الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 21 ذو القعدة 1432هـ

ردًا على مقال: "استقيموا يرحمكم الله" لفهمي هويدي

ردًا على مقال: "استقيموا يرحمكم الله" لفهمي هويدي

كتبه/ أحمد الفيشاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي مقال للأستاذ الفاضل "فهمي هويدي" بعنوان: "استقيموا يرحمكم الله" بجريدة "الشروق" الأسبوع الماضى 9-10-2011 ، ذكر فيه كاتبه أن في صدره شيئًا من الدور الذي يقوم به السلفيون والصوفية في المجال السياسي بعد الثورة.

وعرض أوجه اعتراضاته في ثلاثة نقاط.. هي باختصار:

أولاً: انصرافهم عن العمل الاجتماعي والأنشطة الخيرية التي تصب مباشرة في خدمة الناس.

ثانيًا: أن السلفيين والمتصوفة دعاة وليسوا أهل سياسة.

ثالثًا: أن خطابهم يخوِّف الناس، وينفرهم منهم، ومن التيار الإسلامي في مجمله.

وفي نهاية المقال يذكر معرفته بأن "السلفيين ليسوا شيئًا واحدًا" و"أن التعميم قد يظلمهم.. ولكن إذا استقام كل على طريقته ولم يقحم نفسه على طرائق غيره؛ فإن ذلك قد يجنبنا كل تلك المحاذير".

هذا ملخص لأهم ما جاء في المقال، ولا شك أن الأستاذ فهمي له تقدير كبير واحترام لدى السلفيين، وغيرهم من التيار الإسلامي، وتوجيهه للنصح لهم مما يستوجب أن يشكر عليه.

ولا يمنع ذلك أن نناقشه فيما ينصحنا به ونخالفه؛ إذا لم يتبين لنا صحة كلامه، وأن نصحح له بعض ما بنى رأيه عليه، فإن الحكم على الشيء؛ فرع عن تصوره -كما يقولون-.

في هذا المقال رد "الأستاذ فهمي" على نفسه في آخر كلامه عندما ذكر أن السلفيين ليسوا شيئًا واحدًا، وهذا يكفي للرد على النقطة الأولى والثالثة دون النقطة الثانية، وكأن نصف ما نريد أن نقوله قد أوجزه هو في هذه العبارة.

فإذا كان "الأستاذ فهمي" قد رأى بعض السلبيات في بعض السلفيين فإن هذا لا يمكن سحبه على بقيتهم أو أغلبيتهم؛ لا سيما أن التيارات التي أعلنت عن تشكيل أحزاب واشتراكها في العمل السياسي أكثر تفاعلاً مع المجتمع، وخطابها الدعوى والسياسي أكثر انضباطًا ومسئولية، ولا يتسع المقام هنا لضرب الأمثلة أو المزايدة.

وعلى كل حال فإن ضعف الأداء الاجتماعي والخيري لبعض الفصائل قد يؤثر عليها بالسلب في حملتها الإعلامية أو على رأي بعض المصوتين، والتصويت هو الذي سيعطي كل فصيل وزنه الاجتماعي في النهاية، أما أن يستدعي ذلك قلقًا وحذرًا من الأستاذ فهمي، ومطالبة صريحة أو ضمنية بترك هذا المجال فلا ندري ما علاقة هذا بذاك؟!

ولو افترضنا أن بعض التيارات السلفية اهتمت بالدعوة ومنعتها بعض العراقيل من العمل الاجتماعي أو لم يسعها وقتها وجهدها ورأت أن عملها الدعوي أولى وأهم، فهل يلزم من هذا منعهم من العمل السياسي أيضًا، لا سيما أن العمل السياسي قد لا تقل فوائده على المجتمع من العمل الاجتماعي بمفهومه الكلاسيكي، بل العمل السياسي نفسه هو نوع من العمل الاجتماعي والدعوي في آنٍ واحد.

وهل خدمة الناس تنحصر في الجمعيات الأهلية أو المراكز الطبية والملاجئ ونحو ذلك؟!

وأي خدمة أعظم من أن تقي الناس شر القوانين المفسدة المجحفة التي تهدم المجتمع وقد تتسبب في إهدار قيمة كل أنواع الأعمال الاجتماعية الأخرى؟!

بل قد تصل -إن استتب الأمر للعلمانيين أو للمفسدين- إلى منع الدعاة من الدعوة، ومن الأعمال الاجتماعية أيضًا!

