كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل كلامنا في هذا المقال عن أسباب النبوغ العلمي في كيان الدعوة السلفية؛ فمن ذلك:
5- التدرج في طلب العلم: بالحرص على حلقات العلم ومجالس العلماء؛ سواء في المساجد أو عبر الوسائل الحديثة، مع اعتمادهم على التدرج في الطلب؛ بدءًا من المتون العلمية الصغيرة إلى الشروح المطولة، مما يجعل تحصيلهم العلمي قويًا ومتقنًا؛ حتى عُرِفوا بالسلفية العلمية لشدة اعتنائهم بالعلم وحرصهم عليه وتنافسهم فيه، وطلبهم له في الحلقات والمراكز والجامعات الشرعية.
6- الاهتمام بالتربية الأخلاقية: وذلك بالجمع بين العلم والعمل؛ إذ يتعلمون أن العلم النافع هو الذي يُثمر خشية الله والعمل الصالح، مع كثرة تحذير مشايخهم لهم من العُجب والغرور بالعلم فيضمن ذلك لهم تواضعًا في التعامل مع الآخرين، خاصة مع اعتناء مشايخهم بالتزكية السنية وكتب الرقائق، وعدم الاكتفاء بتلقي العلوم دون تعلم الأخلاق والرقائق والآداب.
7- التوازن بين مقاصد الشريعة، وأحكام الفقه المفصلة، والاعتناء بالكليات، والمحكمات والقواعد الشرعية، وإعمالهم لها في مسيرتهم الدعوية والإصلاحية: فلا يكتفون بالمسائل النظرية ولا حفظ المتون، بل يركزون كذلك على تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، بما يحقق مقاصد الشريعة، فاهتمامهم بالفقه بهذه الصورة يجعل علمهم أكثر أثرًا في نفوسهم ونفوس من حولهم.
8- النشاط الدعوي: فالدعوة إلى الله أحد أعمدة منهجهم، مما يجعل طلب العلم لديهم مرتبطًا بالعمل لنشر الدين، فيزدادون جديةً وتحفيزًا وحرصًا على تحصيل البصيرة التي هي من أركان نجاح الدعوة إلى الله.
9- التفرغ في بعض مراحل من الطلب والجدية: أبناء الدعوة السلفية يُدركون عظمة العلم الشرعي، فيُعطونه من أوقاتهم وجهدهم الشيء الكثير، ويبتعدون عن الملهيات ويحرصون على تقديم العلم على كثيرٍ من المهام ليكون لهم قائدًا، فالعلم قبل العمل والبصيرة منجاة من الزلل.
10- معايشة قدوات علمية كثيرة ومتنوعة التخصص: فوجود مشايخ ودعاة مؤثرين في حياتهم العلمية؛ يُلهمهم، ويُشعل فيهم حب العلم.
11- التوازن بين العقل والنقل: من سمات المنهج السلفي (التوافق بين النقل الصحيح والعقل السليم الصريح مع تقديم النقل عند التعارض)، فمنهجهم يتسم بالجمع بين التسليم للنصوص الشرعية واستخدام العقل كأداة لفهم الوحي، مما يُنمي ملكاتهم الفكرية بخلاف كثير من المناهج التي تصنع حاجزا بين العقل والنقل أو تقدم العقل على النقل، أو تتوهم التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح.
12- الروح الجماعية في الطلب: البيئة التي توفرها الدعوة السلفية من خلال المراكز العلمية، والملتقيات الدعوية، وحلقات التحفيظ، والدورات الشرعية، والتربية على التعاون والعمل الجماعي والتآخي؛ كل هذه أمور تهيئ جوًّا من التعاون والتنافس المحمود، وقد تربو على هذه السمة، وورثوها من مشايخهم، وحكايتهم في المذاكرة والمناقشة والقراءة الجماعية معروفة بينهم.
13- انفتاحهم على المؤسسات العلمية المعتبرة: أبناء الدعوة السلفية لم يقتصروا في تلقي العلم على مدرسة علمية واحدة، بل حرصوا على تلقي العلوم من الجامعات الشرعية؛ مثل: جامعة الأزهر، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وغيرها من المؤسسات المعروفة.
وهذا الانفتاح يثري حصيلتهم العلمية، ويجعلهم على دراية بمختلف المدارس الفقهية والمنهجيات، مع محافظتهم على الأصول الشرعية السلفية.
14- تلخيص الكتب المطولة وتقريب المؤلفات التراثية: فاهتمام أبناء الدعوة السلفية بتلخيص الكتب واختصارها، وتقريب الكتب التراثية يُعد سمة بارزة في منهجهم العلمي، حيث يتمكنون من: استيعاب العلوم الكبيرة في صورة مختصرة ومنظمة، وينشرون المعرفة بين طلاب العلم بطرق ميسرة، وهذه العادة تُظهر جديتهم في التحصيل العلمي وإفادة غيرهم؛ كما أنها تُساعد على ترسيخ العلوم، واستذكارها بشكل أعمق.
15- العناية بطباعة الشروح والمؤلفات: أبناء الدعوة السلفية لهم جهود مباركة في طباعة الشروح العلمية وتيسيرها للطلاب؛ سواء كانت شروح كتب السلف أو المعاصرين؛ فقد ساهمت الدعوة السلفية في نشر كثيرٍ من النفائس من خلال دور النشر السلفية، وكذلك تحقيق المخطوطات والكنوز العلمية التي غابت لمدة طويلة وأبعدت، وأهمل طباعتها لأغراض منهجية فكرية.
16- حركة التدريس والمذاكرة بين الأجيال: وجود حلقات المذاكرة والمدارسة بين الأجيال من أبرز سمات المنهج السلفي، حيث يتم تبادل العلم بين الشيوخ وطلابهم، وكذلك الطلاب فيما بينهم وقدامى الطلاب مع المبتدئين، وهذا التواصل بين الأجيال يضمن استمرار السلسلة العلمية، ويمنح الطلاب القدرة على تطوير أنفسهم من خلال النقاش العلمي البناء؛ كما أن التزام الأدب مع العلماء والشيوخ يعزز البركة في العلم ويُرسِّخ القيم التربوية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.