كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"؛ كلمة أطلقها عَلَم من أعلام المنهج السلفي على مدار القرون السبعة الأخيرة، وهو العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وكان يعني بذلك الهروي -رحمه الله وعفا عنه-، ولكن صارت مثلًا يتمثل به كل سلفي يضطر إلى أن يخالف شيخًا من شيوخه.
والشيخ سعيد عبد العظيم -رحمه الله تعالى- لمن يعرفه، كان يحب أن يؤكد على تلك القواعد الإجمالية الكلية، فيقررها ويكررها بين ثنايا دروس منهجية، وخطب وعظية، فتستقر في نفوس طلبة العلم، وغيرهم، بسلاسة وعذوبة حتى ينصرف ذهنك عندما تسمعها إلى الشيخ سعيد عبد العظيم -رحمه الله تعالى-.
وهذا شأن كثير من الأقوال المأثورة التي كان -رحمه الله- يحرص على غرسها في نفوس تلامذته وأبناء دعوته، مثل:
- كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
- لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
- ما لم يكن لهم يومئذٍ دينًا، فليس لنا اليوم دينًا.
- شر الأمور مبتدعاتها، والاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
- نتقي الله فيمن لم يتَّقِ الله فينا، ونطيع الله فيمن عصى الله فينا، ونصبر على من بغى علينا.
- من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو أمارة المسلم المؤمن.
- سرية هي أضر بكثير من العلنية.
- مراعاة المصالح والمفاسد في الإقدام والإحجام يخضع للقواعد الشرعية، فشرع الله مصلحة كله، وحيثما كانت المصلحة المعتبرة فثم شرع الله، كما أن التناسب بين حالة الحكام ومحكوميهم، وحالة العباد والكون من حولهم يستلفت الأنظار شرعًا وكونًا.
هذه عبارات تلخص بعض خصائص المنهج الذي أخذه مشايخ دعوتنا المؤسسين -ومنهم فضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم- عن شيوخ السلفية المعاصرين عن أئمة العصور الوسطية، ومن أبرزهم: شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الأعلام، وهذا المنهج قائم على الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؛ ليس في العقيدة وفقط -(كما تزعم بعض المدارس المعاصرة المنتسبة إلى السلفية، ويا ليتهم وفوا بهذا الشرط، بل خلطوا تناولهم للعقيدة بمسارات قطبية تلتقي وتتشابه مع النزعات المعتزلية القديمة!)-، ولكن هذا المنهج في العقيدة والعمل والسلوك، ومناهج الدعوة، ومناهج التغيير، والشيخ سعيد عبد العظيم عاش عمره على هذا المنهج.
وكانت الدعوة السلفية قد حاولت قدر الإمكان التدخل لحل مشاكل الإخوان مع معارضيهم (لكن يا للأسف استدعى الإخوان غضب الإسلاميين على تلك المعارضة بكونها يسارية ليبرالية، وهذا صحيح، ولكن الإخوان هم مَن عقد معهم اتفاقَ تفاهم، ووعدوهم على الملأ بمشاركة في الحكم أثناء التحضير لجولة الإعادة في انتخابات الرئاسة فيما عُرِف بمؤتمر الفيرمونت)، والمشكلة الأكبر كانت صدام الإخوان مع مؤسسات الدولة، وهو ما ظهر جليًّا في الإعلان الدستوري، وكان آخر مشهد في 1-12-2012.
ورغم إعلاننا رفضنا للإعلان الدستوري؛ إلا أننا شاركنا بفاعلية كبرى جدًّا؛ للتأكيد على أن الاعتراض على الإعلان الدستوري لا يرقى إلى المطالبة بعزل الدكتور "محمد مرسي"، ولكن الإخوان استمروا في التصعيد وأخذوا معهم بعض الرموز المنتسبة للسلفية التي اتضح أنها أكثر انتماءً للفكر القطبي، وبالتالي فهم متقبِّلون للصدام، لكنهم صدروا لكثير من المشايخ أن الجيش والشرطة معهم، أو -على الأقل- على الحياد، وأنه ليس مطلوب من الإسلاميين إلا مكاثرة عدد المعارضين بعدد يفوقهم. وكانت القاصمة بالنسبة لنا ما دار في اجتماع بين وفدٍ من مجلس إدارة الدعوة السلفية وبين وفد من مكتب إرشاد جماعة الإخوان في 16-6-2013.