أو ليس مراقبة أداء الحكومة والإشراف على حساباتها والحفاظ على أموال الناس من الإهدار والاختلاس يدخل في قائمة العمل الاجتماعي؟!

فإذا كانت نصيحة "الأستاذ فهمي" مبناها أن هذا أنفع للمسلمين فهي -إذًن- موجهة للتيار الإسلامي في مجمله، وليس للسلفيين أو الصوفية وحدهم، وهو خلاف ما خص به "الأستاذ فهمي" حديثه، وهو خلاف الحقيقة أيضًا.

أما إذا كان "الأستاذ فهمي" يرى أن العمل الخيري والاجتماعي شرط لدخول العمل السياسي فكلامه حينئذ سيكون موجهًا -بالدرجة الأولى- للاتجاهات الأخرى غير الإسلامية التي طالما بررت فشلها السياسي بعزوفها عن العمل الاجتماعي والخيري وعدم اختصاص السياسيين بمثل هذه الأعمال، ولطالما تمنت منع الإسلاميين من مثل هذه الأعمال؛ حتى تقل شعبيتهم لدى الناس.

وعلى كل حال فالسلفيون -أو الإسلاميون عمومًا- حينما يقومون بمثل هذه الأعمال الخيرية لا يقومون بها من باب كسب الأصوات ونحو ذلك، وإنما هذا باب من أبواب الخير، كما أن العمل السياسي باب من أبواب الخير، وإذا انتفعوا من العمل الخيري في عملهم السياسي فهو نفع عفوي غير مقصود، ومن الخطأ الربط أو التأصيل لهذا النفع، ولا يوجد ما يمنع أن يكون أرشد الناس رأيًا في العمل السياسي ليس له مشاركة بالعمل الاجتماعي لا سيما إذا كان غيره يقوم به فيتكامل المجموع.

يبقى أن يقال: إن "الأستاذ فهمي" يرى أن العمل السياسي ليس من أبواب الخير أصلاً، وهو ما نعرف أنه لا يقصده، ولكن ما معنى قوله في مقاله في هذه النقطة: "وإذ يفترض أن تلك الجماعات منسوبة إلى رسالة الإسلام الذي هو رحمة للعالمين، فليس مفهومًا أن تترك كل أبواب الرحمة؛ لتحشر نفسها وتصرف طاقاتها في التشكيلات الحزبية والانتخابات النيابية والرئاسية والتحالفات التي تفرضها متطلبات التنافس السياسي كل حين".

فهل يرى "الأستاذ فهمي" فعلاً أن العمل السياسي ليس من الإسلام الذي هو رحمة للعالمين كما هو ظاهر الكلام؟! أم أنه من الإسلام غير أنه ليس من أبواب الرحمة؟!

أما قوله: "فليس مفهومًا أن تترك كل أبواب الرحمة" فكلام ليس له معنى لا حقيقة ولا مجازًا، وكنا ننأى بكاتب مثل "الأستاذ فهمي" عن مثل هذه اللغة في الحوار أو النصيحة أو حتى في النقد.

وكذلك قوله بعد ذلك: "لتحشر نفسها" بما له من دلالات سيئة كلها تصب إما في خانة الإقصاء الذي يتكلمون عليه، أو في خانة فصل الدين عن السياسة، أو على أقل تقدير -وهو ما يحاول الأستاذ فهمي الترويج له هنا- فصل الدعاة أو السلفيين عن السياسة، مع أن هذه هي البوابة الخلفية التي يحاول منها العلمانيون تمرير منهجهم في العمل السياسي بعد أن أخفقوا في التأصيل لفصل الدين عن السياسة، والتي انخدع بها بعض ذوى النوايا الحسنة والفهم المغلوط.

وعلى كل فإن دعوة الإسلام التي هي رحمة للعالمين ليست دعوة السلفيين وحدهم، بل هي دعوة التيار الإسلامي أجمع، بل والمسلمين جميعًا، فلماذا -إذن- خص "الأستاذ فهمي" حديثه عن فصيل معين؟!

هل يعني بذلك أن بقية الفصائل المنتمية للتيار الإسلامي والمشاركة بالعمل السياسي دعوتها مغشوشة -مثلاً-؛ وليست دعوتها من باب الرحمة؟ وإذا كان يراهم أهل سياسة لا أهل دعوة؛ فهل يدعوهم إلى البعد عن الدور الدعوي كما يدعو السلفيين للبعد عن الدور السياسي؟!

