نصائح وضوابط إصلاحية (24)
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
من المقومات الرئيسة اللازمة للولاية والمعية المحصِّلة للتوفيق:
2- الحرص على الترقي في البناء الإيماني التعبدي للمسئول: بيَّن الله -عز وجل- أن معية توفيقه مشروطه لمن أقام الصلاة وآتى الزكاة؛ كما جاء في الآية المذكورة عاليه: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ...) (المائدة: 12)، وهذا تنبيه بالأعلى على ما سواه من عبادات.
وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن استجلاب محبة الله هي أعظم السبل للتوفيق والسداد في كل الأعمال، وبيَّن الله -عز وجل- في الحديث القدسي أن من أعظم الأسباب الجالبة لمحبة الله: الحرص على الفرائض، والإكثار من النوافل كما جاء في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري).
لذلك يعد حرص المسئول على الفرائض والإكثار من نوافل الصلاة، وتعاهد نفسه بقراءة القرآن، والأوراد من الأذكار وقيام الليل، وصيام النفل، والصدقة من ضروريات توفيقه في المسئولية الإصلاحية، وكلما ثقلت المسئولية والأعمال الإصلاحية كلما احتاج المسئول إلى زيادة جرعة عباداته لا العكس كما يفهم أو يتصور البعض.
والمتأمل في حال النبي -صلى الله عليه وسلم- سيجد أنه القدوة العظمى في ذلك: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وكان يصل الصيام، وكان أجود من الريح المرسلة، وقد هيئه ربُّه -سبحانه وتعالى- قبل بعثته بالعبادة والتحنث في غار حراء ليستطيع القيام بتلك المسئولية الإصلاحية الكبرى كما قال -سبحانه وتعالى- في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) (المزمل: 1-5).
وكذلك كان حال المصلحين عبر الزمان والمكان؛ فهذا شيخ الإسلام ابن تيميه -طيَّب الله ثراه- كما ذكر عنه تلميذه الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وحَضَرتُه مرَّةً، صلَّى الفَجرَ ثم جلَسَ يذكُرُ اللهَ تعالى إلى قريبٍ مِنَ انتِصافِ النهارِ، ثم التَفتَ إليَّ، وقال: هذه غَدْوتي، ولو لم أتغَدَّ الغَداءَ، سقَطَتْ قُوَّتي. أو كلامًا قريبًا مِن هذا".
3- الحرص على استمرارية البناء العلمي الشرعي الضابط للمسارات التنفيذية: الجهل بالدين ومقاصد الشرع الحكيم هو طريق الفشل وعدو الإصلاح، والعلم بعلوم الشرع ومقاصد الدين على الوجه الصحيح هو سبيل التوفيق وتحصيل الخيرية للأفراد، والنجاح في نشر الخير في المجتمعات إرضاء لرب الأرض والسماوات، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) (متفق عليه)، فالعلماء ورثة الأنبياء؛ وكلما بعد الإنسان عن إرث الأنبياء كان فساده أقرب من صلاحه؛ لذلك فاستمرارية التعلُّم الشرعي للمسئول الإصلاحي واجب حتمي عليه مهما كثرت مسئولياته، أو ضاقت أوقاته.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.