كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
تحقيق التوازن بين المسئوليات الدعوية والواجبات الحياتية:
العمل الإصلاحي التطوعي عمل له تبعاته من حيث الانشغال الوقتي والذهني، بل والبذل المالي الذي يتطلبه العمل الإصلاحي، وهذا - بلا شك - يتعرَّض له جميع الأعضاء العاملين، والأفراد المسئولين عن العمل دائمًا هم في القلب من هذا، بل هم أكثر من يتعرض لهذا؛ نظرًا لمسئوليتهم عمن خلفهم وعن تحقيق المستهدفات الإصلاحية المراد تفعيلها في المجتمع.
وفي هذا الصدد لا بد أن نؤكد على أن هذا الانشغال الذي يقوم على الاحتساب لا بد معه من مراعاة الواجبات الشرعية والحياتية اللازمة في حياة المسئول؛ بحكم بشريته، وبحكم مسئوليته عن أهله وعن أسرته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).
والحقيقة المهمة في هذا الصدد: أن يدرك كل مسئول إصلاحي أن عمله التطوعي الإصلاحي بأهميته الكبرى هذه يحتاج إلى دعم حقيقي من كلِّ الدوائر المحيطة به، وأولها وأولاها: دائرة الأسرة وذوي القربى؛ وقد بدأ الله عز وجل في الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ بالاهتمام بهذه الدائرة؛ فقال -عز وجل-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214).
وقد رتَّب الله -عز وجل- أولويات الإحسان المطلوبة للخلق، فقدَّم الوالدين وذوي القربي على غيرهم؛ حيث قال تبارك وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36).
لذلك فاهتمام المسئول بدائرة أسرته أولًا بدءًا من والديه، ثم زوجته وأولاده أمرٌ في غاية الأهمية للمسئول؛ فهم أول دوائر الدعم الحقيقي التي تساعده في نجاحه في مسئوليته الإصلاحية، ومن المعلوم من صحيح السيرة النبوية: أن السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي أول من أعانت النبي صلى الله عليه وسلم وعملت على تثبيته، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين: لما نزل الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء لأول مرة، رجع إلى خديجةَ رضي الله عنها فأخبَرَها الخبر وقال: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)، فقالت له رضي الله عنها: "كَلَّا! أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (متفق عليه).
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: "وَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ" (فتح الباري).
ولذا؛ فنجد دائمًا أنه كلما كانت الأسرة داعمة للمسئول؛ فإن هذا مما يهون عليه كثيرًا ما يجده من عقبات ومصاعب في مسيرته الإصلاحية، والعكس بالعكس؛ فكلما كانت الأسرة غير متعاونة مع المسئول الإصلاحي زادت الصعوبات عليه، وصارت تمثِّل في ذاتها جهة ضغط عليه قد تتسبب -إن لم يوفِّقه الله لحسن التعامل مع الأمر- في انقطاعه والتخلي عن مسئولياته.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.