الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 11 فبراير 2025 - 12 شعبان 1446هـ

اللهم لا تسلِّط علينا بذنوبنا مَن لا يرحمنا (من تراث الدعوة.. نشر بتاريخ: 22 شوال 1427هـ - 13 نوفمبر 2006م)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كنت أعددت في نفسي أن استكمل مقالات رعاية موازنة المصالح والمفاسد في الجهاد عمومًا -"جهاد الدفع وجهاد الطلب"-، ولكن استفزتني -في الحقيقة- تصريحات الرئيس الأمريكي "ترامب" في لقائه مع رئيس وزراء العدو الصهيوني "نتنياهو"، ووجدتُ فيها من الآلام التي تنزل بالمسلمين ما ينبغي أن نتذكر واجبنا لدفعها.

وقد كانت مذبحة "بيت حانون" التي ارتكبها اليهود الغاصبين في فلسطين عام 2006 ذكرى مؤلمة كان لها هذا المقال؛ فآثرتُ أن أقدِّمه اليوم، ثم نستكمل قضية رعاية المصالح والمفاسد، والمآلات في جهاد الدفع والطلب.

بيت حانون مأساة جديدة، وآلام في قلوب ملايين المسلمين، وشاهد على جرائم اليهود قتلة الأنبياء، وقتلة الذين يأمرون بالقسط من الناس، وأعداء البشرية، وأشد خلق الله عداوة للذين آمنوا، ودليل على التواطؤ والتحالف المخزي بين الأمريكان واليهود.

وإثبات أن أمة الغرب الصليبي الحاقد الذي لا يعرف حقوق الإنسان إلا للإنسان الأوربي هو داخل في (الَّذِينَ أَشْرَكُوا)، وليس في (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:82، 83).

وتذكير للمسلمين بجراحهم النازفة بسبب ذنوبهم وتفرقهم واختلافهم، وعدم قيامهم بنصرة دينهم حتى صار الملايين من المسلمين لا يدان لهم بنصرة إخوانهم وأخواتهم في فلسطين -كما في غيرها-، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن ما يجري اليوم في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وغيرها من بلاد المسلمين هو تحقيق لقول الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، وكثير مِن الناس يظن أنها ذنوب أهل البلد الذي نزل به البلاء، والحق: إنها ذنوب المسلمين في الأقطار المختلفة، بل ربما كان أهل البلاد التي نزل بها البلاء أقل الناس تقصيرًا؛ إذ إنهم يقومون بذروة سنام الدِّين، ويجاهدون عدوًّا هو أضعاف أضعافهم في القوة المادية دون سندٍ من أي دولة من دول العالم؛ اللهم إلا بالتنديد والاستنكار الذي لا يتعدَّى الألسنة والحناجر.

فلا تعلِّق -أخي المسلم- مسئولية ما يجري على شماعة أخطاء وتقصير الآخرين، ولكن انظر في نفسك، وفي مسئوليتك عن الدِّين في نفسك في أسرتك وبيتك، في عملك وزملائك، في أقاربك وجيرانك، فيمن تعاملهم من المسلمين وغيرهم في كل مكان.

هل أصلحت نفسك وزكيتها، وعملت على إصلاح الآخرين ودعوتهم إلى الحق؟ هل مددت كفًّا لتتشابك مع أكفٍّ كبنيان مرصوص؟

هل تألمت لألم المسلمين، وكنتَ كما وصف الله أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (أشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29) أم ارتضيت بعافية وهمية ربما كانت هي البلاء بعينه؟ فليراجع كل منا نفسه، وليجتهد في الدعاء لنفسه وأمته أن يرفع عنها البلاء.

فاللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.