الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 22 يناير 2025 - 22 رجب 1446هـ

وقفات مع الفاتحة

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فسورة الفاتحة أعظم سور القرآن التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولنا معها وقفات للدلالة على عظمتها، وإن كانت كثيرة؛ إلا أننا نحاول الإيجاز في هذا المقال في تناول بعضها.

أولًا: أنها أول سورة نزلت كاملة، وأنها موجزة ومعجزة، وكذلك كان القرآن المكي؛ لأن المخاطبين به هم أبلغ العرب وأفصحهم؛ ولأن مدار البلاغة عندهم على الإيجاز.

ثانيًا: وضعت في أول السور؛ لأنها تنزل منها منزلة ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن، وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال (ابن عاشور).

ثالثًا: أنها من السور القلائل التي نزلت بها البشارة من السماء؛ كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ. فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: ‌أَبْشِرْ ‌بِنُورَيْنِ ‌أُوتِيتَهُمَا ‌لَمْ ‌يُؤْتَهُمَا ‌نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ) (رواه مسلم).

رابعًا: اشتملت على الثناء على الله لما هو أهله، وعلى التعبد، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، وآيات القرآن لا تخرج عن هذه الأمور (السيوطي).

خامسًا: على إيجازها تضمنت السورة أركان العقيدة الثلاثة:

- توحيد الربوبية في قوله: (رَبِّ العالَمينَ).

- توحيد الألوهية في قوله: (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعينُ).

- توحيد الأسماء والصفات في قوله: (الرَّحمنِ الرَّحيمِ).

سادسًا: قال الآلوسي: اشتملت على أربعة أنواع من العلوم؛ هي مناط الدِّين:

الأول: علم الأصول ومعاقده: معرفة الله -تعالى- وصفاته في قوله: (رَبِّ العالَمينَ . الرَّحمنِ الرَّحيمِ).

الثاني: علم الفروع ورأسه العبادات في قوله: (إِيَّاكَ نَعبُدُ).

الثالث: علم الأخلاق وما يحصل به الكمال في قوله: (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ).

الرابع: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة من السعداء والأشقياء، وما يتصل بهم من وعد ووعيد في قوله: (الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ) (انتهى).

سابعًا: أنها تدل على التوحيد الخالص، ونفي الشرك والباطل.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا أنفع للقلب من التوحيد وإخلاص الدين لله، ولا أضر عليه من الإشراك؛ فإذا وُجد حقيقة الإخلاص التي هي حقيقة (إِيّاكَ نَعبُدُ) مع حقيقة التوكل التي هي حقيقة (وَإِيّاكَ نَستَعينُ) كان هذا فوق ما يجده كل أحد لم يجد مثل هذا" (انتهى).

ثامنًا: أنها تدل على أهمية العمل الجماعي؛ فقد جاء التعبير القرآني فيها بصيغة الجمع في فضل العبادة والاستعانة وطلب الهداية ( نَعبُدُ - نَستَعينُ - اهدِنَا) دون الإفراد (أعبد – أستعين - اهدني)؛ للتأكيد على الحس الجمعي للمؤمنين في عبادتهم واستعانتهم ودعائهم، وإشارة إلى أهمية العمل الجماعي في الإسلام، فناسب ذلك مجيء صيغة الجمع دون الإفراد. (موسوعة الفروق).