السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أرجو من الشيخ حفظه الله بإمداد الموقع بتغطية كاملة في أقرب وقت لتلك القضية الخطيرة "الاحتفال بشم النسيم" في أسرع وقت كما أرجو الرد على تلك الشبهات الخطيرة:
1- المسيحيون في مصر مواطنون لهم كامل الحقوق، وأهمها حرية العقيدة، وحق الجار في الوطن هو مشاركته أفراحه وأحزانه، ولهذا أهنئ مسيحيي مصر كلهم بعيد القيامة المجيد، وأهنئ كل المصريين باحتفال شم النسيم فهو احتفال من أجمل احتفالات مصر يجمع المصريين بجميع أديانهم ومذاهبهم و طوائفهم.
2- تلك الأفكار المتعنتة هي التي تجعل بعض المسلمين في عداء مع أنفسهم ومع العالم.
3- كيف تتوقع مني ألا أهنئ أصدقائي وجيراني بمناسبة أعيادهم وهم يقدمون التهاني بمناسبة أعيادي ما بلغهم العلم بها؟ هل هذه تعاليم القرآن والرسول الكريم الذي أوصي بسابع جار حتى من غير المسلمين؟!
4- كيف لنا أن نقوم بالدعوة بين أهل الكتاب إذا كنا سنتهمهم بالكفر فقد كانت لي صديقة مسيحية تأتي إلي في صيدليتي يوم الجمعة في وقت الصلاة وكانت تقول لي إن شئت ذهبت إلى صلاة الجمعة وأنا أجلس مكانك ريثما تنتهي الصلاة فلعله يأتي زبون فلا نضيعه كنت أهنئها في أعيادها وكانت تهنئني في أعيادي فهل أقابل خلقها الحسن بخلق سيء؟ لها الحرية في اختيار ما شاءت ولي الحرية في اختيار ما أشاء؛ أليس من واجبي أن أهنئها بعيدها قبل أن تهنئني؟!!
5- عيد القيامة المجيد الذي يحتفل به الإخوة المسيحيين هو موافق يوم صعود المسيح -عليه السلام- للسماء الذي تحدث عنة القرآن الكريم في قولة -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران:55)، فكيف يقول البعض أننا لا نعترف بمثل هذه الواقعة؟!!
المسيحيين لا يحتفلون بصلب المسيح الذي نخالفهم فيه ولا بقتل اليهود له الذي نختلف معهم فيه ولا بألوهيته التي بلا شك نخالفهم فيها وإنما يحتفلون برفعه الذي أقره القرآن الكريم!!
6- شم النسيم هو موافق يوم الزينة أو النيروز الذي تحدث عنة القرآن الكريم في قولة -تعالى- على لسان فرعون: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (طه:59)، وهو اليوم الذي انتصر فيه نبي الله موسي -علية السلام- على فرعون وملأه وسحرته، ونحن أولى الناس برسل الله -عليهم السلام-.
7- شم النسيم عيد "فرعوني" يجب أن نحتفل به وكفانا محوا للاحتفالات المصرية الأصلية، ما دخل الدين بالفرح والمرح الدنيوي؟ إن هذا التفكير يخلق عداوة وبغضاء بين خلق الله لا داع له.
8- كيف يحق لآي مخلوق تكفير أي من خلق الله -تعالى- وهو يعلم السرائر ولا يعلمها سواه؟ حتى ولو عرف القرآن الكريم من كفر ومن آمن لا يجوز لأي من خلقه إصدار هذا الحكم، اعبد ما شئت لنفسك واترك الحساب لمن خلقنا ومن سيحاسبنا يوم الدين.
9- ألم يقل الله أيضا أن بين النصارى من يبكي خشية الله، فلما لا تعتمد تلك الآيات كما تعتمد آيات التكفير. وما رأيك في تهنئة اليهود بما إنهم لا يعبدون إلا الله -تعالى- ولا يتخذون إنسانا ابنا لله؟ هل لنا أن نهنئهم بما إنهم ليسوا كفارا ولا مشركين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- قول القائل: "المسيحيون في مصر مواطنون لهم كامل الحقوق... " هذه المواطنة المذكورة التي يدندن حولها العلمانيون معناها عندهم -كما يصرحون- المساواة المطلقة بين أهل الملل المشتركون في واطن واحد، وهذا يناقض الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله -تعالى-: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم:35-36)، وقال -تعالى-: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص:28).
