الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيا أيها الأخ الحبيب، أريد أن أتحدث إليك بحديث يخصك أنت، فهل تفتح لي أبواب قلبك الطيب، ونوافذ ذهنك المنير؟
نعم أخي.. أشعر بالفرح؛ كلما رأيتك تتقدم إلى الإمام بطاعة ربك، وأشعر بالحسرة والحرقة إذا رأيتك تترك مكانك، أو تتقهقر وراءك، وتأخذك المعاصي بتزيين الشيطان لك مساوئ الأمور على أنها محاسن الأمور.
أخي، أخاف عليك الشيطان وجنوده اللئام.
أخاف عليك من عدو رهيب يتربص بك؛ ليستثمر من ذنبك ويربي في خطيئتك.
أخي الحبيب، سأتحدث إليك عن العادة السيئة -السرية-، هذه العادة الشيطانية القبيحة.
أخي الشاب، ألا تعلم أضرارها؟!! حيث إنها تؤدي إلى ضعف البصر، وضعف الأعصاب ورعشتها، وتضعف السائل المنوي، كما أنها تتسبب في سرعة القذف، وعدم الانتصاب، وفقدان الشهوة مما يؤدي إلى العجز الجنسي، كما أنها سبب في التهاب الذكر ووجود آلام في الظهر والركبتين والمفاصل، والإصابة بأمراض أخرى مثل الزهري والسيلان.
ألا تسمع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، فذكر منها: (وَعَنْ شَبَابِهِ، فِيمَا أَبْلاَهُ؟).
حكم العادة السرية "السيئة" في الشرع:
حرام.. حرام:
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون:5-7)، وقد استفاد الإمام الشافعي من هذه الآية حرمة الاستمناء باليد؛ لأن الله -تعالى- قال: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) أي: غير الزوجة وملك اليمين (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المعتدون.
فاحذر من أن تكون ممن يتعدى حدود الله؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:229).
الأسباب الدافعة للوقوع في هذه العادة السيئة:
أولاً: ضعف الإيمان:
إن الإيمان بالله ووجود الوازع الديني هو الحصن الحصين والصخرة القوية للتصدي لهذه الشهوات، وضعف الإيمان والوازع الديني يجعل العبد أكثر جرأة على معصية الله.
ثانياً: أصدقاء السوء:
أخي الحبيب، يا من وقعت في هذه العادة السيئة،
هل تجد في أصدقائك واحدًا يأمرك بغض البصر؟
هل تجد في أصدقائك واحدًا يحثك على الصلاة؟
أخي، إني أخاف عليك من حسرات الآخرة التي أخبر ربنا -تعالى- عنها فقال: )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً) (الفرقان:27-28)، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
ثالثاً: عدم غض البصر:
فكم من الشباب سقطوا في الفاحشة بسبب نظرة الحرام وإطلاقهم البصر.
كل الحوادث مبـدؤهـا من النـظـر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فـتك السهام بلا قــوس ولا وتــر
والمرء مادام ذا عين يقلبها في أعيـن الغـيد موقـوف على الخطر
يـســر مقـلته ما ضـر مهجـتــه لا مــرحبًا بـسـرور عاد بالضـرر
رابعًا: الوحدة والفراغ:
إن الشاب الذي يطلق بصره، ويرتع في اللحم الحرام بعد أن يخلو بنفسه، ويبقى وحده يسعى الشيطان للإمساك بزمام فكره، ويذكره بهذه الصور المحرمة، ولا يزال به حتى يقع في الحرام.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري)، فإن الفراغ -لا شك- سبب في أن يفعل الشباب هذه العادة؛ لأن نفسك إن لم تشغلها بالحق؛ شغلتك بالباطل.
ما الوسائل المعينة على التخلص من هذه العادة السيئة؟
الاستعانة بالله:
قال ابن القيم: "إذا اعتصمتم بالله؛ تولاكم، وإذا تولاكم؛ نصركم على أنفسكم وعلى الشيطان".
مراقبة الله:
قال -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19).
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل: خلوت ولكـن قــل علــي رقيــب
ولا تحـسبـن الله يغــفـل سـاعـــة ولا أن ما تخـفي عــليه يـغـيـب
ألـم تـر أن اليـوم أســرع ذاهــبًـا وأن غـــدًا لــناظــــره قــريـــب
غض البصر:
قال -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30)، عن سفيان كان ربيع بن خيثم يغض بصره فمر به بعض النسوة فأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى.
الصوم:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ؛ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه).
الصبر والعفة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما الصبر عن المحرمات فواجب، وإن كانت النفس تشتهيها وتهواها، قال -تعالى-: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور:33)، والاستعفاف هو: ترك المنهي عنه، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ؛ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ؛ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ؛ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ) (متفق عليه)" اهـ. من "مجموع الفتاوى"(10/5574).
احفظ سمعك من الغناء والكلمات الماجنة، وغض بصرك عن النظر إلى الحرام من مسلسلات وفضائيات وأفلام خليعة وإنترنت.
احرص على آداب النوم، ومن ذلك: النوم على طهارة، وأذكار النوم، والنوم على الجنب الأيمن.
تذكر الموت فهو يأتي بغتة، فهل تريد أن تموت على معصية الله؟!
وتذكر القبر، فهو صندوق عملك.
التزام الصحبة الصالحة،
إن مصاحبة الأخيار من أهم وسائل العلاج، فعليك -أخي الكريم- أن تصبر نفسك مع هؤلاء الذي يتمسكون بالقرآن والسنة النبوية.
قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28)، وستجد -أخي الحبيب- عند هؤلاء الصالحين حسن الخلق، وستجد عندهم الحياء والعفة والطهارة.
عليك بالدعاء والالتجاء إلى الله -تعالى-،
كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) (رواه مسلم)، وكان يقول: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).