كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية الكثير من المظاهرات الطلابية العارمة؛ احتجاجًا وتضامنًا مع شعب غزة في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تعرض -ويتعرض- لها شعب قطاع غزة من شهور طويلة، في واحدة من المشاهد العجيبة؛ التي ما كانت لتحدث لولا صمود وصلابة المقاومة الفلسطينية وجَلَد وثبات، وصبر وتحمل شعب غزة الأبي!
وهو ما دفع الكثيرين في أمريكا ودول أوروبا الغربية إلى إعادة النظر من جديد في وجهة نظرهم نحو القضية الفلسطينية ككل، ومعاناة شعب غزة خاصة، ثم مخالفة ما عليه سياسات حكوماتهم من التأييد المطلق والدعم المفرط لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على شعب غزة، والذي أسفر عن عشرات الآلاف من الشهداء وعشرات آلاف أكثر من المصابين والمفقودين، مع تدمير البنية التحتية العمرانية والصحية والتعليمية والاقتصادية للقطاع، إلى جانب استخدام سلاح القتل البطيء من خلال الحصار الكامل لمنع الطعام والماء والوقود والكهرباء والدواء والمساعدات الطبية والإنسانية، في واحدة من أسوأ الجرائم الإنسانية في تاريخ البشرية الحديث، وهي الجرائم التي حركت وهزت مشاعر الشباب والطلاب في أمريكا وأوروبا الغربية الذين نشأوا وتربوا على مناصرة إسرائيل والتعاطف معها منذ نشأتها عبر عقود طويلة، في ظل هيمنة الصهيونية العالمية على الإعلام الغربي المرئي والمقروء والمسموع ، وما يروج له من مفاهيم خاطئة ومعلومات كاذبة عما يحدث داخل فلسطين المحتلة، وكذلك في ظل السياسات الاستعمارية والعنصرية لحكام وزعماء وساسة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، والتي تعد إسرائيل بفضلهم وبجهودهم النموذج الأبرز -وربما الوحيد- في العالم حاليا للاستعمار العسكري المباشر البغيض وللتفرقة العنصرية المجحفة؛ إذ إن كل من يدرس جيدا التاريخ الحديث للمنطقة العربية يدرك أن إسرائيل هي من صناعة الغرب، صنعها على عينه الاستعمار القديم (بريطانيا)، وتولى كبر دعمها وحمايتها واستمرارها من بعده الاستعمار الجديد (الولايات المتحدة)، لتكون إسرائيل دائما أداة لعدم الاستقرار في المنطقة العربية تستنزف طاقاتها وقدراتها، وتحول بينها و بين تقدمها وازدهاها وتحقيق وحدتها التي فيها قوتها وعزها.
البداية في الولايات المتحدة:
رغم أن الاحتجاجات على الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة ظهرت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في مناطق متعددة معتاد فيها القيام بالاحتجاجات في الولايات المتحدة سواء أمام البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكي أو مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لكن على غير المتوقع اشتعلت المظاهرات الطلابية العارمة في الجامعات الأمريكية، والتي بدت أشبه بثورة طلابية لم تشهدها أمريكا من قبل في تاريخها الحديث؛ إذ إن حجم هذه المظاهرات الكبير لم يكن يتخيله أحد، وهي تعارض وتناهض سياسة الحكومة الأمريكية، في سابقة لم تشهد الجامعات الأمريكية مثلها من قبل ربما منذ الحرب في فيتنام، فكانت أشبه بالزلزال، فالطلبة الذين يدرسون مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي لجأوا إلى التعبير عن استنكارهم لما يحدث داخل غزة؛ فهناك إبادة جماعية، وهناك ازدواجية في المعايير.
لقد دفعت الانتهاكات الشنيعة وغير المسبوقة التي يتعرض لها شعب فلسطين الكثير من الأمريكيين إلى البحث وبشكل شخصي عن الحقيقة، والتعرف على المعلومات الصحيحة عما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وعدم الاعتماد الكلي فقط على الإعلام الأمريكي الذي لا يقول الحقيقة كاملة.