أما المجالات التي ينصح بها "الأستاذ فهمي" السلفيين أن يهتموا بها: كـ"التعليم ومحو الأمية، والصحة والنظافة العامة، والنشاط التعاوني، والنهوض بالحِرف والتدريب المهني، ورعاية الأحداث والمشردين"؛ فهي نصيحة جميلة، ولكن لا تتعارض مع العمل السياسي، وهذا وذاك من أبواب الخير لا سيما أن العمل الحزبي والسياسي يفتح أبوابًا واسعة لمثل هذه الأعمال.

أما مسألة "الخطاب التخويفي" الذي يخشاه "الأستاذ فهمي"، والذي يقول: "إن ضرره سيكون أكبر من نفعه"؛ فالسلفيون لا يتبنون في الأصل هذا النوع من الخطاب، وإذا وقع نوع من هذا؛ فعلى سبيل الندرة، ومن أفراد لا تعد من رموز التيار السلفي، بل ينصح رموزهم ومشايخهم دائمًا عامة الدعاة باستخدام الرفق أو ما يمكن أن نسميه بـ"الخطاب التطميني الحقيقي"، وليس المخادع؛ لأن الطمأنة دون تنازل عن ثوابت الدين تنبئ الجميع أنها نابعة من اعتقاد لا عن تقية وسياسة ميكافيلية، فإذا ضممنا إلى ذلك أن السلفيين مشهورون أنهم أكثر شفافية ووضوحًا ومصداقية من غيرهم؛ كان "خطابهم التطميني" هذا -لا سيما إذا كانوا محسوبين على القوة السياسية- أكثر فاعلية من خطاب غيرهم الذين قد يتهمون أن آراءهم المعلنة تختلف عن حقيقة ما يعتقدونه أو أنهم كان لهم آراء و فتاوى غير ما يقولون به الآن، فمهما قدموا من آراء بغرض التطمين؛ فالسلفيون سيكون خطابهم أكثر تطمينًا؛ لأنهم أكثر ثباتًا على منهجهم وأقوالهم.

أما إذا كان "الأستاذ فهمي" يقصد أن السلفيين صرحاء لدرجة لا تليق بالسياسة، وأنه ينبغي إخفاء أو تعديل -الذي هو في الحقيقة تحريف- بعض ما يعتقدون أنه من ثوابت الشريعة؛ فإنه في هذه الحالة سيكون هذا الأمر أدعى للمشاركة في العملية السياسية، لا الهروب منها؛ لأن انسحابهم من العمل السياسي حينئذٍ "ضرره أكبر من نفعه" بالمفهوم الشرعي الحقيقي لا على سبيل الظن أو التخمين.

أما تأكيد "الأستاذ فهمي" كلامه هذا بأننا "بصدد إعلام متصيد ومتربص، لا يكاد يلتقط هفوة أو رأيًا ملتبسًا حتى ينفخ فيه ويحوله إلى كارثة وطنية وقومية تتحدث بها الركبان وتتردد أصداؤها المفزوعة من كل ما هو إسلامي في أعمدة الصحف والبرامج التليفزيونية الحوارية"؛ فهذا الدور العدواني المغرض لكثير من وسائل الإعلام المشبوهة لن يتوقف؛ حتى لو نأى السلفيون بأنفسهم عن العمل السياسي!

وهل كان السلفيون يشاركون في اللعبة السياسية يوم كتبت "روزا اليوسف" عن أحد رموزهم: "أخطر رجل ضد مصر"؟!

والمدافعة بين الحق والباطل وإلقاء الشبهات والرد عليها سنة ماضية إلى يوم القيامة، لن تتوقف بقرار أو بإجراء، وهي على المدى البعيد أنفع للقضية الإسلامية ككل، والسلفيون يخرجون بعد كل هجمة عليهم أقوى عودًا وأنظف يدًا، وأكثر قبولاً ومصداقية عند الناس -أو على أقل تقدير عند المحايدين وذوي النوايا الحسنة-.

أما النقطة الثالثة -والتي جعلها "الأستاذ فهمي" في مقاله هي النقطة الثانية- وهي: أن السلفيين دعاة وليسوا أهل سياسة وأن الجماعات السلفية "تخوض غمار تجربة لا قبل لها بها، وليست مؤهلة للانخراط فيها": فمنطق لو استخدمه الناس؛ لما تقدموا خطوة للأمام في أي مجال من مجالات الحياة، أليس العلم بالتعلم، والفهم بالتفهم؟!

