كتبه/ أحمد الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي يوم الأحد 25 ذو القعدة 1445هـ - الموافق 2 يونيو 2024م رحل عن عالمنا فضيلة الشيخ الدكتور سعيد عبدالعظيم -رحمه الله- عن عمر يناهز 72 عامًا، قضى (أغلبها) في العمل الدعوي والعلمي في مدينة الإسكندرية، مركز الدعوة السلفية بمصر.
ومعلوم أن الشيخ -رحمه الله- كان أحد مؤسسي هذه الدعوة المباركة في سبعينيات القرن الماضي، وأحد أعضاء مجلس الأمناء الذي ضم المشايخ الكبار في هذه المؤسسة، وهم: فضيلة الشيخ محمد عبدالفتاح أبو إدريس -رحمه الله-، والشيخ محمد إسماعيل -حفظه الله-، والشيخ أحمد فريد -حفظه الله-، والشيخ ياسر برهامي -حفظه الله-، والشيخ أحمد حطيبة -حفظه الله-، وسادسهم الشيخ سعيد عبدالعظيم -رحمه الله-، كما أن الشيخ سعيد شغل منصب نائب رئيس الدعوة السلفية بعد الثورة حيث تم تشكيل مجلس الإدارة الجديد، برئاسة الشيخ محمد عبد الفتاح أبو إدريس، ونيابة كلٍّ من: الشيخ ياسر برهامي، والشيخ سعيد عبد العظيم.
أسوق هذه المقدمة التاريخية الموجزة لكي أؤكد على ما ذكرته في السطر الأول من المقال من أن الشيخ قضى "معظم حياته" حاملًا لواء المنهج السلفي فعلًا وقولًا، وكان في الصفوف الأولى في هذه المؤسسة قيادة وتأثيرًا وتنظيرًا؛ تشهد له في ذلك محاضراته وخطبه ومؤلفاته الكثيرة التي تبرز فيها الصبغة السلفية الواضحة، واقرأ له إن شئت كتابه الماتع: (تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد)، وكتابه: (الضوابط الشرعية لتحقيق الأخوة الإيمانية)، وغيرها من الكتب المنهجية الواضحة.
فلم يكن الشيخ في أي مرحلة من حياته داعية لصدام أو لمواجهة الأنظمة، أو لتكفير الحكام والمجتمعات، بل كان الشيخ ينتقد كل هذه الأفكار المنحرفة ويرد على هذه التيارات المتطرفة، لم يحِد عن ذلك قيد أنملة.
وكانت للشيخ كلمة شهيرة يرد بها على كِبر جماعة الإخوان وغرورهم الزائد عندما يقولون: إن الدعوة السلفية ركبت الموجة! فكان الشيخ يقول لهم: هذه دعوة مباركة، ونحن لا نركب الأمواج؛ لأننا البحر.
ولكن من حق الأجيال أن تعرف ما الذي حدث في آخر مرحلة من عمر الشيخ، ولماذا انطلقت الأبواق الصدامية والقطبية تلهج بالثناء على الشيخ بعد موته -دون غيره-، وكأنه رمز من رموز فكرهم المنحرف، في متاجرة رخيصة بموت الشيخ يحاولون بها كسب الأتباع المحبين للشيخ، ويثبتون عليه تهمة لم يجرؤوا أن يلصقوها به أثناء حياته.
ويمكن تلخيص أهم المحطات في تغير فكر الشيخ كما يلي:
(1) بداية نود أن نؤكد أنه لم يُؤثر عن الشيخ طوال تاريخه أي نوع من الانحراف المنهجي، أو التغير الفكري، بل كان الشيخ يمثل مع إخوانه صمام أمان لأبناء هذه الدعوة المباركة، خاصة في المواقف الحساسة، ومنها تعرضه للاعتقال مع مشايخ الدعوة في قضية 2002 وخرج منها بنفس الفكر والمنهج الذي دخل به، ولم يدعُ الناس إلى صدام أو مواجهة، كما كان هو والشيخ ياسر برهامي -حفظه الله- ممَّن أخمدوا نار الفتنة في منطقة محرم بك بالإسكندرية على إثر عمل مسرحي مسيء للإسلام قدَّمته إحدى الكنائس هناك في عام 2005، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة لولا أن الله قيَّض الشيخين لاحتواء الأزمة، وعقدوا ندوة كبيرة في ذلك المكان بينت الأحكام الشرعية وضبطت مشاعر الغضب عند عموم المسلمين.