ورغم أن الدستور الأمريكي يكفل للمواطنين حرية التعبير عن الرأي ويكفل حرية التظاهر السلمي بدون وجود أي مظاهر للعنف أو التحريض عليه فقد تعرضت تلك المظاهرات الطلابية داخل الجامعات الأمريكية للقمع وتعرض المشاركين فيها للاعتقال.
كانت الشرارة الأولى في جامعة كولومبيا، والتي توصف بأنها جامعة تضم طلاب أبناء النخب في الولايات المتحدة، والتي منها انتقلت المظاهرات إلى الجامعات الأمريكية الأخرى.
وقد قام رئيس مجلس النواب الأمريكي (مايك جونسون) بزيارة جامعة كولومبيا حيث هدد رئيسة الجامعة (نعمت شفيق) -وهي من أصول مصرية- بأنه إن لم يتم احتواء المظاهرات سريعًا فسيتم الدفع بقوات من الحرس الوطني إلى الجامعة، ويذكر أن قوات الحرس الوطني تلك قد تسببت من قبل في قتل طلاب عام 1970 خلال مظاهرات الاحتجاج على الحرب في فيتنام، وبدورها قامت رئيسة الجامعة باستدعاء الشرطة إلى داخل الجامعة لفض المظاهرات والسيطرة على الأوضاع.
جاء القمع للمظاهرات تارة بزعم وجود أشخاص أو نشطاء من خارج الجامعة يحرضون الطلبة على العنف، وتارة بأن هذه التظاهرات تجعل الطلبة اليهود هدفًا لها، خاصة وقد ندد (نتن ياهو) بتلك المظاهرات ودعا الحكومة الأمريكية إلى وقفها بزعم أنها معادية للسامية. وقد استخدمت قوات الأمن العنف والغاز المسيل للدموع لفض المتظاهرين؛ الأمر الذي زاد من حدة الاحتجاجات وانتقالها إلى جامعات أخرى. وقد تم اعتقال أكثر من مائة من الطلاب المعتصمين في جامعة كولومبيا من بينهم ابنة لإحدى النائبات الأمريكيات.
وفي جامعة جنوب كاليفورنيا ترتب على التظاهرات فيها الإعلان عن إلغاء حفل التخرج الذي كان مقررًا عقده في 10 مايو 2024، وذلك عقب اعتقال أكثر من 90 متظاهرا داخل الجامعة، حيث أقام الطلاب المتظاهرون ما أسموه (مخيم فلسطين الحرة) في إحدى المناطق المركزية بالجامعة. وقد صرَّحت المتحدثة باسم المتظاهرين أن المخيم الذي نظمته حركة الطلاب يمثل التضامن مع فلسطين، وأنه استجابة لدعوة للتصعيد خاصة فيما يتعلق باعتقال وقمع الطلاب المؤيدين لفلسطين، لقد مثلت الاعتصامات داخل ساحات الجامعات بالخيام متماثلا لما يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني نازح ومشرد في قطاع غزة، فكانت دافعا لمزيد من الحراك في الجامعات الأخرى داخل أمريكا وخارجها.
وفي جامعة (إيمرسون) في (بوسطن) تم إلقاء القبض على 108 من الطلاب، بينما في جامعة (تكساس) تم اعتقال 55 شخصا. وقد هددت بعض إدارات تلك الجامعات بفصل الطلاب المحتجين.
وفي جامعة (ميتشجان) تم نصب معسكر ضم حوالي 20 خيمة بالساحة الرئيسية في الجامعة، مما دفع الجامعة إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية داخل الجامعة. كما امتدت الاحتجاجات الطلابية إلى جامعات أخرى زادت عن 40 جامعة منها: جامعة (هارفارد) و(بيلوتافتس) و(نورث وسترن)، وهي جامعات معظمها لا يلتحق بها إلا الطلاب النوابغ والمتفوقون وكذلك أبناء المليارديرات والتي تؤهل وتضمن للخريجين منها المراكز والوظائف المرموقة في الدولة. وقد انضم إلى الطلاب أيضًا بعض الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس بتلك الجامعات حيث ساندت الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات المتظاهرين من الطلاب رافضة سياسة القمع ضدهم.
