريس، وليس مجرد تلاوة عابرة.

ثم ماذا عن الجهاد والمعارك الإسلامية التي وقعت في هذا الشهر المبارك والفتوحات الكبرى؟

هل أجَّلها السلف وأعلام الأمة وقادتها من لدن الصحابة؟!

وهل مجاهدة أهل الباطل بإشغال الوقت في رمضان ببعض المهام الدعوية الإصلاحية والتعليمية إلا من جنس الجهاد ومن مراتبه، وقد قال -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: 52)، قال الشوكاني -رحمه الله- في تفسيرها: "أي: جاهدهم بالقرآن واتلُ عليهم ما فيه من القوارع والزواجر، والأوامر والنواهي".

وإذا ترك أهل الإصلاح هذه الساحة، في شهر رمضان وانقطعوا للعبادة في المساجد والبيوت فمن يرد عن الناس الفتن؟

ومَن يذكِّرهم بالله؟

ومَن يحذِّرهم مما يُبث من شبهات وضلالات، خاصة في رمضان حيث يزداد نشاط دعاة الفساد والإلحاد والانحلال الأخلاقي؟!

هل بالإمكان النجاة من هذه الفتن؟!

نعم، مَن صدق مع الله، وأخلص له، وجاهد نفسه، واجتنب أسباب الغواية، وصحب الصالحين، وحاسب نفسه، وأحسن اغتنام أيامه، ورتَّب الأوليات، وجمع بين صنوف العبوديات، وتعاون مع إخوانه والمصلحين للتصدي لهذه الفتنة؛ فإنه -بإذن الله- يسلم من الفتن، وينجو منها بأمان.

فعلى كل مسلم أن يكون داعيًا للخير، مذكرًا لمن حوله، محذرًا من الفتن، حتى يكثر عدد الفائزين برمضان رغم تحديات الفساد، وهذا من معاني التراحم، فرحمة المسلمين بإنقاذهم مما يضرهم مما تتنزل بها الرحمات.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل البصيرة، وأن يعيننا على استغلال رمضان كما يحب، وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

إنه ولي ذلك والقادر عليه.