(2) بعد الثورة تبنت الدعوة السلفية سياسة الانفتاح على جميع الدعاة والمشايخ والكيانات في محاولة لتوحيد الصف ونبذ الخلاف، وجمع الكلمة، وتقريب وجهات النظر، وترتيب أولويات المرحلة، وكان مجلس إدارة الدعوة يفوض الشيخ سعيد في هذه اللقاءات والزيارات مع غيره من المشايخ، فنشأت علاقات صداقة وقرب مع كثير من الرموز في الاتجاهات الإسلامية الأخرى، ولكن بعد فترة من الجهد الكبير من الدعوة وجدت أن كثيرًا من هؤلاء الرموز وهذه الكيانات يتبنون شعار: أن "الإخوان رجال المرحلة"، ومن ثم فمعلوماتهم إنما يستقونها من الإخوان، واجتهادهم الواقعي يكون تبعًا للإخوان، مع تحفظهم على قضايا عديدة من قضايا المنهج عند الدعوة السلفية.
وبالتالي لم تنجح سياسة التقارب مع هذه الهيئات، ولا هؤلاء الأفراد، بل تبيَّن أن الإخوان يقفون خلف تأسيس وإنشاء بعض هذه الكيانات والتجمعات من أجل تفتيت كيان الدعوة وإحداث شرخ داخلي بين قادتها وشيوخها، مثل: "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح".
(3) استغل هؤلاء الأفراد قربهم من الشيخ سعيد، ولمسوا رغبته في التجميع والاحتواء، فاستعملوا كل الوسائل شريفها ووضيعها من أجل أن يوقعوا بين الشيخ وإخوانه في مجلس إدارة الدعوة السلفية، وحيث إنه كان أكثر تواصلًا معهم واستقبالًا لهم وتصديقًا لكلامهم؛ أسفر هذا الأمر عن قدر من الفجوة بين الشيخ -رحمه الله- وبين مجلس الإدارة؛ خاصة في المواقف التي يكون فيها للمجلس رأي جماعي مخالف لما تأثر به الشيخ من السماع للأطراف الأخرى، بل أحيانًا يكون قد تورط في وعد ما؛ ثقة منه في قدرته على إقناع مجلس الإدارة به، فلا يتمكن من ذلك، فيوضع في حرج أمام من وعدهم، فيستغل هؤلاء ذلك في إشعال صدر الشيخ تجاه إخوانه؛ خاصة مع المبالغة الشديدة الممرضة في التبجيل المصطنع منهم للشيخ، مثل: محاولة تقبيل يده، وحمل حقيبته، والمدح الزائد له في وجهه، وهذا لا شك يحدث أثرًا في النفوس خاصة إذا لم تنتبه لذلك.
(4) تم توظيف ما سبق من وسائل غير أمينة في التأثير على الشيخ في أمر ترشح الإخوان لمنصب الرئاسة، فانتزعوا منه تصريحًا: أن الدعوة السلفية ستدعم الإخوان في انتخابات الرئاسة إذا دفعوا بالمهندس خيرت الشاطر إلى الترشح، وهذا الأمر -كما هو معلوم من اللوائح الإدارية للدعوة- لا يتم بشكل فردي، ولا يتم إلا بمشورة جماعية وموازنة دقيقة، وعرض للأمر على مجلس شورى الدعوة، وغيرها من الإجراءات الشورية المعتمدة داخل الكيان.
ومع ذلك كان المهندس خيرت أحد الخيارات المطروحة أمام الدعوة، وجلس معه مجلس الإدارة فور إعلانه للترشح، كما جلسوا مع غيره من المرشحين أصحاب الخلفية الإسلامية، ولكن قدَّر الله أن يخرج المهندس خيرت من السباق الانتخابي، وتنتهي هذه الأزمة مبكرًا.