ويا للأسف لم يكن الشيخ سعيد عبد العظيم في الإسكندرية حينها، وكانوا قد أخبرونا بالزيارة في الليلة التي تمت الزيارة في صبيحتها، وتبيَّن لنا من الحوار أن الإخوان يريدون عددًا كبيرًا يصادمون به كل من يعترضهم!
وأبلغناهم بمنتهى الوضوح: أننا ننصحهم بالرجوع عن هذا التوجه، وأننا لن نستطيع المشاركة في أي فاعلية؛ لا سيما مع بوادر التلويح بالتكفير والعنف التي ظهرت في حفل أكتوبر في الإستاد، وهذا الاجتماع الذي غاب عنه الشيخ سعيد عبد العظيم ونُقِل له من طرفهم؛ حيث عاد وناقشنا في الوضع، وأنه مطمئن للغاية لقوة العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة؛ لا سيما المؤسسة العسكرية… مع الأخذ في الاعتبار: أن العقلية الصدامية للإخوان لم تكن معلنة، بل حرصوا إلى آخر اللحظات "حتى خطاب الدكتور مرسي الأخير" على الترويج بأن مؤسسات الدولة متماسكة، ومن هنا انزلقت قدم الشيخ سعيد عبد العظيم في تأييد هذا الموقف (وللمزيد من التوضيح حول هذا الموقف راجع مقال: ("الجماعات الصدامية بين خداع الأحياء والمتاجرة بالأموات" لأحمد الشحات).
وينبغي أن نفرِّق هنا بوضوح بين نِسبة الشيخ -رحمه الله- إلى التخلي عن المنهج الإصلاحي الذي عاش يدعو إليه، وبين أنه كان يرى اتخاذ موقف من حالة وجود رئيس منتخبٍ تروم مجموعة من الفسدة خلعه، وهذا كان يظهر مِن تتبع كتاباته على صفحت الفيس بوك الخاصة به. نعم كتب الشيخ على صفحته بعد فض رابعة مشاركات -بلا شك- كانت متأثرة بدماء سالت، تألم من أجلها الجميع، لكنه من الناحية المنهجية لم يتخلَّ عن منهجه.
وهذا منشور للشيخ بتاريخ 24 إبريل 2014 قال فيه: "أذكر أنني منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي الميلادي، وأنا أفنِّد وأرد على جماعات التكفير التي ظهرت، مثل: العزلة الشعورية، والتكفير والهجرة، إلخ، وقد ألَّفت -بحمد الله- العديد من الكتب، وكتبت الكثير من المقالات والنشرات؛ حتى أوضِّح طبيعة المنهج السلفي، وأهمية الرجوع للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في حياتنا الخاصة والعامة؛ في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق، وفي الحرب والسلم، والبيت والسوق، وكنت أعلق دومًا على الأحداث السياسية، وغيرها؛ ولذلك كان قطاع عريض يحضر الخطب والدروس لسماع التعليقات التي تربط بين الدين والدنيا، والأرض والسماء.
وقبل منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ألفت كتاب (تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد)؛ للرد على بعض المغالطات والشبهات التي تتعلق بهذا الجانب، وأذكر أن كثيرًا من الكلمات التي كانت تقال في هذا الجانب كانت عبارة عن حماسات تفتقر الكثير من الفقه.
