كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وعلى الداعي أن يلجأ إلى ربه في كل وقت وحال، ولا يمنعه من الدعاء شيء؛ لأن الله لم يقيدنا بوقت دون وقت، ولا بحالة دون حالة أخرى، بل قال -تعالى-: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) (البقرة:186)، وقال -تعالى-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)، وذلك من غير تقيد.
آداب الدعاء:
وعلى الداعي أن يراعي آداب الدعاء، ومنها:
1- تجنب الحرام مأكلاً ومشربًا وملبسًا؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وفيه: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبُّ يَا رَبُّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!) (رواه مسلم).
2- الإخلاص، وهو أعظم الآداب، قال -تعالى-: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (غافر: 14).
3- التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.
4- الوضوء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه-: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ) أو قال: (عَلَى طَهَارَةٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
5- استقبال القبلة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبل القبلة في دعائه يوم "بدر".
6- بسط اليدين ورفعهما حذو المنكبين؛ لقوله-صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
7- أن يسأل الله بأسمائه الحسنى، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف: 180).
8- الدعاء بالأدعية المأثورة.
9- يبدأ بنفسه إذا دعا لغيره.
10- أن يسأل بعزم ورغبة وجد واجتهاد، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لا مُكْرِهُ لَهُ) (رواه البخاري).
11- استحضار القلب، ويحسن الرجاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
12- يلح العبد في الدعاء ويكرره، فقد كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا (رواه مسلم).
13- لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) (رواه مسلم).
14- على العبد أن لا يستعجل ويستبطئ الإجابة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) (متفق عليه).
محظورات الدعاء:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ) (رواه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ) (رواه مسلم).
الدعاء يرد القضاء:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، قال تعالى-: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد:39).
والحاصل أن الدعاء من قدر الله فقد يقضي الله بشيء على عبده قضاء مقيدًا، فإن دعاه؛ اندفع عنه ما قضاه.
دعاء لا يرد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ) (رواه مسلم).
الساعات التي تجاب فيها الدعوات:
1- ليلة القدر:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
2- يوم عرفة:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الدُّعاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وخَيْرُ ما قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
3- شهر رمضان:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
4- يوم الجمعة، وساعة الجمعة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) (متفق عليه).
5- جوف الليل -وقت السحر-:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، يَقولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) (متفق عليه).
وَعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ: (جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
6- عند النداء -الأذان-:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) (رواه أبو داود وصححه الألباني).
7- بين الأذان والإقامة:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
8- عند إقامة الصلاة:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
9- دبر الصلوات المكتوبة.
10- في السجود:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) (رواه مسلم).
11- عند قول الإمام (وَلا الضَّالِّينَ).
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
12- عند شرب ماء زمزم:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَاءُ زَمْزَم لِمَا شُرِبَ لَهُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاءً من كل داء".
13- عند صياح الديكة:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ؛ فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ؛ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا) (متفق عليه).
14- عند نزول الغيث:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عندَ الْتقاءِ الجُيُوشِ وإِقامَةِ الصّلاةِ ونُزُولِ الغَيْثِ) (رواه الشافعي والبيهقي، وصححه الألباني).
15- عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر.