الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 19 نوفمبر 2011 - 23 ذو الحجة 1432هـ

السلفيون والحداثة السياسية

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن أكثر ما يعترض به البعض، أو قل يمارس به الدعاية المضادة لمشاركة السلفيين في العملية السياسية أنهم حدثاء عهد بالمجال السياسي! وأنهم ليسوا رجال المرحلة؛ لأنهم لا خبرة لهم بدهاليز السياسة وألاعيبها، وربما اتهمهم البعض بالسذاجة وعدم الحنكة وقلة الخبرة إلى قائمة طويلة من التهم التي قد تصاغ أحيانًا في ثوب النصيحة، أو في ثوب التدين واختيار الأصلح.

ونقول في جواب من يعترض أو يستنكر علينا دخول غمار السياسة بعد إعراض طويل:

أولاً: شرف لنا وأيما شرف ألا نكون قد شاركنا في لعبة السياسة، وأنا أقصد لفظ اللعبة في العصر البائد؛ لأنها في الحقيقة كانت مسرحية هزلية أولها التزوير الذي يشرف عليه "أمن الدولة"، وآخرها "المواقف السرورية" التي كان يحسم بها رئيس المجلس كل نقاش! فأية فائدة لمعارضة "ديكورية" لا حقيقة لها ولا وزن؟! مُررت مع وجودها أسوأ القوانين، وأسوأ الميزانيات، وبيع القطاع العام، بل البلد بأسرها بلا مقابل، وصُدِّرت الشخصيات التي ينطبق عليها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ضُيِّعَتْ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) (رواه البخاري)، وفي رواية: (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) (رواه البخاري).

ثانيًا: أن السياسة والإدارة من العلوم الإنسانية التي اخترعها البشر بالممارسة، وليس بالشهادات والدراسات، بل الدراسات والأبحاث كلها لاحقة وتابعة على ممارسات القادة السياسيين الذين لم يحصلوا على أية شهادات ولا دراسات، ومع ذلك كانت ممارستهم هي المرجعية للشهادات والدراسات، وعلى رأس هؤلاء القادة الذين ساسوا أممهم وأداروا شئونها خير إدارة "رسل الله الكرام"، ومَن ربوهم من أصحابهم وتلامذتهم؛ الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في تاريخ البشرية في قيادة الأمم والشعوب، وهل تخرَّج الخلفاء الراشدون إلا في مدرسة النبوة التي قام التعليم فيها على الوحي المنزل كتابًا وسنة؟!

ونحن لا نعني بذلك انعدام فائدة الدراسة وعدم أهميتها، ولكن نقول: إن علوم الكتاب والسنة في حقيقتها تحقق للعقل والقلب الإنساني أعلى مراتب الإدراك والبصيرة، وأعلى مراتب التوفيق والهداية، وأعلى مراتب الرشد والحنكة في الممارسات والسلوك، ولو نظرت إلى قيادة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للأمة في مرحلة الوفاق، وقيادة علي -رضي الله عنه- لها في مرحلة الخلاف والفرقة؛ لعلمت شيئًا من حكمة الله في تقدير أمر الفرقة على الأمة؛ لتكون رغم آلامها ومحنتها سنة ماضية لمن أراد التعلم والاسترشاد.

ولو قارنت قيادتهما -وكلاهما خليفة راشد- بقيادة وعلم وسلوك ساسة العالم اليوم وإدارييه؛ لهالك الفرق بين الثريا والثرى.

ثالثًا: لم يكن السلفيون بعيدين طيلة عمرهم الدعوي عن المشاركة السياسية بتحديد المواقف المنضبطة بالشرع في كل قضايا الأمة، وهذا دون أن يتلوثوا بالمسرحية الهزلية المسماة: بـ"اللعبة السياسية".

وثبت -بفضل الله- أن نظرتهم المبنية على المواقف العقدية كانت هي الصواب سياسيًا، كما هي الصواب دينيًا وشرعيًا، كموقف "الدعوة السلفية" من الثورة "الإيرانية"؛ الذي انفردت به عن فصائل العمل الإسلامي في وقتها، على سبيل المثال كان أبعد نظرًا من الوجهة السياسية مِن كل الأطروحات التي صفقت للثورة الخمينية العنصرية التي تهدد العالم العربي والإسلامي بنشر الحزبية البغيضة، والفكر الرافضي، بل تهدد كيانات المجتمعات ذاتها، وليس فقط مصالحها السياسية والاقتصادية.

وكان موقف الدعوة من "حرب الخليج" هو الصواب سياسيًا واجتماعيًا، كما هو الصواب دينيًا وشرعيًا، وها هي آثار تزايد النفوذ الغربي ووجود القوات الأجنبية على أرض الإسلام تظهر يومًا بعد يوم، وما جنته من تدمير بلد بأسره واحتلاله وهو العراق، ومِن قبله أفغانستان، إنما هو ثمرة من الثمرات المرة لهذه الحرب.

رابعًا: نسأل مَن يطالبون السلفيين بالتأخر وعدم المشاركة، وترك المجال لـ"رجال المرحلة" كما يزعمون: هل يجب على ضعيف الخبرة لو سلمنا جدلاً صحة ذلك أن يظل على ضعفه وعجزه؛ لأنه لم يمارس، فيكون الحل أن يبتعد عن الممارسة؟! أم لابد لكل جاهل أن يتعلم، وكل قليل خبرة أن يكتسبها؛ ولكل أمي -لو كان أميًا- أن يتعلم القراءة والكتابة؛ ليصل إلى ما وصل إليه الآخرون، وقد ولدتهم أمهاتهم أميين؟! أم أنهم ولدوا أصحاب الحنكة والخبرة والقدرة؟!

وللحديث بقية -إن شاء الله-..