وقال -تعالى-: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثية:21)، فدلت الآية على أن من يسوي بين المسلمين والكافرين في المحيا والممات هو من أسوأ الناس حكمًا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).
وأجمع العلماء على أن الكافر يهوديًا كان أو نصرانيًا، أو غير ذلك لا يجوز أن يتولى الولايات العامة؛ لقوله -تعالى-: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) (النساء:141)، نقل الإجماع ابن المنذر وغيره؛ فلا يجوز أن يتولى الكافر رئاسة الدولة، ولا قيادة الجيش، ولا حتى سرية من سراياه، بل على الصحيح لا يجوز أن يشترك مع المسلمين في القتال؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- للرجل المشرك: (فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) (رواه مسلم).
ولا يجوز أن يتولى ولاية الحسبة، ولا الشرطة، ولا أي منصب في القضاء، ولا الوزارة التي فيها سلطان على مسلم.
ويجب أن يؤدي كل الكفار الجزية وهي علامة الصغار خلافـًا للمسلم، وليس الزكاة الواجبة عليه كالجزية لا قـَدْرًا ولا صفة، ولا معنى، إلى غير ذلك من الأحكام المتفق على معظمها فكيف يقول لهم كامل الحقوق بإطلاق؟! نقول: نعم لهم كامل الحقوق التي حددها الشرع، وليس بالمساواة مع المسلمين!
أما حرية العقيدة فهي عبارة فضفاضة لها عند القوم معاني مختلفة؛ فأما الحق منها فهو أنه لا يجوز إكراههم على الدخول في الإسلام طالما أدوا الجزية، والتزموا أحكام الإسلام، ولم ينقضوا العهد -حين وجوده وثبوته-.
أما حرية الردة فإثباتها كفر بواح لا خفاء فيه بالنص والإجماع؛ فمن أثبت حق المرتد في الردة كذَّب الكتاب والسنة والإجماع، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا) (النساء:137)، وهذا القائل يقول: بل هذا حق له! وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) (رواه البخاري)، وهذا عام في كل من مرتد إلى دينه الأصلي أو إلى غيره، وهو مجمع عليه في الرجل، وخلاف ضعيف في المرأة.
ومن معاني حرية العقيدة عند القوم: حرية الدعوة إلى الكفر كـ"التنصير" المسمى بـ"التبشير"، وهذا أيضًا من الكفر، فمن قال: "من حق الكافر أن يدعو إلى الكفر" فقد ناقض قوله -تعالى-: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (التوبة:12).
ومن معاني حرية العقيدة عندهم: حق إظهار الشعائر، وإقامة الكنائس، والاحتفال بالأعياد في طرقات المسلمين، وكل هذا من المعاني الباطلة التي لا يجوز لمسلم أن يسميها "حقـًا" وهي من أبطل الباطل.
- وقوله: "من حق الجار في الوطن أن نشاركه أفراحه... "، يعني بذلك فرحه بعيده الذي يحتفل به، وهو احتفال بعقيدة كفرية كمولد الإله، أو موته خصوصًا هذا الأخير المسمى بعيد القيامة؛ لأنه يتضمن إثبات الموت للرب -سبحانه- الذي هو في اعتقادهم المسيح -عليه السلام-، وهذا يتضمن تكذيب القرآن؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء:157)، فمن قال: صلب المسيح يوم الخميس ثم قام من الأموات يوم الأحد دلالة على قهره للموت لكونه الرب ثم يحتفل بذلك.. فهل بعد هذا الكفر من كفر؟!
فتهنئته به إن كان مع اعتقاد صحة ذلك فهو كفر ناقل عن الملة نوعًا وعينـًا، وإن كان بغير اعتقاد فهو شر من التهنئة على الزنا وشرب الخمر.
