الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفِعَ إلا بتوبة؛ فلابد مِن توبة صادقة جماعية إلى الله -تعالى-، وكثرةِ التَّضَرُّع إليه؛ (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ونحن إذ نبين للجميع موقفَنا مِن معالجة الموقف الراهن؛ نحدده في النقاط التالية:
1- التأكيد على هُوية مصر الإسلامية؛ كدولة إسلامية مرجعية التشريع فيها إلى الشريعة الإسلامية، وكُلُّ ما يخالفها يُعَدُّ باطلاً، وهذه مسألة اتفقتْ عليها عقيدةُ الأُمَّة وعَقْدُها الاجتماعيُّ -فضلاً عن دستورها- لا يمكن المساس بها، ولن تَسمح الأُمَّةُ لبعض المتسلِّقين على أكتاف الجماهير -بل دمائهم- أن يُزايدوا عليها، ولن يَسمح بها الشعب ولا الجيش ولا الأزهر ولا الجماعات والاتجاهات الإسلامية جميعُها، وهذا في الحقيقة هو الضمان الحقيقي لحماية غير المسلمين واستمرارِ السلام والتسامح في المجتمع، ونحن مُستعِدُّون لِنَبذُلَ أرواحَنا للمحافظة على الهُوية الإسلامية للبلاد.
2- مع يَقيننا أنَّ التغييرَ الحقيقيَّ هو في إقامة دِين الله في الأرض وسياسةِ الدنيا به؛ إلا أنَّ إدراكَنا للواقع ومعرفتَنا بأنه لا بد أن تَسبق هذا خطواتٌ هي الآن في حَيِّز الممكِن والمتاح، وليست هي كُلَّ الـمَرْجُوِّ والمأمول؛ وسنلخصها في الآتي:
• تغيير الوضع السابق على الأحداث ضرورةٌ حتميةٌ؛ فلا يمكن أن يستمر مَن أَدَّى بالبلاد إلى حافة الهاوية -نسأل الله أن يعافيَنا منها-، ولكنَّ الكلامَ على كيفية حدوث ذلك إلى الأفضل لا إلى الأسوأ، ولا يمكن الاستمرارُ في دَفع البلاد إلى مَزيدٍ مِن الفوضى، وها نحن قد رأينا كيف أَدَّى غيابُ مرفق واحد -وهو الشرطة- إلى أنواع المفاسد و المخاوف والسَّلْب والنَّهْب؛ فكيف يطالِب البعضُ باستمرار ما يؤدي إلى الفوضى، وقد أُخرِجَ المجرمون مِن السجون، وتسلحوا بالأسلحة المسروقة؟! فكيف إذا زاد الأمرُ بفَرَاغِ باقي المرافق: مِن التجارة الداخلية، والتَّمْوِين، والتجارة الخارجية، واحتياطات البلاد مِن الغذاء والوقود، وغيرِها؟! وكيف إذا غابتْ مرافق الاقتصاد والبنوك -وبخاصة البنك المركزي- والمرتَّبات والمعاشات والمصانع والأنشطة التجارية -ولو لمدة وَجيزة-؟! كُلُّ هذه المفاسد وأضعافُها مِن التقاتُل وسَفك الدِّماء وانتهاكِ الحُرُمات سوف تكون هي النتيجة للتغيير الذي يَعقبه فَرَاغٌ، خاصةً مع غياب قيادةٍ للمظاهرات، وعَدَمِ تَوَحُّدِ الأحزاب السياسية؛ فمَن يَدفع البلادَ لمزيدٍ مِن الفوضى بحجة التغيير مع كُلِّ ما ذُكِرَ سيَتحمل نتائجَ ذلك كُلِّه أمام الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
• وإنَّا نُرجِّح قبولَ إصلاحاتٍ عاجلة لإنقاذ الموقف، على أن تكون هناك فترةٌ انتقالية تمهيدًا لانتخاباتٍ حُرَّةٍ حقيقية مِن أجل تولية الأَكْفاء.
• مِن أَهَمِّ الإصلاحات المطلوبة:
- إلغاء قانون الطوارئ، ومنع الاستبداد والقَمع والتعذيب والسَّجن والاعتقال دون محاكمة.
- السعي إلى تعيين الأَكْفاء الذين يتقون اللهَ في جميع الوزارات والمصالح بناءً على قوله -تعالى-: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، وقولِه -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا وُسِّدَ الامْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ).
- محاربة الفساد الماليِّ والاقتصاديِّ والقانونيِّ الذي سَمَحَ باحتكار أفرادٍ معدودِينَ لاقتصاد البلاد، ورَكَّزَ الثَّروةَ القَوميَّةَ في أيديهم، ومَكَّنَ مِن بَيع القِطاع العام وأراضي الدَّولة وشركاتِها الحساسة لأفراد بأعيانهم بالرِّشوة والمحسوبية؛ فجَمَعَ الوضعُ بين مفاسد النظامَيْنِ الاشتراكيِّ والرأسماليِّ؛ فأصبحتْ الطبقاتُ في المجتمع بين الغِنَى الـمُطغِي والفقر الـمُنسِي، وضاعتْ حقوق الفقراء والرعاية لهم مِن الدَّولة، حتى أبسط الحقوق كالعلاج واستقرار أولويات المعيشة.
