السؤال:
- بعض من ينتسب للعمل الإسلامي يقول بأنه لا يجوز بغض النصارى، وعندما أخبرتهم بآية المجادلة والممتحنة؛ قالوا: فما تقول في آية: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56). فقوله: (أَحْبَبْتَ) دليل على وجود الحب لغير المسلم؟!
- ثم ما الدليل على أن آية المجادلة: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... ) (المجادلة:22)، في غير المحاربين؟! فقوله: (حَادَّ) أي: حارب.
- وآية الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... ) (الممتحنة:4)، نزلت في قوم إبراهيم -عليه السلام-، وكانوا محاربين أيضًا لدعوته.
فأرجو التوضيح؛ خصوصًا أن هذا الأمر أخبرني به أكثر من واحد من نفس هذا الاتجاه.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
- فقد فسر غير واحد مِن المفسرين قوله -تعالى-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)، بأنها: أي أحببت هدايته.
فالحب الفطري الطبيعي لأب أو أم، أو ابن أو زوجة، أو شكل حسن، أو لذة معاشرة لا ينافي البغض في الله على الكفر أو النفاق، بل هذا الحب يتحول إلى حب هدايته وإيمانه، مثل قول عمر للعباس -رضي الله عنهما-: "مهلاً يا عباس، فإسلامك كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إسلام الخطاب!".
وقول أبي بكر -رضي الله عنه-: "لإسلام أبي طالب كان أحب إليَّ من إسلام أبي قحافة؛ لأن إسلام أبي طالب كان أحب إلى رسول -صلى الله عليه وسلم!-".
- وآية الممتحنة نص في أن البغضاء لا تزول إلا بالإيمان، وليس ترك المحاربة: (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
- وآية المجادلة عامة لا يجوز تخصيصها، ولا جميع أدلة تحريم الموالاة مع الكافرين إلا بدليل، وليس بالرأي والهوى! وما أعظم قول الشافعي -رحمه الله-: "فكان ما أُمِروا به مِن البر والإقساط غير ما نُهوا عنه مِن المحبة والموالاة". فهي غيرها شرعًا ولغة.
ومعنى المحادة أي: يكون في حد، والله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في حد، أي المناقضة والمخالفة، وهي حاصلة بالكفر قطعًا؛ ولو دون محاربة.