كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد يَستغرب البعضُ مواقفَنا السياسية، ويذهب يمينًا وشمالًا في تحليلها، وأحيانًا كثيرة يكون تحليله حسب هواه تجاهنا دون أن يكلِّف نفسه فهم حقيقتنا ومنهجنا؛ فالبعض يظن أننا "نَعُوم مع العايمة!" -على المثل المصري-.
والبعض يتصور أننا لا بد أن نختار موقف النظام في كل القضايا؛ لأننا وقفنا مع بقاء الدولة ضد خيار الفوضى والاضطراب والصراع الصفري في سنواتٍ مَضت؛ فيُقنِع نفسَه ومَن حوله أن هذا هو طريقنا الدائم، وربما عَمي -أو على الأقل أغمض عينيه- عن مواقف كثيرة اختلفنا فيها مع النظام ومع ذلك لم نسعَ للهدم.
والبعض يصفنا بالبراجماتية السياسية ولا يحسن فهم منطلقاتنا في قضية المصالح والمفاسد؛ ولذا يستغرب موقفنا مِن قضية يعتبرها حبرًا على ورق؛ أعني قضية التعديلات الدستورية القادمة، وموقفنا الرافض للنص على مدنية الدولة في الدستور، ولعل هذا الموقف مِن أكبر الخلافات مع النظام عبر مسيرتنا الماضية.
وقد يظن أن إعمالنا لأصل مراعاة المصالح والمفاسد يتعارض مع الموقف الحالي الذي قد يترتب عليه أضرار وأذى، ومزيد مِن الإقصاء، وقد لا يترتب عليه أيضًا؛ فنحن لا يشغلنا ذلك كثيرًا؛ لأن مصلحة الحفاظ على دين الأمة وهويتها وثوابتها مصلحة لا يمكن التنازل عنها في مقابلة ما دونها مِن المصالح.
وقد راجَعتُ بيانًا سابقًا أصدرته "الدعوة السلفية" ليلة عيد الفطر 29 رمضان 1432هـ، الموافق 28 أغسطس 2011م، بعد نحو الشهرين مِن تأسيس حزب النور بعد سلسلةٍ مِن المؤتمرات في أرجاء الجمهورية من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية، كان آخرها المشاركة في مليونيه 29/7/2011م الشهيرة، وكان البيان بعنوان: "مَن نحن؟ وماذا نريد؟"، تضَمَّن ملخصًا لمنهجنا في كل القضايا العقدية والعملية، والسلوكية والخلقية، والسياسية، والنظرة إلى بناء الدولة والمجتمع والأمة بعد بناء الأفراد في تَصوُّرنا الإسلامي.
وحمدتُ الله حين قرأته على نعمته -سبحانه- بعدم تغير المنطلقات التي نبعت منها القرارات عبر سنواتٍ عصيبة مرَّت بها الأُمَّة عامة وبلادنا خاصة، ولمَن أراد أن يعرف منطلقاتنا في اتخاذ قراراتنا نعيد نشر هذا البيان؛ عساه أن يكون موضحًا لأبناء دعوتنا وحزبنا منهجنا وطريقنا، وثوابتنا ومتغيراتنا، وموازين المصالح والمفاسد لدينا؛ ليكون نبراسًا على طريق عملهم الدعوي والسياسي والاجتماعي والعلمي، والله المستعان.
"مَن نَحن؟ وماذا نُريد؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع إشراقة عيد الفطر المبارك نتقدم إلى كل مسلم ومسلمة بأعز التهاني بهذا العيد الذي أتانا وقد أزاح الله عن بلادنا نظام الظلم والطغيان البائد، وأراح العبادَ مِن شر طُغْمةٍ أفسدت في الأرض وصَدَّتْ عن سبيل الله وابتغت السبيل عوجًا؛ فأزال مالكُ الملك ملكَهم ورئاستَهم، سائلين الله تعالى أن يهيئ لأمتنا أمرَ رشد؛ يُعَزُّ فيه أهلُ طاعته ويُهدَى فيه أهلُ معصيته، ويُؤمَر فيه بالمعروف ويُنهَى فيه عن المنكر، وأن يُوَلِّيَ أمورَنا خيارَنا مِن الذين قال فيهم: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)، ولا يُوَلِّيَ أمورَنا شرارَنا، وأن يجعل ولايتَنا فيمَن خافه واتقاه، وآمن به واتبع شريعتَه وسنةَ نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن كل المسلمين الصلاةَ والصيامَ والزكاةَ وسائرَ الأعمال، وأن يعفو عنا ويغفرَ لنا ويرحمَنا وينصرَنا على مَن بغى علينا.
وننتهز هذه الفرصة لنقدِّم للجميع جوابًا على السؤال الذي يقفز إلى ذهن الكثيرين ممَن سمع عنا ولم يسمع منا: مَن نحن؟ وماذا نريد؟
نحن جماعة مِن أبناء هذا الوطن -مصر الحبيبة- رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا، ندعو إلى الله -سبحانه-؛ إلى عبادته والإيمانِ به؛ تحقيقًا لقوله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)، متبعين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بالإسلام كدينٍ شاملٍ كاملٍ ينظِّم حياةَ الفرد والأُمَّة والدولة في الظاهر والباطن؛ في العقيدة والعبادة، والمعاملة والخلق والسلوك؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163).
نريد العودة إلى الإسلام كما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبيضَ نقيًّا بلا شوائبَ، ولا بِدَع، كما فهمه وطَبَّقَه السلف الصالح مِن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَن تبعهم بإحسان؛ الذين نحبهم ونتولاهم ونبغض مَن يبغضهم وبغير الخير يَذكُرهم.
ونريد استئناف حياة إسلامية لبلادنا ولكل المسلمين في الأرض؛ لتحقيق الإسلام والإيمان والإحسان.
ففي العقيدة والإيمان: ندعو إلى توحيد الله -سبحانه- بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في إلهيته، ولا كُفْءَ له في أسمائه وصفاته وأفعاله؛ فهو وحده المتفرد بالخلق والرزق والتدبير (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام:17)، وهو وحده المتفرد بالملك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26)، وقال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (فاطر:13)، وهو وحده الذي له الأمر والحكم والتشريع (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، وقال -تعالى-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (يوسف:40)، وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21)؛ فلا نرضى أبدًا بحكم يخالِف شرعَه الذي أوحاه -سبحانه- إلى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- خاتمِ النبيين الذي لا يقبل الله مِن أحد صرفًا ولا عدلًا إلا بالإيمان به واتباعه، واتباع النور الذي أُنزل معه -القرآن العظيم-.
والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، ونصرة الدين ومتابعة أهله، وعدم طاعة الكفار والمنافقين مِن أصول الإيمان، وهو سبحانه وحدَه الذي يستحق العبادة بكل أنواعها؛ فلا نركع إلا لله، ولا نسجد إلا له ولا ندعو غيرَه ولا نذبح لغيره، ونحارب البدع والخرافات التي تدعو إلى الغلو في الصالحين وصرف العبادة لهم ولقبورهم، وهو سبحانه له الأسماء الحسنى، الرحمن على العرش استوى، الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد؛ ندعوه بأسمائه، ونحبه مِن كل قلوبنا، ونخافه ونرجوه ونتوكل عليه، ونتجنب البدع، ونؤمن بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، والقضاء والقدر على ما جاء في الكتاب والسُنَّة.
وفي العبادة والعمل: نتبع سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونحارب البدع كلَّها، ونسعى إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في الأمة كلِّها، وكذا صوم رمضان والحج، وندعو إلى تجنب الحرام في المعاملات والأعمال، فلابد أن تُضبَط الدنيا بالدين؛ فنرفض الربا -ومنه فوائد البنوك الربوية- والرشوةَ التي دمَّرت المجتمع والميسرَ -القمار والغرر-، وثمنَ الخمر والخنزير، والميتة والأصنام، وكلَّ بيع أو إجارة ثبت النهي عنها في الكتاب والسُّنة أو أعانت على معصية الله.
وفي الأخلاق والسلوك: نرى أن تَقَدُّمَ الأمة ورفعتَها في عودتها للتمسك بالأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام -وأصلها مراقبة الله والإخلاص له-؛ فنأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والمُعَامَلين، وغض البصر وحفظ الفرج، وصدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعقود، وتعظيم حرمات المسلمين والمعاهَدين والمستأمَنين مِن غيرهم، وننهى عن سفك الدماء وغصب الأعراض والأموال، ونسعى إلى حل المنازَعات بين الناس بشرع الله، ونحارب الخمر والمخدرات، والزنا والتجارة والعمل في كل ذلك، وما يعين عليه.
وفي السياسة وأنظمة حياة المجتمع: نسعى إلى إقامة دين الله في الأرض وسياسة الدنيا به، وإيجاد فروض الكفاية كلِّها:
- مِن نظام تعليم: يرتقي بأبناء الأمة ويُخَرِّج لنا أجيالًا تفهم دينها وتعمل به وتُكَوِّن كفاءات في جميع مجالات الحياة -مِن طب وهندسة وفيزياء وزراعة وصناعة وكلِّ الأنشطة الإنسانية- تقود الأُمَّة إلى النهوض من رقدتها، وتضعها أمام كل الأمم.
- ومِن نظامٍ إعلامي واعٍ: يقوم على الصدق والأمانة، وتوضيح الحقيقة، ومحاربةِ المبادئ المخالِفة للشرع والشهوات المغوية والشبهات المضلة.
