الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
منذ سنين عدة, وفي واحدة من هذه النكبات التي قد أصيب بها المسلمون -وما أكثرها- ألحت عليّ هذه الكلمات لأكتبها, لكي أعزي بها نفسي وإخواني, لكي أستنهض بها همماً لطالما فترت, وعزائم لطالما خارت.
والآن وبعد السنين المتطاولة رجعت لهذه الكلمات بعينها فوجدتها حارة كحالتها الأولى, متألمة كما كانت دائماً, ما زالت تستنهض نفس الهمم, وما زالت نفس الهمم فاترة.
وكم من جرح حديث جدد في النفس أثر الجرح القديم, أو نكأه بعدما كاد أن يلتئم.
ومن أجل الجرحين كليهما, بل من أجل كل جرح أصيبت به أمتي أقول:-
يا أمتي...... لا تحزني
يا أمتي....... قد رأيت ما يحل بك صباح مساء من آلامٍ وجراحٍ, ومصائبَ وأتراحٍ, رأيت حماك يُنْتَهك، وكرامتك تهدر، ودماء أبنائك أرخص دماء العالمين.
يا أمتي....... قد اعتصرني الألم حينما رأيتك ضحية لتآمر الأعداء وتقصير الأبناء.
يا أمتي....... كم من مخلص في حبكِ خلف الأسوار وضعوه! وكم من أبنائك من يقاتل دونكِ، ولكن بتهمة كاذبة وصموه! وكم من داع إلى سبيل رفعتك عن غايته قد صدوه!
يا أمتي....... أنت أحب أمم الأرض إلى رب السماوات والأرض, ولكن اجتمع عليك من بأقطارها يريدون هلاككِ وإذلال بنيكِ (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (البروج:9)
يا أمتي....
في كل جزء من بلادي قصـــــــة |
تروي ضياع كرامة الإنسـان |
هي قصة الإسلام في أوطانـــــــــــه |
أمسى غريبا كالطريد الجانـي |
هي قصة صاغ الحديـد فصولهـــا |
عن أمة التوحيد والقـــــــــرآن |
فالشــام تنــدب والعـــراق كئيبــــــة |
والحزن خيم في ربى لبنــــــان |
ويردد الأقصى حزينــــــا دائمــــــا |
يا أمة التوحيــــد أين مكانــــي |
وفي القوقاز سالت دمانا رخيصــــة |
حتى بلغن قرى أخـي الأفغانـي |
وفي البشــــناق أرض الكرامة أبحر |
من الآلام والطغيان والأحـــزانِ |
هذا قضــاء الله أنفــذ وعـــــــــــــــده |
وليأتين النصر بعد قرب زمانِ |
يا أمتي....... هؤلاء الأعداء كلهم لم يخرجوا لحربكِ, بل الله أخرجهم, كما أخرج فرعون من قبل (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:57-59), كما أن الله –سبحانه- سلط عليهم شياطينهم يغوونهم (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً) (مريم:83-84), وهو -سبحانه- الذي جعل هذه العداوة بين أهل الإيمان و أهل الكفر (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً),(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)
يا أمتي........ إن الله -سبحانه- (هو الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، وهو (غالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون َ)، وهو (العزيز) الذي لا يغالب ولا يمانع فلا لنقص عزته هزم أولياؤه, وهو (القدير) فلا لعجزه أصابهم ما أصابهم, وهو (العليم) الذي وسع كل شيء علماً فلا يقع في ملكه من إيذاء للمسلمين إلا بعلمه، ولا يكون من أعداءه من مكر أو كيد إلا (وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)، (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ), وهو (الحكيم) الذي اقتضت حكمته ذلك كله لأنه -سبحانه- يحب أن يرى من عباده المؤمنين الصابرين المجاهدين ما يرفعهم به فوق أعدائهم (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
يا أمتي....... أبشري فالنصر قادم لا محالة, ألم يقل الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله -عز وجل- بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين, يعز عزيزاً أو يذل ذليلاً , عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر ) رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن تميم الداري, قد أتاكِ وعد من الله (وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ)، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
يا أبناء أمتي....... بقدر ما نحقق من الإيمان يقترب النصر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ), وبقدر ما نحقق الإيمان لا يتسلط علينا الأعداء (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً), وبقدر ما نحقق من الإيمان يتحقق التمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
يا أبناء أمتي....... (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
يا أبناء أمتي.......(لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)، (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
يا أعداء أمتي....... (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).
يا أعداء أمتي....... (إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ِ).
يا أعداء أمتي....... (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون).
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.