كتبه/ خالد آل رحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى- مخاطبًا الإنسان حين تأتيه سكرات الموت: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق: 22)، والغفلة اصطلاحًا كما قال المناوي: فقد الشعور بما حقه أن يشعر به.
وقال الكفوي: عدم إدراك الشيء مع وجود ما يقتضيه. وقال الجرجاني: الغفلة عن الشيء هي أن لا يخطر ذلك بباله. وقيل: إبطال الوقت بالبطالة.
وقد وردت كلمة الغفلة في كثير من آيات القرآن تدل على التهاون وعدم إدراك خطورة تلك الغفلة عن الحق وعبادة الواحد الأحد -سبحانه وتعالى-، وقد نهى الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن الغفلة فقال: (وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ) (الأعراف: 205)، ونهاه عن طاعة الغافلين فقال: (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28)، وأمره بإنذار الغافلين فقال: (وَأَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ إِذ قُضِيَ الأَمرُ وَهُم في غَفلَةٍ وَهُم لا يُؤمِنونَ) (مريم: 39). وقال -تعالى-: (لِتُنذِرَ قَومًا ما أُنذِرَ آباؤُهُم فَهُم غافِلونَ) (يس: 6).
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "كأنك بالعمر قد انقرض هجم عليك المرض وفات كل مراد وغرض، وإذا بالتلف قد عرض أخاذًا: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
شخص البصر وسكن الصوت ولم يمكن الإدراك للفوت ونزل بك ملك الموت فسامت الروح وحازى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
عالجت أشد الشدائد فيا عجبًا مما تكابد، كأنك سُقيت سم الأساود فقطع أفلاذا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
بلغت الروح التراقي ولم تعرف الراقي من الساقي ولم تدر عن الرحيل ما تلاقي عياذًا بالله عياذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
ثم درجوك في الكفن وحملوك إلى بيت العفن على العيب القبيح والأفن، وإذا الحبيب من التراب قد حفن وصرت في القبر جذاذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
وتسربت عنك الأقارب تسري تقد في مالك وتفري، وغاية أمرهم أن تجري دموعهم زذاذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
قفلوا الأقفال وبضعوا البضاعة، ونسوا ذكرك يا حبيبهم بعد ساعة، وبقيت هناك إلى أن تقوم الساعة لا تجد وزرًا ولا معاذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
ثم قمت من قبرك فقيرًا لا تملك من المال نقيرًا، وأصبحت بالذنوب عقيرًا؛ فلو قدمت من الخير قليلًا؛ صار ملجأ وملاذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
ونصب الصراط والميزان وتغيرت الوجوه والألوان، ونودي شقي فلان بن فلان، وما ترى للعذر نفاذًا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا).
كم بالغ عذولك في الملام، وكم قعد في زجرك وقام، فإذا قلبك ما استقام قطع الكلام على ذا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) (التبصرة).
نعوذ بالله من الغفلة والنسيان، والله من وراء القصد.