واحتفال شم النسيم من أقبح الاحتفالات؛ فإما أنه من أعياد الفراعنة المشركين عباد الأوثان، وعباد الملوك، وإما أنه مرتبط بفطر النصارى من صومهم عقب عيد القيامة عندهم، وكلا النوعين يحرم التشبه بهما؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار لما وجدهم يلعبون في يومين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية -مع أنهم لم يسموهما أعيادًا- قال: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
2- وأما أن هذه أفكار متعنتة تجعل المسلمين في عداء مع أنفسهم ومع العالم فكلام باطل؛ لأن ما دل عليه الكتاب والسنة لا يكون تعنتـًا، والمسلمون -بحمد الله- لا يعادون أنفسهم، ولا يعادون إلا من عاداه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الكفار والمنافقين، وهم والله لو كانوا أكثر العالم لتعبدنا لله بمعاداتهم امتثالاً لأمره -عز وجل-، كما قال -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
3- وأما من يهنئهم مجاملة؛ لأنهم يهنئوننا بأعيادنا فهو يريد أن يسوي بين الحق والباطل، فعيدنا عيد حق فيه: التوحيد والإيمان، وذكر الله وطاعته، وعبادته، وعيدهم عيد باطل فيه: الشرك والكفر، ونسبة ما لا يجوز لله رب العالمين.. فكيف نسوي بينهما (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)؟!
4- وأما قوله: "كيف ندعوهم ونحن نتهمهم بالكفر"! فالواجب أن يقول: كيف ندعوهم ونحن لا نكفرهم، فإذا كانوا مؤمنين فإلى أي شيء ندعوهم؟! ولماذا ندعوهم لترك دينهم الذي هو الإيمان بزعم هؤلاء الزنادقة؟!
بل لا تصح دعوتهم حتى نبين لهم كفرهم، وأما حسن الخلق فنحن نتعامل به مع كل الناس الذين لا يحاربوننا في الدين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، لكن ليس من ذلك المداهنة والمجاملة على حساب الدين، والزعم بأنهم مؤمنون.
- والبيع وقت صلاة الجمعة لا يجوز فالذي ذكره هذا القائل من ضمن منكراته.
5- وأين من دليل في الكتاب والسنة على أن عيد القيامة هو يوم رفع المسيح -عليه السلام- إلى السماء؟! بل هو عندهم يوم قيامة الرب من الأموات بنص كلامهم وتسميتهم.
6- وليس من دليل أيضًا على أن شم النسيم هو يوم انتصار موسى -عليه السلام- على فرعون وسحرته، ولو كان لكان التقويم بـ"الشهور القمرية لا القبطية"، ولم يشرع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تعظيم عاشوراء بصيامه.
7- قد سبق أن مجرد اللعب في أيام معينة نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
8- وأما القول: كيف يحق لأي مخلوق تكفير.. "! فهذا من تكذيب القرآن، ونحن لا نكفر من قـِبَل أنفسنا، بل نكفر من كفره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وسماهم بذلك، ومن أبى ذلك فقد كذب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أما الجنة والنار فالعبرة بما يموت عليه العبد، ونحن لا ننزل أحدًا جنة ولا نارًا، بل حسابهم على الله، ولكن من حكم الله بكفره وخلوده في النار من الكفار المعينين: كإبليس، وأبي لهب، وأبي جهل، وفرعون؛ فلابد أن نعتقد ذلك، فكل من مات كافرًا مشركًا بعد بلوغ الرسالة فهو مخلد في النار.
9- وأما بكاء بعض النصارى مما عرفوا من الحق فهم المؤمنون منهم: كـ"النجاشي"، ومن آمن معه بنص الآية: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)، فهل ترى نصارى زماننا يفعلون ذلك ويقولونه.. أم يطعنون في النبي -صلى الله عليه وسلم-، والقرآن والإسلام؟!
- واليهود كفار مشركون؛ لأنهم كفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وكفروا بالقرآن كلام الله، وأطاعوا الشياطين في الكفر؛ فهم قد عبدوهم من دون الله بهذه الطاعة، ومن كفر بكلام الله أو كفر بملائكته أو رسله فهو كافر بالله العظيم مشرك به بإجماع المسلمين، وقد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، ومنهم من قال: "عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ"، فلا يجوز تهنئتهم، كما لا يجوز تهنئة النصارى وسائر المشركين.