هل نقول لمن يريد أن يتاجر: لا تتاجر؛ لأن هناك تجارًا كبارًا وأنت مبتدئ لست مؤهلاً للانخراط في التجارة، ولا تحاول أن تكون صانعًا؛ لأن هناك من هو أكفأ منك، ولا تحاول كذا.. ولا تحاول كذا.. ؟!

هل ترانا نقول لمثل هذا: "مت جوعًا أو عش متسولاً على فتات الناس" مع أن التسول -أيضًا- له أصوله ومبادؤه، وسنجد مَن يقول له: لا تتسول؛ لأنك لست مؤهلاً ولم تتعلم قواعد التسول بعد، وهناك من هو "حريف" في التسول لا تستطيع أن تجاريه!

هل وجد "الأستاذ فهمي" في بداية مشواره العلمي أو في بداية كتاباته من يقول له: لا تحاول؛ لأنك لم تتأهل بعد وهناك من هم أهل للكتابة، ومن هم أكفأ منك لا تستطيع أن تجاريهم ونحو ذلك! ولو حصل؛ هل كان ذلك سيوقفه عن الكتابة؟!

كان الواجب على "الأستاذ فهمي" أن ينصح السلفيين بالحذر -مثلاً- أو بالتعمق في تعلم السياسة التي هي فرع من العلوم الإدارية تدرس ويتعلمها الناس مثل باقي العلوم بدلاً من أن يصورها على أنها "كيمياء" تستعصي على عقول السلفيين!

ثم إنه لا ينكِر مشاركة السلفيين في كل قضايا الأمة السياسية، ووجود المتابعة والتحليل والموقف السياسي ابتداءً من الثورة الإيرانية التي نختلف في الموقف منها مع الأستاذ "هويدي"، ثم حرب الخليج الأولى، ثم حرب تحرير الكويت، ثم حرب العراق، وأفغانستان، والقضية الفلسطينية، وقضية البوسنة والهرسك، وغيرها من القضايا.. لا ينكر وجود رأى للسلفيين فيها إلا غافل أو متغافل!

وحتى لو كانت علوم السياسة الحديثة وممارساتها معقدة أو خطرة؛ فمن أين للأستاذ "فهمي" أن يجزم باستعصائها على عقول السلفيين الذين اشتهروا بحبهم للقراءة وطلب العلم، وكثير منهم متقن لعلوم شرعية ودنيوية أصعب وأدق من علم السياسة؟! لا سيما أن السياسة عندهم -وعند "الأستاذ فهمي" أيضًا على ما نظن- جزء من الدين؟! فسيكون ذلك أدفع لهم لتعلم هذا الفن من الفنون.

أوَليس مشاركتهم في هذا المجال بضوابطه الشرعية قد تساهم في رفع الاتهامات الدائمة للإسلام أنه منهج نظري غير قابل للتطبيق ونحو ذلك من شبهات المغرضين؟!

لقد كان السلفيون ممنوعين زمنًا طويلاً من المشاركة السياسية التي لم يكن أحد يستطيعها إلا ببعض أو كثير من المخالفات الشرعية، ومع ذلك فقد كان كثير من المفكرين من أمثال "الأستاذ فهمي" حينها يعيب على السلفيين امتناعهم من المشاركة التي كانت وقتها غير مجدية، ويتخللها مخالفات شرعية كبيرة.. فلماذا الآن يقال مثل هذا الكلام؟!

هل كان الغرض من الجدل أن تصب التيارات السلفية قوتها ورصيدها لصالح غيرها من التيارات؛ وإلا فلتتجنب السياسة؛ لأنها "لها أهلها"؟!

أما أغرب ما في مقال "الأستاذ فهمي" فهو استخدامه للغة "المطلق" و"النسبي" التي كثيرًا ما يستخدمها دهاقنة العلمانية وفلاسفتها، وهي لغة يستخدمونها دائمًا لمحاربة شريعة الإسلام، ودعوى أنها مطلقات؛ أما واقعنا وزماننا ومكاننا فهو نسبي، ومِن ثمَّ "فلا يجوز أن يعامل ما هو نسبي بما هو مطلق".

يقول "الأستاذ فهمي" عن السلفيين: "فهؤلاء دعاة وليسوا أهل سياسة، والفرق بين الاثنين كبير، فأغلب الدعاة تتعلق أعينهم بالنص، أما أهل السياسة فهم مهجوسون بالواقع! والأولون مشغولون بالمطلق، والآخرون مهمومون بما هو نسبي!

