كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المحور الثالث: مرتكزات وعوامل نجاح أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي:
تتمثل منظومة النجاح في العمل المؤسسي على وجود مثلث الإصلاح الذي ترتكز قاعدته على (صحة المنهج)، ويقوم ضلعاه الباقيان على (الثقافة التنظيمية) وعلى (منظومة العلاقات البشرية).
هذه المنظومة الثلاثية تتمثل في:
أولًا: صحة المنهج الذي يتبناه الكيان الإصلاحي أو المؤسسة؛ أي ما يسمى بـ"الأيدولوجية".
ثانيًا: الثقافة والضوابط التنظيمية اللازمة للعمل داخل الكيان أو المؤسسة.
ثالثًا: ضوابط العلاقات البشرية (الداخلية بين الأفراد داخل الكيان أو المؤسسة، والخارجية بين الكيان أو المؤسسة وبين المجتمع من حوله).
أولًا: صحة المنهج الذي يتبناه الكيان الإصلاحي أو المؤسسة (الأيدلوجية):
إن من قواعد الحكم على أي كيان مؤسسي دعوي يدعي أنه إصلاحي أن يتم النظر إلى منهجه الفكري وأيدولوجيته التي يتبناها، فهناك كيانات تنظيمية كثيرة جدًّا تتبنى العمل المؤسسي، ويلتزم أفرادها بضوابطه وتدعي الإصلاح، وهي أبعد ما تكون عن ذلك؛ نظرًا لانحرافها الفكري؛ فهناك العديد من التنظيمات التكفيرية التي تتبنى المواجهات المسلحة مع عموم المخالفين لها من عموم المسلمين الذين لا ينتمون لها أو مع الحكومات الإسلامية التي يتواجدون تحت حكمها تحت دعوى التكفير لهم بلا بينات، ومن ثم يتم استحلال الدماء المحرمة وتدمير المجتمع وهدمه؛ وهذا في حقيقته عمل مؤسسي تدميري وليس إصلاحيًّا.
وهناك أيضًا العديد من التنظيمات التي تتبنى الأفكار العالمانية أو الروحية الخرافية التي تهدم أصول التوحيد والعقيدة، وتميع الدين، وتدفع الناس في المجتمع الى التحلل من كل واجبات الشريعة؛ بما يحقق لأعداء الدين الفرص الذهبية للسيطرة على عقول أبناء الأمة، وبما يساهم في احتلال الأوطان والبلدان الإسلامية فكريًّا، ثم بعد ذلك واقعيًّا؛ طبقًا لصراع الحضارات المحرك للمنظومة العالمية.
لذلك فالحكم على تجمع دعوي مؤسسي معين بأنه تجمع إصلاحي لا بد فيه من مراعاة الأمور الآتية:
1- مدى التزامه العقدي والفكري بمنهج أهل السنة والجماعة المبني على اتباع فهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطريقتهم في العلم والعمل والدعوة إلى الله، ومَن تبعهم بإحسان مِن السلف الكرام عبر العصور والعقود المتتابعة.
2- وضوح أهدافه الإصلاحية التي يعمل عليها، والتي تُخدم على منهجية التغيير الاصلاحية اللازمة لتحقق العبودية المنشودة، والتي تتمثل على سبيل المثال في:
- حفظ الهوية والمرجعية الإسلامية في المجتمعات، والسعي في تفعيلها، ونشر مفاهيم العبودية الخالصة لله بين الناس.
- حفظ استقرار الأوطان، وتحقيق التماسك المجتمعي بين أفراده بإعلاء مفاهيم الشريعة والقيم والأخلاق والسلوكيات الحميدة.
- التعبد إلى الله بالإحسان إلى الناس، وحمل همومهم الحياتية وتيسيرها عليهم قدر المستطاع؛ لأن الله يحب المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين.
3- الاهتمام بمعالم البناء المنهجي المتكامل داخل الكيان، واستكمال سمات الشخصية المسلمة المتكاملة للأفراد فيه من خلال (البناء الايماني التعبدي - البناء السلوكي الأخلاقي - البناء العقدي الفكري - البناء العلمي المعرفي).
4- نبذ نعرات التعصب داخل الكيان إلا للحق، والحرص على الالتزام فيه بالتعاون على البر والتقوى مع أي أحد، ولو كان ليس من أفراد الكيان طالما سيؤدي الأمر إلى إرضاء الله وتحقيق الصالح العام، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (رواه البخاري)؛ وهذا كان مع المشركين؛ فما بال أهل الإسلام؟! فهم أولى بذلك قطعًا، وكذلك عدم التعاون على الإثم والعدوان مع أي أحد؛ ولو كان من رؤوس كيانه، وذلك كما أمر الله -عز وجل- في قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) (المائدة: 2).
5- مراعاته للمصالح العامة للأمة وحرصه على دفع المفسدة التي تضر بالأمة، مع تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ فالكيانات الإسلامية الإصلاحية المعاصرة ليست خلافة في ذاتها، وكذلك ليست كلها فرقًا نارية، وإنما هي مرحلة متوسطة تهدف إلي إقامة مصالح جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية.
6- الحرص في أدبيات الكيان على الموازنة الدائمة بين خير الخيرين، وشر الشرين طبقًا لقواعد المصالح والمفاسد الشرعية.
7- الإيجابية والمرونة المنضبطة في التعامل مع الممكن من صور الخير المتاحة؛ للوصول إلى المرجو والمأمول من الصورة التامة، وعدم تبني المعادلات الصفرية المحبطة أو المدمرة.