نصائح وضوابط إصلاحية (25)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الإنسان كلما علت رتبته الإدارية الإصلاحية كان مقصدًا للناس للسؤال والاستفسار، وهذا مما يتطلب منه الحرص على بناء نفسه علميًّا باستمرار؛ حتى لا يُفتي أو يوجِّه غيره بغير علم؛ فيكون سببًا في إضلال الناس، وفساد المجتمعات، لا سيما أن الإنسان كلما علت مرتبته الإدارية دخل عليه الشيطان من باب الحرج أن يقول: "لا أدري"؛ خوفًا على مكانته بين الناس، وقد جاء التنبيه على مثل ذلك في صحيح البخاري (باب الاغتباط في العلم والحكمة): "وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا. قال أبو عبد الله - أي: البخاري - وبعد أن تسودوا. وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم".
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قوله: (وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا) أي: تُجْعَلوا سادة. زاد الكشميهني في روايته: قال أبو عبد الله - أي: البخاري -: (وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا)، وإنما عقبه البخاري بقوله: (وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا)؛ ليبيِّن أن لا مفهوم له؛ خشية أن يفهم أحدٌ من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببًا للمنع؛ لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين" (فتح الباري شرح صحيح البخاري).
لذلك فليحذر كلُّ مسئول إصلاحي من أن يقع في ذلك؛ وليتَّقِ الله عز وجل في نفسه وفي الأمانة التي بين يديه، وليواظب على بناء نفسه علميًّا مهما علت رتبته الإدارية حتى لا يقع - ولو جزئيًّا - فيمَن ذمهم الله عز وجل بقوله: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف: 103، 104).
وقد حَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجود الرؤوس الجهال، وأثر ذلك على ضياع وإضلال الناس؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.