ومن أوائل الكتب التي كتبتها: كتاب (الديمقراطية في الميزان)، وذلك منذ حوالى ثلاثين عامًا، وكنت معنيًا منذ نعومة أظفاري بوحدة المسلمين، أحب الكلمة الطيبة وأقدِر المواقف الحسنة لأهلها حتى وإن اختلفت مع أصحابها في المنهج، فحرصي على تخليص المنهج السلفي من الشوائب التي قد تلصق به لا يمنعني من العدل والإنصاف في الجملة... وهذه أمنية أتمناها لنفسي ولعموم الخلق، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسى ومن الشيطان، والله منه بريء؛ ولذلك ألفت كتاب (ضوابط شرعية لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية)، وكنت أردد دومًا: العدل أساس الملك، وبه قامت السماوات والأرض، (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثنى على الروم بخصال أربع رغم كفرهم، فالخلاف لا يعني الظلم والبغي، أو الجور والتعدي، وقد تطلب الأمر أن أوضح الفرق بين الدعوة السلفية والإخوان، وجماعة التبليغ، والجهاد، والتكفير، إلخ.
فأسئلة الناس والشباب تكثر في هذا الجانب بصفة خاصة، ولا أزعم الانفراد بهذا الأمر؛ فكل أصحاب الدعوات يتعرضون له، فمن وُفِّق فالله وفقه، وإلا فالخلاف شر كله، وما أبريء نفسى، قد أصيب وقد أخطئ، والخطأ مردود على صاحبه كائنًا من كان، والحق مقبول مِن كل مَن جاء به.
يحزنني ويؤلمني أن أجد بعض إخواني وأبنائي في الدعوة السلفية ممن يؤيدون الانقلاب على الشرعية يذكرونني بأنني أصبت عندما كلمتهم عن الإخوان، وقلت لهم: فيهم كذا وكذا!
وهذا هو العمى بعينه! وإلا فهل قلت لهم أو لغيرهم يومًا: اقتلوهم أو اظلموهم؟!
هل سمع مني مخلوق جواز الخروج على الحاكم منهم، ومشاركة المتآمرين عليه وخلعه، والسكوت على الخيانة، وتدمير البلاد والعباد، وانتهاك الأعراض، وغض الطرف عن الشيعة والشريعة بعد تهييج الدنيا، وتأليب العامة على الحاكم الشرعي؛ بزعم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر...؟!
الغرض مرض، وإقحام ما قلته يومًا في مثل هذه المواقف والأحداث، بمثابة تلبيس وتزوير وتدليس... سامحكم الله وغفر لكم.
لقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حِلْفًا في دار عبد الله بن جدعان لنصرة المظلوم -قرشيًّا كان أو غير قرشي-، وقال: (لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ) (السنن الكبرى للبيهقي)، فانصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، وإياك أن تكون من أعوان الظلمة، أو أن تكون أنت الظالم لا من أعوانه وأنصاره فحسب!" (انتهى وهي موجودة على موقعه إلى يومنا هذا).
وأنا أورد هذا المنشور للدفاع عن الشيخ منهجيًّا؛ رغم ما فيه من وصف غير صحيح بالمرة لواقعنا، من أننا أعنا على الإخوان! بل هم مَن أصر على الصدام، وخرج منهم بعد ذلك واحد بعد واحد يعترف بهذا. وليس صحيح أننا أعنا على قتل أحد، بل أنكرنا كل عدوان على الدماء (ولو كان الإلزام الذي ذكره الشيخ صحيحًا؛ لجاز لأحدٍ أن يقول: إن الشيخ مسؤول عن أي تعدٍّ في المواجهة مع جماعات الصدام في الثمانينيات).
وعمومًا الذي يهمني هنا: إثبات أن الشيخ ظل يذكِّر بثباته على منهجه، وإن كان قد ظن في إخوانه ما ظن.
ورغم هذه الشدة من الشيخ في كلامه على الدعوة، فقد التزمنا الصمت أدبًا مع الشيخ، ومعرفة بطبيعته؛ فكم دارت بيننا مناقشات داخلية، لعل من أبرزها ونحن مسجونون في عام 2002، وبلغت فيها الشدة أوجها، وإن كانت تهمتنا ساعتها عند الشيخ كانت هي "التهور"، وليس "الركون إلى الذين ظلموا"، وتحملنا من شيخنا في هذه وفي تلك، وانتهت المناقشات القديمة إلى رؤية يعمل بها الجميع.