(5) مما سبق أدركت جماعة الإخوان أن الشيخ سعيد -رحمه الله- يمكن استثماره ليكون بمثابة بذرة الخلاف داخل مجلس الإدارة؛ استغلالًا لحسن ظن الشيخ بهم، وتأثرًا بحسن معاملتهم له، خاصة والشيخ يأسره الإحسان جدًّا، مع حالة من الادعاء مارسها الإخوان مع كل من تعاملوا معهم أنهم الخبراء بمواطن الأمور، العارفون بمجريات الأحداث، القادرون على صنع التأثير، مع التلويح دائمًا بأن البديل للإخوان؛ إما العالمانيون الصرحاء، أو النظام البائد القديم، فيدفعون من أمامهم إلى هذه المعادلة الثنائية الحرجة التي تلزمه أن يختار الإخوان أو يسير في ركابهم أو يصدقهم؛ لأنهم أقرب إلينا من غيرهم.
وقد كشفت لنا الأحداث التفصيلية زيف هذه القسمة الثنائية، فهناك من الرموز من قام الإخوان بشيطنتهم وهم ليسوا كذلك، كما أن كثيرًا من السياسيين غير المؤدلجين وغير المعادين للمنهج الإسلامي هم أقرب إلينا بالفعل من قادة الإخوان الذين يستبطنون تكفير المجتمع، ويعتنقون الأفكار القطبية الصريحة.
(6) كان التأثير الأبرز على الشيخ سعيد من جانب جماعة الإخوان في الموقف من اعتصام رابعة، ومعلوم أن الاعتصام كانت فيه جملة من الكوارث، أبرزها: أنه تحول إلى منصة تكفيرية صدامية بامتياز، فقد حشد الإخوان كل رموز التطرف والصدام وأفسحوا لهم المجال لبث سمومهم الفكرية على الملأ، وهذا الأمر كان من أخطر جرائم هذه المنصة، ولم يمل الإخوان من دعوة كل الرموز الإسلامية إليها، حتى إنهم بعثوا رسولًا إلى الشيخ ياسر برهامي يدعوه إلى زيارة الميدان وإلقاء كلمة من أعلى المنصة، وعندما طالبهم الشيخ بتغيير الخطاب التكفيري المخالف، الصدامي للدولة والمجتمع، تنصلوا في البداية من أن يكون هذا الخطاب قد صدر من رموزهم! ورغم أن الشيخ شارك في الوساطة بينهم وبين رأس النظام في ذلك الوقت على أن يتراجعوا عن خطاب التثوير والصدام؛ إلا أنهم عادوا بعد ذلك ورفضوا الوساطة، وتعهدوا باستكمال المسيرة الصدامية.
(7) الحاصل أن الشيخ سعيد -عفا الله عنه- تحت تأثير الضغط المتلاحق من الإخوان وبفعل العاطفة غير المنضبطة في ذلك الموقف ذهب ووقف على منصة رابعة دون أن يرجع إلى مجلس الإدارة في هذا التصرف الفردي الذي جانبه فيه الصواب.
تكلم الشيخ سعيد على المنصة لمدة عشر دقائق، لا أبالغ إذا قلت أنها مبنية على المعلومات المغلوطة والكاذبة التي لقنتها له الجماعة، مثل: أن عدد المؤيدين للدكتور "مرسي" وصل إلى نسبة 80%، وأن عدد المؤيدين له في الميادين وصل إلى 45 مليون، وقد علق مسئول المنصة بتهكم مصطنع على كلام الشيخ سعيد بأن عدد المؤيدين للانقلاب في ميدان التحرير تجاوز (50) فردًا! تخيل حجم المفارقة، وكأنه لا توجد كاميرات، ولا يوجد بشر يشاهدون الناس في الشوارع ويمرون على نفس الميادين التي يتحدثون عنها!