والدعاة أيديهم في المياه الباردة كما يقال، ويتعاملون مع الأبيض والأسود، أما أهل السياسة فأيديهم في المياه المغلية، ومطلوب منهم دائمًا أن يفاضلوا بين درجات المنطقة الرمادية".

نعرف أن "الأستاذ فهمي" ليس من هذا الفريق الذي يستخدم الفلسفة لمحاربة الشريعة، وأنه لا يعني ما يعنونه، ولكن هذه هي مصطلحاتهم وطريقتهم.

وبعيدًا عن فلسفة المطلق والنسبي التي تحتاج لبسط في موضع آخر نقول للأستاذ "فهمي": إن هذه الأدوار التي نسبتها للساسة دون الدعاة هي من صلب اختصاص أهل العلم دون غيرهم لا سيما وقد فرقت بين النص والواقع، فجعلت الساسة في الشق الثاني دون الأول، أما أهل العلم -لا سيما من يتصدر منهم للسياسة- فهم مهتمون -أيضًا- بالواقع والبحث عن النص الشرعي المطابق له، ولا يشغلهم اهتمامهم بالواقع إلى حد "الهوس" الذي قد يوحي بإهمال النص أو التقصير في البحث عنه، وقد أشار الأستاذ فهمي لذلك في سياق كلامه حين قال: "أدري أن الأصوليين يشترطون في المجتهد أن يكون عارفًا بزمانه ومدركًا لحقائق الواقع المحيط به، لكن من قال: إن كل الدعاة -سلفيين منهم أو متصوفة- مجتهدون".

ونقول له: ومن قال: إن كل السلفيين أو الدعاة السلفيين سيشاركون في العمل السياسي أو على أقل تقدير في القرارات السياسية، أليست هذه الأمور يرجع فيها لعلمائهم ومجتهديهم؟!

ولو افترضنا أن هذا الأمر ترك لصغار طلاب العلم فلن يكون سوء تصرفهم أفسد من سوء تصرف من هو مشغول بالواقع لحد "الهوس"، ومع توقع الخطأ من كليهما فلن يكون خطأ من هو حريص على النص بأعظم من خطأ من هو مهووس بالواقع، مع أننا نؤكد على أن هذا الأمر لا بد فيه من مراجعة العلماء المجتهدون دون غيرهم في كافة الآراء والقرارات السياسية؛ لا سيما الفاصلة منها.

ثم إن هذا الكلام ينسحب على كل الفصائل الإسلامية التي تشارك في العمل السياسي وليس السلفيون وحدهم، هل -مثلاً- "الإخوان المسلمون" كلهم ساسة ومجتهدون أم أن القرارات السياسية يتولاها من هو معروف عندهم بإتقان هذا المجال؟!

ولو افترضنا أن هذه الأمور ليست من اختصاص الدعاة، وأن لكل اختصاصه فإن هذا يكون أدعى للمشاركة السياسية حتى يقوم هؤلاء "الدعاة" بواجبهم من تذكير هؤلاء "الساسة" دائمًا بالنص حتى لا ينسوه في خضم "هوسهم" بالواقع.

ثم نقول للأستاذ "هويدي": مَن كان يضع يده في الماء المغلي في أحداث "أطفيح"، وفي "فتنة ماسبيرو"، وفي أحداث قبلها كثيرة.. ؟!

وهل أطفأ النار، ومنع انتشار الفتنة التي كان مقصودها "تدمير الدولة المصرية"، و"هدم أركانها" إلا السلفيون الذين يضعون أيديهم -بزعمك- في الماء البارد؟!

أن يكون للأستاذ "فهمي" رأي، أو قناعة؛ فهذا مما لا بأس به، ولا بأس أيضًا أن نبيِّن له واقعًا أو نصحح له فهمًا.

ونذكِّر "الأستاذ فهمي" -وهو الذي يستخدم لغة "المُطلق" و"النسبي"- أنه لم يميز بينهما في اختياره لعنوان مقاله حينما اقتبس هذا العنوان الذي هو أليق بقاموس"المطلقات" بينما رأيه -مهما كان- هو في النهاية من دنيا "النسبيات"، ولا يليق أن يضفي على ما هو نسبي قداسة المطلق.

يبقى أن يقال: إنه قد جمع بين السلفيين والمتصوفة في الوصف والحكم، مع ما بينهما من فروق منهجية وواقعية، وهو ما أعرضنا عنه هنا؛ حتى لا يطول الكلام؛ ولأنه ليس غرضنا هنا.

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.