وهذه المرة كانت لوجود مَن "يسعِّر" الخلاف ليستفيد؛ أملًا أن يندفع شباب الدعوة السلفية إلى أتون المعركة في رابعة، ثم في مظاهرات كانت مشتعلة حينها (والحمد لله الغالبية العظمى مع حبها للشيخ بقيت على القرار الجماعي)، ثم وقع في منتصف 2015 أن صدر بيان "نداء الكنانة" ينظِّر لمسالك صدامية، ويا للأسف وجدنا توقيع الشيخ عليه!
ومن فرط المفاجأة فقد سافر أحد المشايخ الكبار (من غير الممثلين في مجلس الإدارة) للعمرة والتقى الشيخ سعيد، وحذَّره من وجود توقيعه على بيان يخالف منهج الدعوة، ولكن يبدو أن الشيخ سعيد لم يستطع أن يفعل إجراءً يتبرأ به من هذا البيان، وطبعًا الجميع يعرف كيف توضع أسماء التوقيعات.
وسأحكي واقعة في ذلك: أنه في يوم صدور "الإعلان الدستوري" نظَّمت (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح) لقاءً حافلًا للخروج بموقف موحَّد للإسلاميين من دستور 2012، وأثناء اللقاء كان بعض الإخوة يقولون: انتظروا اليوم حدثًا جللًا، وفجأة انتشر الإعلان الدستوري، وفجأة أسدل الستار على المناقشات حول الدستور، وطُلِب من الجميع التوقيع على بيان تأييد للإعلان الدستوري.
ومن توفيق الله لنا: أن ممثلي الدعوة السلفية بعد التشاور (وكان منهم الشيخ سعيد عبد العظيم) قرروا أن يصدروا بيانًا مستقلًا تم فيه التأكيد على رفض بعض نقاط هذا الإعلان الدستوري؛ أهمها: تحصين قرارات الرئيس.
المهم أن الدعوة وجدت نفسها أمام الواقع الذي يقال فيه: "شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"؛ لأننا أصبحنا أمام تنظير ينسب إلى الشيخ أنه من جملة من أقره، فكتبت مقالًا في الرد على الشيخ سعيد عبد العظيم -رحمه الله-، وجعلته في الرد عليه من كُتُبه، وسميته: (كُتُب الشيخ "سعيد عبد العظيم" ترد على فكر بيان "نداء الكنانة"... فكيف وقـَّع عليه؟!).
والشيخ لم يرد على هذا المقال -بفضل الله تعالى-، بل كتب بعدها في تأكيد المنهج الإصلاحي، ومن ذلك: أنه قال في منشور له في تاريخ 5 سبتمبر 2016، في معرض استنكاره على مؤتمر جروزني وحكايته عن لقاء سابق جمعه بشيخ الأزهر في وفدٍ من الدعوة السلفية: "أوضحت له أننا دعوة سلمية علنية ترفض العنف الأهوج، وأننا كنا وما زلنا نرد على غلاة التكفير، ولم ننخرط في السياسة الحزبية بخلاف غير الشرعية، ونهتم بتربية الأفراد على الكتاب والسنة، ولنا مساجدنا الكثيرة المنتشرة في ربوع مصر، وبالتالي فأبناء الدعوة أعدادهم غفيرة.
وأننا نقيم الدورات العلمية، وأنشأنا معهدًا، وأصدرنا مجلة وعدة نشرات، وأن الدعوة ظهرت في الجامعة مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وانتشرت -بفضل الله- هنا وهناك. وانتهى اللقاء على خير وأعرب عن سعادته وتمنيه بتكرار اللقاء".