وقد بلغ من قوة دوي تلك التظاهرات والاحتجاجات ما جعل (نتن ياهو) رئيس وزراء إسرائيل يقوم بالتعليق عليها والهجوم عليها ووصف طلابها بمعاداة السامية داعيا الحكومة الأمريكية بالتصدي لتلك الاحتجاجات ومنعها، بينما دعا (بن غفير) عضو الحكومة الإسرائيلية المتطرف إلى تشكيل مجموعات مسلحة للتصدي لهؤلاء الطلاب المتظاهرين وقمعهم.
مطالب للطلبة المتظاهرين:
وقد كان من مطالب الطلاب المتظاهرين قطع استثمارات الجامعات مع إسرائيل ومع الشركات التي تساعدها في حملتها العسكرية؛ إذ إن جامعة كولومبيا -على سبيل المثال- لديها استثمارات مباشرة في شركات؛ مثل: أمازون وجوجل اللتين أبرمتا عقدًا للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية.
كما طالب الطلاب بسحب استثمارات الجامعة مع شركة (مايكروسوفت) التي تستخدم وزارة الدفاع الإسرائيلية خدماتها، وكذلك شركة (لوكهيد مارتن) التي تزود إسرائيل بالسلاح؛ كما طالبت مجموعة من الطلاب في معهد (ماساتشوستش) للتكنولوجيا أطلقت على نفسها (علماء ضد الإبادة الجماعية) بتوقف المعهد عن قبول التمويل البحثي من الجيش الإسرائيلي، بينما رفض متظاهرون في جامعة (ميتشجان) نقل مخيمهم الذي أقاموه بالجامعة حتى تتوقف الجامعة عن إرسال الأموال إلى مديري الاستثمار الذين يستفيدون من الشركات أو المقاولين الإسرائيليين.
ووفقًا لما جاء في منشور على وسائل الاتصال الاجتماعي من جامعة كاليفورنيا أن المتظاهرين حثوا أيضًا إدارة الجامعة على قطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات والبرامج الإسرائيلية (راجع في ذلك: مقال: مأساة غزة تشعل المظاهرات في جامعات أمريكية، جريدة الأسبوع - عدد 29 إبريل 2024 - 20 شوال 1445، ص 6).
وقد عقدت لجنة التعليم في الكونجرس الأمريكي جلسة مساءلة لرؤساء ثلاث جامعات أمريكية، وهي (بنسلفانيا) و(هارفارد) ومعهد (ماساتشوستس)، بدعوى عدم القدرة على السيطرة على خطاب الكراهية لليهود، وبدعوى إعطاء مساحة لمعاداة السامية في جامعاتهم، وطالبت بعض رؤساء الجامعات بالاستقالة، وقد استقالت بالفعل رئيسة جامعة بنسلفانيا بعد أربعة أيام من تلك الجلسة، وأعقبتها أيضا استقالة رئيسة جامعة هارفارد.
ويرى مراقبون في الشأن الأمريكي أن تلك الأحداث داخل الجامعات الأمريكية سيكون لها أبعاد مختلفة وتأثير على الانتخابات الأمريكية المقبلة في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط لإدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) خلال شهور العدوان على قطاع غزة؛ خاصة وأن أجندة الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه (بايدن) تميل في سياستها الخارجية إلى تأييد حل قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
المظاهرات الطلابية في أوروبا:
امتدت المظاهرات الطلابية إلى أغلب دول أوروبا الغربية حيث شهدت الجامعات خاصة في دول أوروبا الغربية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والداعمة لها بقوة ماديًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا، إلى جانب تظاهرات طلابية في دول أخرى غير أوروبية. وقد شهدت هذه المظاهرات الأوروبية إصرارًا واستمرارية في مواجهة سياسات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل؛ نظرًا لما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلية من أعمال إبادة جماعية ضد شعب غزة وقتل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب الأعزل الذي لا يحمل السلاح بدم بارد.
