كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقومات التوفيق والمعية:
المعية لها مقومات وأسباب يستوجب على كل مسئول أن يحصلها إن كان يريد أن يكون من أهل التوفيق والسداد، وقد ذكرها الله -عز وجل- في كتابه، وبيَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -عز وجل-: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: 12).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري).
فتحقيق الولاية بصحة البناء الإيماني التعبدي والسلوكي والعلمي هي أعظم أسباب تحصيل المحبة والمعية من الله للعبد، وهذا مفتاح التوفيق له في كل شيء -كما سيأتي تفصيل ذلك-.
المقومات الرئيسة اللازمة للولاية والمعية المحصلة للتوفيق:
1- الإخلاص لله -تعالى-: الإخلاص هو خير ما يصعد من العبد إلى السماء، والتوفيق هو خير ما ينزل على العبد من السماء، واستيفاء العبد لمعالم الإخلاص في قوله وعمله هو أساس حصوله على التوفيق؛ فسره عجيب، وأثره بالغ، وهو أساس القبول والتأييد والسداد، ومعه تتنزل البركات، وتقال العثرات، وتتحقق الفتوحات، وتعم الخيرات.
والإخلاص هو طريق الخلاص وهو أصل قبول الأعمال، وبدونه يفقد العمل خشوعه وروحه ويتحول إلى عمل روتيني لا روح فيه ولا ثمرة مرجوة منه، وكما قال ابن الجوزي: "والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يُخلص" (صيد الخاطر).
وقد بيَّن الله -عز وجل- أن الإخلاص هو الأصل الأول في جميع الأعمال؛ فقال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: 5)، وقال أيضًا: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) (الزمر: 2).
وبيَّن رسول -صلى الله عليه وسلم-: أن التوفيق موقوف على النية الصالحة والصدق فيها؛ كما في الحديث: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وكما في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل الذي خرج معه في غزوة ذات الرقاع: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).
وتحقيق الإخلاص لا شك أنه أمر ليس باليسير، بل صعب يحتاج إلى مجاهدة مستمرة ومعرفة بدروب النفس البشرية، والعمل على علاج أمراضها أولًا بأول، وتصحيح مسارها كلما ظهرت بوادر وأعراض تنبئ عن ظهور بعض الأمراض القاتلة للإخلاص؛ وهذا ليس أمرًا مستحيلًا، فالله -عز وجل- لا يكلِّف بالمستحيل، كما قال -سبحانه وتعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وإنما يحتاج إلى صدق ومجاهدة؛ كما قال -تعالى-: (?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69).
ويحتاج الأمر كذلك إلى دربة وخبرة وتنبُّه سريع عند ظهور الأعراض قبل أن يستفحل المرض؛ ولذلك نقول ونكرر: "معرفة الظواهر تنبئ عن الجواهر، وفهم الأعراض يرشد عن الأمراض".
وبناءً على ذلك: فمن الأهمية أن نستعرض معًا بعض المظاهر في العمل الإصلاحي المؤسسي التي قد تدل على الإخلاص ليحرص على التحلي بها الفرد المسئول في الكيان الإصلاحي المؤسسي، وكذلك بعض الأعراض التي قد تدل على وجود مرض وخلل في القصد والإخلاص.