ومن ذلك: أنه قال في منشور بتاريخ 4 أكتوبر 2016: "ومراعاة المصالح والمفاسد في الإقدام والإحجام يخضع للقواعد الشرعية، فشرع الله مصلحة كله، وحيثما كانت المصلحة المعتبرة فثم شرع الله، كما أن التناسب بين حالة الحكام ومحكوميهم، وحالة العباد والكون من حولهم يستلفت الأنظار شرعًا وكونًا، ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: نحن في زمان لا يصلح أن يولَّى علينا فيه أمثال عمر بن عبد العزيز، ولا معاوية بن أبي سفيان؛ فضلًا عن الشيخين: أبي بكر وعمر".
بل حتى الانتقاد الذي كان الشيخ يوجهه لإخوانه في الدعوة بين الحين والآخر، اختفى تمامًا من صفحته، ولعل ما ظهر من مهازل للطرف الذي تعاطف معه الشيخ كانت سببًا في هذا:
- فمن معترف: أنهم عَلِموا بالفض وكان هناك استعداد بإعداد الأكفان!
ومن قائل: إن اعتصام رابعة لم يكن يُرجَى منه عودة الدكتور مرسي (وهي النقطة المحورية التي تعاطف معهم من تعاطف في كون هناك رئيس منتخب ومنتمٍ للتيار الإسلامي، وأنه كانت هناك فرصة لإعادته مع تقويمه، ولكننا ضيعناها!)، فصرَّحوا أن هذا لم يكن مأمولًا، ولكن كان المطلوب تحسين شروط التفاوض كما قال زوبع!
بل وأكَّد ذلك عاصم عبد الماجد: الذي يُعزَى إليه حشد كثير من شباب الصعيد؛ أنه اكتشف أن قيادة الاعتصام لا تريد إلا تحسين شروط التفاوض!
والأعجب أنه قال: إنه منذ إدراكه لهذا، امتنع من الصعود على منصة رابعة (أين الأمانة تجاه مَن حشدتهم بدعوى الدفاع عن الشريعة والشرعية؟! وكيف تتركهم لمن أيقنت أنه يستعملهم في غير الغرض الذي انتدبتهم لأجله؟!).
والأشد كلام إبراهيم منير في مجلس العموم البريطاني: إن الإخوان لو استمروا في الحكم لأقاموا الحريات، ومنها حريات الشواذ!
كل هذا كان جديرًا بأن يعيد مَن أيد هذه المواقف حساباته، ويبدو أن الشيخ شعر أن سنه وحالته الصحية لا تتسع لهذا؛ فانكب على عبادته في المدينة حتى قُبِض بها، نسأل الله أن يجعل هذا وغيره سببًا في رفع درجاته في عليين.
وبعد وفاته، وجدنا مزايدات كثيرة لا أعبأ بها، ولكن هالني أن كثيرًا من المواقع تنشر كتب الشيخ بصورة أقرب إلى الاستقصاء، فلا تترك كتابًا ولا رسالة إلا وذكرته، مع إسقاط كتاب من أشهر كتبه؛ لما فيه من تأصيل لمنهجه السلمي، وهو كتاب: (تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد).
فأدركنا أن الأمر يُرَاد به نسبة الشيخ إلى منهج عاش حياته يقوِّم أتباعه وينصحهم بتركه، وحتى حينما ساند مَن ساند ظنًّا أن مساندتهم يمكن أن تحقق مصالح وتدفع مفاسد بلا اقتتال ولا فتنة، كان هذا نوعًا من الاعتماد على تصوير هؤلاء للواقع، وثقة فيهم، وليس تراجعًا عن فكره.
وها هو الموت يطوي صفحة الخلاف المبني على ما ذكرنا، وتبقى قائمة مؤلفات الشيخ بما فيها هذا الكتاب المبارك (تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد) تمثِّل الأساس المنهجي الذي التقينا عليه، وسنبقى نذكره به وبغيره من كتبه وخطبه.
نسأل الله أن يرفع درجاته في عليين، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى.
اللهم آمين.