ومع تصاعد الاحتجاجات والاعتصامات للحركة الطلابية كان القمع حاضرًا:
- ففي فرنسا قمعت الشرطة في 30 إبريل 2024 احتجاجات طلبة جامعة (تولوز)، وكان الطلاب المحتجون فيها يطالبون بإنهاء شراكة جامعتهم مع جامعتين إسرائيليتين متواطئتين مع الإبادة الجامعية في غزة، كذلك امتدت الاحتجاجات إلى جامعة (رامس) التي استولى فيها الطلاب على مكتبة الجامعة كشكل من أشكال الاحتجاج. وفي معهد (باريس) للعلوم السياسية صعد الطلاب إجراءاتهم في يوم الخميس 2 مايو 2024 حيث بدأ 7 طلاب منهم إضرابًا عن الطعام، مما دفع الشرطة في اليوم التالي -الجمعة 3 مايو- إلى العمل بالقوة على فض الاعتصام وإجلاء الطلاب المحتجين.
- وفي هولندا فضت الشرطة بالقوة اعتصامًا للطلاب في جامعة (أمستردام).
- وتكررت أحداث مشابهة في جامعة (برلين) في ألمانيا.
وقد نجحت تلك الاحتجاجات الطلابية في تحقيق بعض الإنجازات؛ منها:
- قيام بعض الجامعات الغربية بقطع علاقاتها مع شركات إسرائيلية.
- موافقة بعض الجامعات الأخرى على دراسة استثماراتها وعلاقتها مع دولة الاحتلال، ومنها: كلية (ترينيتي) في إيرلندا، وجامعتي (مينيسوتا) و(براون) في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة (جولد سميث) في بريطانيا، وجامعة (برشلونة) في إسبانيا.
- وفي إسبانيا أصدر مجلس الجامعات الإسبانية الذي يضم 76 جامعة في 10 مايو 2024 بيانًا يدعم التحرك الطلابي متعهدا بمراجعة العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، مع الإعلان عن العزم على قطع العلاقات مع أي جامعة لا تلتزم بالسلام والقانون الدولي (راجع في ذلك: مقال: الحرب على غزة والحراك الطلابي: القوة والتأثير، للباحث التونسي يحيى قاعود والباحثة دعد محمود – مجلة الديمقراطية - مؤسسة الأهرام – عدد يوليو 2024، 224-227).
وبالتأكيد فإن مثل هذه النتائج لا تعني إمكانية التغيير المطلوب للدول الغربية في دعمها لإسرائيل في يوم وليلة، لكن -على الأقل- ستكون أشبه بأمواج عائقة أحدثتها أصوات الطلبة وهدير هتافاتهم المطالبة للحرية والعدل المفقود في حق الفلسطينيين، وهي أصوات ليست هينة أو ضعيفة؛ لأنها صادرة من أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية الغربية والتي جعلت لأمريكا ودول أوروبا الغربية تفوقها وسبقها العلمي.
تأثير الحراك الطلابي العالمي:
- تكمن قوة تأثير هذا الحراك الطلابي العالمي في كونه حراكًا في مجتمع أكاديمي، تكتسب فيه المؤسسات التعليمية وزنًا مهمًّا فهي تضم ملايين من الطلاب والباحثين والأساتذة والموظفين حول العالم، وهي ملايين تمتاز بسمات العلم والمعرفة ولها تأثيراتها على كل الطبقات الاجتماعية الأخرى.
- إمكانية تخطي الاحتجاجات أسوار الجامعات خاصة في ظل القمع المتصاعد التي تتعرض لها الحركات الطلابية، بدأ من مشاركة أهالي الطلبة لمساندة أبنائهم الطلبة وكذلك أساتذة الجامعات، والعديد من الشخصيات العامة المؤثرة.
- كون الحراك الطلابي العالمي يأتي من إيمان متأصل بحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة بين المتخصصين من هؤلاء الطلاب والدارسين للقانون الدولي وحقوق الإنسان، أو من دارسي العلوم السياسية وعلم الاجتماع، وهو إيمان إن تأكد لا يسهل هدمه بالدعاية السياسية الموجهة أو الوعود المزيفة.
- اكتساب أنصار للقضية الفلسطينية يتضامنون معها لا على أنها قضية إنسانية فحسب بل لكونها أيضا قضية سياسية.