فضلًا عن الفكرة الجوهرية التي نجح الإخوان في حشو الرؤوس بها من أن هذا انقلاب على الإسلام والشريعة، وأن من سيحكم مصر هم شيوعيون كارهون للإسلام، وأن قادة الانقلاب رتَّبوا هذا الأمر مع الأمريكان واليهود، وأن الانقلاب تم بدعم ومباركة إسرائيلية.
ثم ختم الشيخ كلامه -بالطامة الكبرى- موجهًا خطابه للمعتصمين بالثبات؛ لأنهم في جهاد ورباط، وأن من مات منهم فهو شهيد، فخير لكم أن تتلقوا الرصاص بصدوركم العارية بدلًا من أن تتلقوها في ظهوركم!
وبالطبع فلا يخفى على أي شبل تربى في مساجد الدعوة السلفية أن هذا الكلام مصادم للشرع والعقل؛ فضلًا أن يكون طالب علم أو داعية؛ فضلًا عن أن يكون الشيخ سعيد صاحب كتاب: (تحصيل الزاد) والذي بيَّن فيه مغبة الصدام والتهور، ورد على الجماعة الإسلامية التي كانت تتبنى الصدام والمواجهة المسلحة في ذلك الوقت.
ومن الصيد في الماء العكر: أن يخرج علينا أحد أبرز رؤوس الصدام والذي يحمل في عنقه أوزار دماء تسبب في سفكها عندما هدد الخارجين على الدكتور مرسي بالقتل؛ ذلك هو المدعو عاصم عبد الماجد الذي كتب عقب وفاة الشيخ سعيد: "أنه مات فارًّا بدينه من طواغيت مصر، مفارقًا منافقي حزب النور والمدرسة المدعاة بالسلفية بالإسكندرية التي كان أحد شيوخها الكبار قبل أن تُوالي الطواغيت، وتركن للذين ظلموا!".
نقول له: إن الشيخ سعيد ظل طوال عمره يُبيِّن للشباب خطورة منهجك أنتَ ومَن على شاكلتك، ولم يُؤثَر عنه أن تراجع عن فكره، أو انقلب على سلفيته، حتى وإن بدرت منه زلة رابعة.
المهم أنه لا يسعك -أيها القارئ- بعد معرفة ما قاله الشيخ سعيد على المنصة إلا أن تدعو الله أن يعصمك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن تحمد الله على سلامة المنهج الذي يبصرك مواطن قدمك، وأن تعرف أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، وأن تتمسك بقاعدة: أن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، وأخيرًا أن تدعو للشيخ أن يغفر الله له زلته، وأن يقيل عثرته.
الحقيقة: إن الشيخ سافر بعدها إلى خارج البلاد، ثم أضاف لهذه الزلة أخرى أفدح منها وأكثر خطورة وهي توقيعه على بيان نداء الكنانة الذي ينضح بالتكفير الصريح والصدام الدامي، ثم انقطع الشيخ بعدها عن أي مشاركة قولية أو كتابية، صوتية أو مرئية، فضائية أو إلكترونية، وظل على هذه الحال في مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن توفي -رحمه الله وعفا عنه-.
وقبل أن نختم نريد أن نشير إلى بعض الملاحظات:
(1) كان الشيخ وسط إخوانه طوال عمره صادعًا بالحق عاملًا به، داعيًا إلى الله، معلمًا للخير داعيًا له، لا يكاد يفرغ من عمل علمي أو دعوي، بين خطبة ودرس وندوة، وتأليف كتاب وكتابة مقال؛ فضلًا عن مباشرة الأمور الدعوية والتنظيمية، والسفر بين المحافظات والانتقال بين المساجد؛ فما أن ترك إخوانه -وبتعبير عاصم عبد الماجد: جهر بالحق أمام السلطان الجائر- حتى خمل ذكره، وضعف جهده، وجف قلمه واختفى صوته، ولم يؤثر عنه أن أصدر رسالة أو كتب كتابًا، أو ألقى موعظة؛ فإياك من مفارقة الجماعة، فإن الفرد قليل بنفسه كثير بإخوانه، والشيطان قريب من الواحد ومن الاثنين أبعد.
