كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل في هذا المقال حديثنا عن أخطر ما قد يتسبب في انحراف الكيانات الإصلاحية منهجيًّا، وهي المداهنة في الأمور العقدية تحت مزاعم: (النظام العالمي الجديد، والتعايش، وقبول الآخر، والتنوير، إلخ).
والله -تبارك وتعالى- قد حذَّر من ذلك؛ فقال -عز وجل-: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم: 9)؛ فهذه العبارات -التي يضغط بها الغرب- علينا أفرادًا وجماعات ودول ومؤسسات؛ ما هي إلا عبارات زائفة حيث يزعمون أن التمسك بالأصول العقدية الإسلامية الثابتة يخالفها ويؤدي إلى توتر العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد، وكذبوا في ذلك!
فالحقيقة أن الوضوح في أمر العقيدة لا يخالِف المعاملة الحسنة التي أمر الله بها لغير المسلمين، كما قال -سبحانه وتعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).
فالإحسان إلى غير المسلمين والبر بهم لا يتعارض مع تمسك المسلم بعقيدته، والجمع بين إقرار صحة عقيدة المسلمين والتمسك بها والمنافحة عنها، وبين إحسان المعاملة مع غير المسلمين من المسالمين، هو منهج واضح عملي للنبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام وجموع المسلمين من بعده عبر أربعة عشر قرنًا مِن الزمان؛ بخلاف تلك المناهج المشوِّهة والمضيعة للإسلام.
أعني بها:
- تلك المناهج التكفيرية التي لا تراعي حقوق المسلمين بحجة عدم موالاتهم لهم، أو حقوق غير المسلمين بحجة كفرهم، بل تظلمهم وتستحل دماءهم جميعًا (مسلمين وغير مسلمين) بغير حق!
- وتلك المناهج الليبرالية والعالمانية التي تريد أن ينسلخ المسلمون من عقيدتهم بحجة التعايش المجتمعي وقبول الآخر.
- وتلك المناهج الفلسفية الخرافية التي تدعو إلى وحدة الأديان تحت مسميات الدين الإبراهيمي المزعوم.
وقد حسم الإسلام الأمر بين هذا وذاك، وبيَّن أسس التعايش بين المسلمين، وبيْن غيرهم بوضوح جلى وإلزام شرعي، طبقًا لما فرضه الله -عز وجل- على المسلمين من حقوقٍ لغيرهم، وطبقًا لما طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- عبر العصور مع غير المسلمين تبعًا لأنواع العهود والعقود المختلفة التي جاءت بها الشريعة مراعاة لأحوال المسلمين وأحوال غير المسلمين حولهم وفي بلادهم؛ مثل: (العقد الدائم، والعقد المطلق، والعقد المؤقت، وعقد الأمان).
لهذا يجب أن نعي تمامًا أن هذ المنهج النبوي الوسطي العقدي؛ أعني منهج اهل السنة والجماعة، هو أصل في صحة الوجود عند أي تجمع أو كيان إصلاحي، ويجب أن نحذر من الانحراف عنه يمنة أو يسره تحت ضغط الواقع أو الانبهار بالحضارة الغربية أو الخرافات والشطحات أو الجهل بتطبيق قواعد السياسة الشرعية.
وفي ختام هذا المرتكز الرئيس:
يجب أن ننتبه إلى مكر أعداء هذه الأمة بأصحاب المناهج الإصلاحية، حيث يعملون ليل نهار إلى إبعادهم عن مصدر قوتهم الذي يتمثل في (ثباتهم المنهجي مع مرونتهم الحركية ودوام إحسانهم المجتمعي)، كما قال أحدهم يومًا واصفًا مشكلة الغرب في تعامله مع التيارات السلفية الإصلاحية في وصف إنجليزي مختصر:
They are as a box; rigid outside, flexible inside, This is a big problem with him.
كون أن هذا النموذج يستطيع التعايش والتعامل مع الواقع العالمي المحيط، وتحسين صورة الإسلام بين المجتمعات غير المسلمة (مرونة تعامل)، وفي ذات الوقت لا يفرط في ثوابت الإسلام ولا يميع شعائره (ثبات عقدي)، وهذا عين ما لا يريده الغرب؛ فالغرب يركز في أعماله الإعلامية والسياسية، بل والعسكرية إلى دفع أبناء هذه الكيانات الإصلاحية إما إلى الانحراف عنها يمنة أو يسرة، وإما بالوصول إلى تميع الدين المضيع لكينونته أو إلى الصدام المشوه له، وذلك عبر دفعهم إما إلى:
- المسار الليبرالي بخطوات هادئة بداية من الليبروسلفية أو الصوفية الفلسفية، وصولًا إلى المفاهيم الليبرالية والعلمانية، والتي تهدم أصول الدين تمامًا.
- أو المسار الثوري الصدامي، وذلك عبر دعم التيارات التكفيرية -ولو بدا الأمر ظاهريًّا غير هذا؛ بعلم هذه التيارات أم لا- سواء منها التيارات الممهدة لذلك المسار فكريًّا عن طريق تكفير المجتمعات والحكام، أو التوقف في الحكم على المسلمين، أو تكفيرهم بترك جنس الأعمال الصالحة (أو) التيارات المباشرة لهذا المسار بالقتال كداعش، وغيرها، والتي تستخدم لتفتيت الأوطان الإسلامية وتدميرها وتشويه الإسلام كله عند المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية.
- أو بإفساح المجال الإسلامي للمناهج الخرافية كالشيعة والصوفية الفلسفية الخرافية، عبر دعمهم وفرض تواجدهم المجتمعي والمؤسسي تحت غطاء ومبررات من العواطف والروحانيات والمسارات العلمية، حتى يتم استغلال هذه المناهج بعد ذلك في توجيه المجتمعات الإسلامية للخضوع التام للمفاهيم الغربية الكاملة، بل والعمل على تطبيقها بأسماء إسلامية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.