- ومِن نظامٍ قضائي عادل: يقوم على القسط الذي شرعه الله، وجزءٌ منه نظام العقوبات الإسلامي، مِن حدود وردت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بضوابطها الشرعية وتعزيرات لردع المفسدين، وهذه كلها لا تخيف أحدًا مِن أهل الخير والصلاح، بل بها تقوم السماوات والأرض؛ لأنها العدل، وليس ما اخترعه البشر مِن عقوبات أو قضاء بخلاف الشرع ما جرَّ على الناس إلا مزيدَ الفساد للمجتمع، ونشرَ الظلم والمنكر فيه.
- ومِن نظام اقتصادي يهدف: إلى تحقيق التكافل بين الطبقات الاجتماعية بلا غنى مُطغٍ ولا تسليطٍ لرأس المال، ولا فقرٍ مُنسٍ يقهر الطبقات الفقيرة الكادحة؛ بل يجد كلُّ واحدٍ كفايتَه، ويتقاسم الناس فيه الخير والرخاء والثروات بنظام الزكاة، ويتجنب النظام الربوي وأنظمةَ الميسر والقمار المتفرعةَ عنه، كما يحافظ على الملكية الخاصة، ويمنع مصادَرة الأموال بغير حق طالما اكتسبها صاحبُها بالحلال مهما بلغت، طالما أدَّى ما عليه؛ كلُّ هذا مع الانفتاح على العالم -وأولًا العالم العربي والإسلامي- لتحقيق الخير للأمم والشعوب في ظل الشرع.
- ومِن السياسة الخارجية وفي مجال الحرب والسلم: فلا بد مِن تقوية الجيش الذي يدافع عن الدين والبلاد والعباد، ويحافظ على الكرامة، كما نفي بالعهود والمواثيق ولا نغدر ولا نخون.
- ومِن النظام الاجتماعي: ندعم المحافظة على الأسرة، ونؤكد على حق المرأة والضعيف كما ورد في الشرع لا على حسب أهواء الغرب ومنظَّماته الهادمة لمبادئ الشريعة، كما نسعى إلى وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير كما أمر الله، ونؤكد حقَّ اليتيم والأرملة والمسكين.
- ونعرف لغير المسلمين من أهل الكتاب حقَّهم؛ ألا يُكرِهَهم أحدٌ في دينهم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (الأعراف:54)، وهم جزء مِن المجتمع له حقوقه وعليه واجباته كما شرع الله لهم في أحوالهم الشخصية مِن زواج وطلاق ونحوه أن يتحاكموا إلى شرائعهم طالما لم يختلفوا؛ فإذا اختلفوا واحتكموا إلينا حكمنا بينهم بشرع الله، كما لا يُمنعون مِن ممارسة شعائرهم في بِيَعهم وكنائسهم، ولا مِن أكل ما اعتقدوا حِلَّه كخنزير أو خمر على أن لا تكون في الأسواق والأماكن العامة.
ونأمر بالعدل معهم والبر والإحسان لمن لا يحارب المسلمين في الدين، ونرى جواز البيع والشراء، والإجارة والشركات والمضارَبات، وسائر الأنشطة التي أحلها الله، ولهم دورهم في بناء المجتمع والدولة، وهم مسئولون عن ذلك مع المسلمين وإن لم يتولوا الولايات العامة التي تهدف إلى إقامة الدين؛ فلا يُتصوَّر أن يتولاها مَن لا يؤمن بهذا الدين، ونحفظ حرمةَ دمائهم وأعراضهم وأموالهم امتثالًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) (رواه البخاري)، وندافع عنهم كما ندافع عن المسلمين في ذلك كله، وقد قمنا بذلك -بحمد الله- أثناء الثورة -باركها الله-.
فهذه هي السياسة الشرعية التي نريد أن توضِّح للناس نموذجًا يختلف عن كل النماذج التي رأوها أو سمعوا بها؛ لأن مرجعيتها كانت على خلاف الشريعة، ومرجعيتنا في المشاركة السياسية: الشريعةُ الإسلامية التي نريد المحافظة على هُوية الأمة بالتمسك بها وتفعيلها؛ حتى تتحول كلُّ التشريعات إلى ما يوافق الوحيَ المنزَّل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فهذه خطوط عريضة لحقيقة دعوتنا وأهدافنا، ووسيلتُنا في تحقيق ذلك: ما أمر الله مِن التعاون على البر والتقوى، وجماعتُنا ترى لزومَ ذلك والاجتماعَ عليه في كل المجالات، بما في ذلك مجال المشاركة السياسية مِن خلال الأحزاب التي تقوم على مرجعية الشريعة وتتعاون معًا لتحقيق الهدف المنشود.
أعاد الله الأعيادَ على أُمَّة الإسلام كلِّها بالنصر والتمكين، والعز والكرامة، ورَفَعَ عنها الظلمَ والعدوان.
اللهم احفظ بلادنا آمنة مطمئنة رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين.
تقبل الله منا ومنكم".