السؤال:
علمتُ أن كل حزب، ومنهم "حزب النور" يدخل الانتخابات عن طريق الفردي والقائمة، وكل قائمة تحتوي على أربعة أسماء، ولا بد من وجود امرأة في كل قائمة؟ والسؤال: موافقة الحزب على ترشيح المرأة تحت الحزب، والحزب مرجعيته إسلامية أو بالأحرى سلفية المنهج؛ ألا يتعارض هذا مع حرمة تولية المرأة للولايات العامة؟!
وجزاكم الله خيرًا وبارك فيكم، ونفع بكم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد اختلف المعاصرون في توصيف المجالس النيابية: هل هي ولاية؛ فلا يجوز تولية المرأة؟ أم هي مجرد مشاورة؛ فلا مانع مِن وجود نساء فيها؟ فقد شاور النبي -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة -رضي الله عنها- في الحديبية، وشاور عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- الجميع في تولية عثمان أو علي -رضي الله عنهما- حتى النساء في البيوت، ولا دليل على المنع من ذلك.
والصحيح عندنا أنها ولاية، بل هي أقرب إلى توصيف أهل الحل والعقد عند الفقهاء؛ لأن من حق هذه المجالس عزل الحاكم ونوابه ومساءلتهم، وفي بعضها تعيينهم، ولكن الواقع الحالي لا بد فيه من النظر إلى "خير الخيرين وشر الشرين"، وإعمال قاعدة: "مراعاة المصالح والمفاسد" بميزان الشريعة، فنحتمل أدنى المفسدتين لدفع أشدهما، ونجلب أعظم المصلحتين ولو فاتت أدناهما، فالله لا يحب الفساد، وقد قال شعيب -عليه السلام-: (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود:88).
ولو نظرتَ إلى مفسدة وجود امرأة مسلمة في قائمة حزبية -"قد تصل إليها نسبة النجاح وقد لا تصل، وهي إن وُجدت في المجلس نصرتْ قضية الشريعة الإسلامية، ومنعت مِن سنِّ ما يخالفها"- وبيْن مفسدة ترك 65% من مقاعد المجلس النيابي للعلمانيين وأشباههم، أو لمن لا يتبنون خطابًا سياسيًا يحقق طموحات القاعدة العريضة من الإسلاميين -وإن حسبوا على الإسلاميين-؛ مما قد يؤدي إلى صياغة دستور علماني أو ليبرالي سيكون قيدًا بلا شك على الدعوة إلى الله والعمل الإسلامي كله -ولكن هذه المرة باسم "الدستور والقانون"، وليس باسم "الدولة البوليسية"-، لو نظرتَ إلى المقارنة بين المفسدتين؛ لوجدتَ مفسدة وجود امرأة مسلمة على القائمة لا يمكن أن تقارن بالمفاسد الكبرى المذكورة، وغيرها..
وأن احتمال هذه المفسدة هو مِن جنس احتمال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية أن يمحو "بسم الله الرحمن الرحيم"، ويكتب: "باسمك اللهم"، وأن يمحو "محمد رسول الله" ويكتب: "محمد بن عبد الله"، وأن يقبل أن يَرُد من جاءه مسلمًا، ولا يرد المشركون من ذهب إليهم مرتدًا؛ مع كونه ظلمًا وجورًا لو جرد عن مصلحة إمضاء صلح الحديبية والفتح المبين الذي حصل به.
واعتراضنا على من سبقونا في العمل السياسي قديمًا في ظل النظام البائد -قطع الله عن المسلمين سنته- إنما كانت على تنازلات عقدية وعملية، مثل: قبول أدب الزندقة والإباحية، وقبول نتائج صناديق الاقتراع ولو جاءت بإلغاء الشريعة، والتصريح بعدم كفر اليهود والنصارى مثلاً؛ من أجل تحقيق مصلحة انتخابية.
وكان منها: "مسألة ترشيح المرأة"؛ لأن كل هذا لم يكن هناك ما يقابله من مصالح أو دفع مفاسد أعظم بميزان الشريعة، بل ولا يمكن أن يقابله؛ لأن مفسدة التصريح بخلاف التوحيد وأن الإسلام هو الدين الحق دون ما سواه، والقبول بأدب سب الله ورسله -وهو انعدام الأدب، بل سوءه- أعظم السوء لا تدانيها ولا تساويها مفسدة أخرى؛ لذا كان موقفنا من الموافقة على ترشيح النساء على قائمة حزب النور من باب "إعمال قاعدة المصالح والمفاسد"، وليس "تنازلاً عن ثوابتنا"، ولا "إعطاءً للدنية في ديننا". والله المستعان.