كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مظاهر الإخلاص في العمل المؤسسي:
1- تأدية الدور المنوط بالفرد على الوجه الأكمل دون النظر لنوع العمل المكلف من حيث كونه في صدارة الأعمال أم لا، ودون النظر إلى موقع الفرد من العمل هل هو في الصدارة أم لا؛ فقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان هذا ديدنه، وبيَّن عظيم جزائه ونفعه، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري).
وهذا المظهر يحتاج إلى دِقَّة من الإنسان في ملاحظته لنفسه وإدراكه لمكنونها؛ فمن الأعراض التي قد تدل على وجود خلل في هذا المظهر من مظاهر الإخلاص: أن يجد الفرد العامل نفسه متحمسًا بشدة إلى الأعمال التي يكون فيها دوره ظاهرًا أو مقدَّمًا، ويكون حريصًا على إتمامها على أكمل وجه، بينما يجد نفسه أقل حماسًا أو أقل اهتمامًا في ذات العمل إن كان دوره فيها ليس ظاهرًا أو لم يكن فيه مصدرًا.
2- عدم الحرص على الرئاسة والتصدر في الأعمال، مع تمام الاهتمام بسد الفجوات التي يحتاج إليها الكيان الإصلاحي؛ فالحرص على الرئاسة والوجاهة والتصدر أمر ليس بالبعيد عن أي إنسان بحكم بشريته كما قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما رأيت زهدًا في شيءٍ أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة تحامى عليها وعادى".
وقال يوسف بن أسباط: "الزهد في الرئاسة أشد من الزهد في الدنيا".
وكتب سفيان إلى صاحبه عباد بن عباد رسالةً فيها: "إياك وحب الرئاسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة"؛ فهو مرض عضال يفسد الدِّين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ والشرف لدينِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
لذلك فمن مظاهر الإخلاص الواضحة في الأعمال الإصلاحية في هذا الباب: أن يكون الحرص في العمل على سدِّ الفجوات أولى بكثير عند الفرد العامل من المنافسة على البارز المتاح من المساحات، كما أنه لا يطلب الرئاسة والتصدر فإن جاءته وكلف به رغمًا عنه، استعان بالله على أدائها على أكمل وجه، وهذا امتثالًا لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن سمرة حينما أوصاه قائلًا: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) (متفق عليه).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.