- إصلاح التعليم، وتسليم مسؤوليته إلى الأيدي الأمينة لا إلى مَن يَعبث بعقول أبناء الأُمَّة.
- إصلاح جذري للإعلام؛ مِن صحافة وتليفزيون وإذاعة، وإزاحةُ الفئات الفاسدة التي لا تحسن إلا تشويهَ صورة الإسلام والمسلمين، وتكريسَ التَّبَعِيَّةِ لأعداء الأُمَّة.
- رَفع الاضطهادِ الأَمْني الذي تَعَرَّضَ له الإسلاميون في مجالات التوظيف والتعليم والإعلام وغيرِها، وحرمانِهم مِن أبسط حقوقهم، وحُرِمَتْ البلادُ مِن جهدهم الصادق المخلص، وقد ظهر في هذه الأحداث مَن الذي سارع إلى نجدة الناس وحمايتِهم في ظل الغياب التام للشرطة والأمن.
3- قضية الموقف مِن الـمُواطَنة والعلاقة مع الأقباط:
أَثبتتْ الأحداثُ أنَّ الأمانَ الحقيقيَّ لهم هو في الشريعة والقائمين بها، وليس في رفع الشعارات الجوفاء؛ كالمواطَنة وإلغاءِ خانة الدِّيانة مِن البطاقة وإلغاءِ صفة الدَّولة الإسلامية ورفعِ شعارات الدَّولة الـمَدَنِيَّة؛ لتُسْحَقَ عقيدةُ المسلمين ويُكْذَبَ على الله ورسوله، ويُكَذَّبَ القرآنُ والسُّنَّةُ مِن أجل هذه الشعارات، ويكفي للتدليل على ما ذكرنا موقفُ الدَّعوة السَّلفية أثناء الأحداث مِن التزام أفرادها بحماية ممتلكات النصارى مع المسلمين، وقد قمنا بذلك بالفعل حتى كانت مشاركة أفرادهم في توزيع بيانات الدعوة بأنفسهم وطلب الحماية منهم ضد المجرمين الذين لا يُفَرِّقُون بين مالِ مُسلِمٍ أو نَصْرَانِيٍّ، ويكفي للتدليل أيضًا التجاءُ أصحابِ خصوماتٍ منهم إلى بعض الدُّعَاة لنيل حقوقهم لدى المسلمين، وقد تم ذلك في مواقفَ متعددةٍ بفضل الله، ويكفي للتدليل على ذلك أنَّ أحدًا منهم لم يَتعرض في وسط الغياب الكامل لسُلطة الدَّولة والأمن إلى أي اعتداء عليه في دَمِه أو مَالِه أو عِرْضِه، بل حتى في كنائسهم وأديرتهم، ويكفي أنَّ الكنيسةَ استندتْ في محاولتها إبطالَ بعض ما لا تريد مِن أحكامٍ قضائية إلى عدم دستوريتها بناءً على أنَّ المادةَ الثانيةَ مِن الدستور تنص على أنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ هي المصدرُ الرئيسي للتشريع، وأنَّ الشريعةَ تعطيهم الحقَّ في تصريف أمورهم الشخصية.
4- ندعو جموعَ الشعب المصريِّ إلى تجاوز الأَزمَة والعفو والصَّفح عن كل مَن بدر منه إساءةٌ أو اعتداءٌ مِن أفراد الشرطة، ونُحذِّر مِن التعميم الظالم والاعتداءِ على أفرادها؛ فهم في النهاية أبناؤنا وإخواننا -جزء مِن شعبنا وأُمَّتنا-؛ مَن كان خادمًا للبلاد كَرَّمْناه، ومَن تجاوز واعتدى فنحن نريد صفحةً جديدةً وعهدًا جديدًا بلا اعتداء؛ (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)، فليس الأوانُ أوانَ تَشَفٍّ، بل تكاتُف وتضامُن حتى لا تغرق السفينة بالجميع.
5- نُحذِّر إخوانَنا التُّجَّار مِن رفع الأسعار، ونقول: احذروا أَذِيَّةَ المسلمين والإساءةَ إليهم في أرزاقهم، ونُحذِّر مِن تخزين المواد الغذائية الذي يؤدي إلى مَزيدٍ من الأَزَمَات، ونُحذِّر مِن نشر الشائعات التي تنشرها وسائلُ الإعلام الـمُغرِضَة التي تُزَعْزِع الأمنَ والاستقرارَ وتُوقِع الفزعَ والهلعَ.
ونسأل اللهَ أن يحفظَ بلادَنا آمنةً مطمئنةً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
الدعوة السلفية بالإسكندرية.
وُزِّعَ هذا البيان في مساء يوم الإثنين 27-صفر-1432هـ الموافق 1-فبراير-2011 ولكن حالت ظروف انقطاع الإنترنت دون نشره على الموقع إلا في هذه الساعة.