- كون هذا الحراك يحدث في الدول الغربية الداعمة بقوة لجيش الاحتلال في جرائم الإبادة الجماعية من خلال المشاركة والدعم المادي والعسكري والحماية بالفيتو المتكرر في الأمم المتحدة يشير إلى خطأ هذا الدعم وخطأ القائمين عليه من باب (وشهد شاهد من أهلها).
- احتمالية تصاعد الاحتجاجات الطلابية في كل -أو معظم- دول العالم شرقًا وغربًا، وتشكيل رأي عالمي متضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني يتسبب في عزلة كبيرة لدولة الاحتلال، وربما يهدد بقطع العلاقات معها، والاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية المرتقبة في المحافل الدولية.
- إمكانية التأثير الفعلي للحراك في السياسات الغربية؛ خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في عدة دول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التحرك الطلابي الحالي في دول العالم الغربي واستمراره وتصاعده يتطلب إلى جانب تنظيم هذا التحرك قيام الطلبة العرب والفلسطينيين بمد هذه الحركة الطلابية في دول العالم الغربي بالفيديوهات الحية والبيانات والمعلومات الدقيقة الموثقة حول جرائم قوات الاحتلال وأعمال الإبادة الجماعية والمحافظة على التواصل والتفاعل معها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها لتعزيز مواقف التحرك الطلابي العالمي، وللزيادة من حجم تضامنه مع القضية الفلسطينية.
جندي أمريكي يحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية:
بعيدًا عن الاحتجاجات الطلابية وتوابعها في الولايات المتحدة فقد شهدت أمريكا صورة أخرى صارخة من الاحتجاج على جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية في حق الفلسطينيين في غزة، وتداولتها وسائل الإعلام العالمية، قام بها جندي أمريكي بعد مرور نحو أربعة أشهر من العدوان على قطاع غزة، حيث نقلت وسائل الإعلام الأمريكية خبر إحراق الجندي الأمريكي (آرون بوشنيل) نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في (واشنطن)، وهو بكامل ملابسه العسكرية احتجاجًا على الجرائم التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.
وبوشنيل هو جندي في القوات الجوية الأمريكية منذ 2020، حيث يعمل فني أنظمة عملاء في إدارة التكنولوجيا، ويسعى للحصول على بكالوريوس العلوم في هندسة البرمجيات في جامعة (نيو هامبشاير)، وهو يقيم في سان أنطونيو بولاية تكساس. وقد سكب الجندي مادة قابلة للاشتعال من قارورة على نفسه وأشعل النار فيها، وتم نقله إلى مستشفى محلي في حالة حرجة حيث توفي متأثرًا بحروقه.
وقد قام الجندي الشاب ببث مقطع فيديو له على الهواء مباشرة عبر الإنترنت عبر منصة (تويتش) الاجتماعية قبل الحادث قال فيه: (لن أكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية). وقال: (لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية).
وأضاف وهو في طريقه إلى مبنى السفارة الإسرائيلية: (سأنظم احتجاجًا عنيفًا للغاية الآن، ولكن احتجاجي ليس كبيرًا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم)، ثم أضرم النار في نفسه وهو يصرخ: (الحرية لفلسطين)، يكررها مرارًا حتى توقفت أنفاسه.
وقد أثار مشهد الحرق مشاعر الفزع لدى المواطنين الأمريكان، وصاحبها مشاعر من الغضب تجاه مسئول تأمين السفارة الإسرائيلية الذي اكتفى بإشهار مسدسه في وجه بونشنيل دون أي مسارعة منه لإطفاء النار، كما تملك الكثيرون الغضب من الإعلام الأمريكي الذي تعامل مع الحدث وكأنه حدث محدود الأهمية. وقد أعاد هذا الحدث الدرامي الدموي وقتها من جديد الأزمة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون إلى صدارة نشرات الأخبار الأمريكية والدولية مرة أخرى بعد أن خبت شعلتها قليلًا فلم تعد في صدارة الأخبار (راجع مقال: آرون بوشنيل يهز ضمير العالم، لمحمد البنا - جريدة النهار المصرية - عدد 28 فبراير 2024، ص 3، ومقال: رسائل الجندي بوشنيل) لأحمد أبو المعاطي - جريدة الأهرام - عدد 1 مارس 2024، ص 12).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.