(2) مات الشيخ فامتلأت صفحات إخوانه وأبنائه بالترحم عليه والدعاء له، وذكر فضائله ومحاسنه، دون توجيه أو تكليف، بل فعل الإخوة ذلك قبل أن تنزل تعزية الدعوة الرسمية، وهذا أثر من آثار التربية السليمة التي تربَّى عليها هؤلاء الأفراد، فرغم علم الجميع بمخالفة الشيخ سعيد لمنهج الدعوة؛ إلا أنهم لم ينسوا جميله، ولم يتنكروا فضله، وحفظوا له مكانته وسبقه.
وطوال فترة مفارقة الشيخ للدعوة لم ينطق لسان أحد قط بكلمة يعيب فيها الشيخ أو يتجاوز في حقه، بل لم يكن من الكبير والصغير سوى دعاء الله له أن يرده إلى دعوته ومنهجه ردًّا جميلًا.
بينما انطلق المخالفون الصداميون يتاجرون بموته ويصنعون منه أيقونة للمواجهة والصدام، يخاطبون بها محبي الشيخ والمتأثرين به؛ أن سيروا على نفس نهجه فهو الحق الصافي، الفار بدينه، المهاجر بنفسه وماله من الظلم والطغيان، وهذا ليس من المروءة ولا الأخلاق، ولكنهم -يا للأسف- لا يعرفون إلى الأخلاق طريقًا.
ووالله، إن هذه التيارات المتطرفة التي توظف موت الشيخ سعيد لكي تطعن به الدعوة وتلمز به شيوخها، لو كان الشيخ سعيد بينهم ثم اختلف معهم لاستحلوا عرضه ولأسقطوه في عيون الناس، وما تورعوا أن يلصقوا به أقبح التهم وأشنع الأوصاف، ويكفي في ذلك شهادة القرضاوي عنهم الذي قال: إن الإخوان إذا أحبوا أحدًا رفعوه فوق السماء، وإن أبغضوه أسقطوه تحت الأرض! وشهادة الشيخ سيد سابق الذي ذكر أن الإخوان حكموا عليه بالكفر والردة؛ لأنه فارق الجماعة.
(3) لم يؤثر عن الشيخ -رحمه الله- بعد هذين الموقفين أي تأييد لجماعة الإخوان ومن على شاكلتهم، بل لاذ الشيخ بالصمت طوال عشرة أعوام من 2014 حتى 2024؛ فكيف نترك تراث الشيخ الواضح عبر تاريخه لموقف عابر زلت فيه قدم الشيخ بفعل العاطفة الجياشة والمعلومات المغلوطة ومكر الجماعة به وخداعهم له؟! خاصة والشيخ لم يستمر على هذا النهج رغم أنه كان يعيش خارج البلاد، ولو أراد أن يعيش دور الثائر المناضل كما قام غيره لفعل، ولكن نظن أن الشيخ حجزه دينه وعقله من أن يستمر في هذا المسلسل القميء، وقد كنا نتمنى أن يصرح الشيخ برجوعه عن اجتهاده واعترافه بخطأ تقديره في هذا الموقف، ولو فعل لكان في ذلك الخير الكثير، ولكن قدَّر الله وما شاء فعل.
وفي الختام نقول تغليبًا للخير وحبًّا في العفو: إن ما وقع فيه الشيخ من مخالفة للمنهج الصحيح في آخر حياته هي بمثابة زلة العالم، وهي سيئة تغمر في بحر حسناته، ويمكن اعتبارها خروجًا عن النص وشذوذًا عن الأصل، ومن كان يحب الشيخ بصدق فلينهل من كتبه وعلمه الذي قدَّمه عبر سنوات عمره، لا أن يتمسك بموقف وحيد، له ظروفه التي عرجنا عليها؛ أما الصداميون فيريدون أن يجعلوا هذه الزلة هي الأصل، وأن يهدموا بها تاريخ الشيخ، ويمحوا بها تراثه العلمي والمنهجي، وهذا مسلك وضيع وطريقة دنيئة، يريدون من خلالها توظيف الحدث لصالحهم لا حبًّا في الشيخ، ولا تقديرًا له. والله المستعان.