كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فتلك جملة أخلاق مذمومة متعلقة باللسان الذي أمرنا أن نتحكم فيه، ويجب عليك أن تجتنبها لتسلم، ويسلم لك صيامك، ولتتخذ من رمضان فرصة لتغييرها، وسأتناولها بالتفصيل في عدة مقالات؛ نظرا لأهميتها ولشيوع الخطأ فيها.
فعن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يالسان قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم، من قبل أن تندم. ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أكثر خطايا ابن آدم من لسانه) رواه الطبراني، وصححه الألباني.
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت).
ورأس مال العبد أوقاته، وكلما صرفها إلى ما لا يعنيه، ولم يدخر بها ثواباً في الآخرة، فقد ضيع رأس ماله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ) رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال، مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم تفاصيل لا حاجة لهم بها في اللباس أو الطعام والشراب وأخبار من الدنيا، وأحداث لا تفيد، وتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من أهل البلاد ووقائعهم. فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر. هذا إن لم تقع في المبالغة أو الكذب عند بيان تلك الأمور، وإذا بالغت في الجهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان، ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله -تعالى- فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك -وأنى تسلم من الآفات التي ذكرناها-.
ومن صورها أن تسأل غيرك عما لا يعنيك؛ فأنت بالسؤال مضيع وقتك، وقد ألجأت صاحبك أيضاً بالجواب إلى التضييع، هذا إذا كان الشيء مما يتطرق إلى السؤال عنه آفة، وأكثر الأسئلة فيها آفات. فإنك تسأل غيرك عن عبادته مثلاً فتقول له: هل أنت صائم؟ فإن قال: نعم، كان مظهراً لعبادته فيخشى عليه الرياء، وإن سكت كان مستحقراً لك وتأذيت به، وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه.
فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع.وكذلك سؤالك عن سائر عباداته، وكذلك سؤالك عن المعاصي وعن كل ما يخفيه ويستحي منه. وسؤالك عما حدث به غيرك فتقول له: ماذا تقول؟ وفيم أنت؟ وكذلك ترى إنساناً في الطريق فتقول: من أين؟ فربما يمنعه مانع من ذكره، فإذا ذكره تأذى به واستحيا، وإن لم يصدق وقع في الكذب وكنت السبب فيه.
وكذلك تسأل عن مسألة لا حاجة بك إليها والمسئول ربما لم تسمح نفسه بأن يقول لا أدري، فيجيب عن غير بصيرة.
فحاول أن تسأل نفسك عن هذه الأخلاق وابدأ معها التغيير بأن تترك الاستطراد في الكلام، واكتف بالقليل المفهم؛ فما قل وكفى خير مما كثر وألهى.
وللحديث بقية إن شاء الله.